الخميس، 26 سبتمبر 2019

المواقع الاثرية في منطقة الغرب

المواقع الاثرية في منطقة الغرب
تشير جل المصادر التاريخية إلى أن الغرب كان مأهولا في جل حواضره المعروفة الآن.. جل المواقع الأثرية التي سجلها التاريخ تقع بالقرب من حواضر حديثة ... بناصا – تموسيدة – البصرة – قصبة المهدية ... إنها مدن القنيطرة – سوق أربعاء الغرب – بلقصيري و حدكورت .... كان الغرب مأهولا .. لكن الكثير من أجزائه كان عبارة عن ضايات و مستقنعات عمل المستعمر الفرنسي على تجفيفها و استصلاحها و تحويلها إلى ضيعات ممتدة لليمون و العنب و قصب السكر ....
كان الغرب و لا يزال بحكم تكوينه الجغرافي الحديقة الخلفية للمخزن و نقطة ارتكازه الأساسية, و مجالا للعطاءات و الهبات, و إرضاء القبائل المخزنية المنخرطة في حرب القبائل السائبة
يذهب الناصري في استقصائه إلى أن الشراردة "أصلهم من عرب معقل من الصحراء وهم طوائف، زرارة والشبانات وهم الخلص منهم ويضاف لهم بعض أولاد دليم وثكنة وذوو بلال وغيرهم..." و قد تم نقلهم في عهد سليمان العلوي إلى سهل أزغار بعد فتنة المهدي بن محمد بن أبي العباس الشرادي.
المواقع الاثرية في منطقة الغرب
المواقع الاثرية في منطقة الغرب

و من القبائل العربية الكبيرة التي تم توطينها بمنطقة الغرب قبيلة بني مالك وترجع أصولها إلى عرب بني هلال فهم بنو مالك بن زغبة بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال، و هم الفرع الأم لسائر بني مالك بن زغبة، و دخل بنو مالك المغرب مع سائر قبائل العرب التي أدخلها المنصور الموحدي بعد انتصاره على بن غانية، فأنزلهم بأزغار التي هي منطقة الغرب الحالية.
و من القبائل الكبيرة بمنطقة الغرب كذلك قبلية بني احسن و هي اتحادية قبلية عربية كبيرة، مندرجة ضمن قبائل الغرب التابعة إداريا لجهة الغرب الشراردة بني احسن، وهي عبارة عن مجموعة من قبائل يجمعها اسم جامع واحد في الاطلاق العام وهو بني احسن، ويضمها نطاق جغرافي كبير، ومجالات ترابية واسعة جدا، بحيث تجاور مجموعة كثيرة من القبائل المختلفة من حيث الأعراق، كأنها حد فاصل بين القبائل الأمازيغية الوسطى والقبائل العربية الشمالية الغربية.
هكذا يتضح إذن أن سوسيولوجيا منطقة الغرب ليست وليدة اللحظة أو من إنتاج الاستعمار الفرنسي الذي لا شك أنه ترك بصمات واضحة في تاريخ المنطقة، لكنها استمرار للحظات تاريخية ساهمت بلا شك في تشكيل مخيلة الغرباوي و في رسم معالم اقتسام السلطة و الثروة بين الإدارة المركزية و الأعيان المحليين.

وحدة : المواقع الاثرية في منطقة الغرب


المواقع الاثرية والتاريخية بمنطقة الغرب

رصد وتعريف وتوظيف
*مقدمة
-المحور 1 
الخصوصيات الطبيعية والبشرية لمنطقة الغرب
1- تنوع الوحدات التضاريسية وتكامل الموهلات الطبيعية لمنطقة الغرب
2-كثافة الشبكة النهرية وعمق الفرشة المائية بمنطقة الغرب
3-تطور وتعاقب الاستقرارالقبلي بمنطقة الغرب
-المحور 2 
المواقع الاثرية القديمة بمنطقة الغرب
1-موقع باناصا الحضري
2-موقع تاموسيدا العسكري
3-موقع ريغة الاثري
-المحور3
 المواقع الاثرية خلال الفترة الوسيطية
1-موقع البصرة القديمة
2-موقع حد كورت العسكري
3-موقع مولاي بوسلهام الديني
-المحور4 
المواقع الاثرية والتاريخية الحديثة بمنطقة الغرب
1-موقع المعمورة الجهادي
2-موقع مشرع الرملة العسكري
3-القصبات السلطانية من الخدمة المخزنية الى الاستغلال الفرنسي
-المحور5
المواقع التاريخية الكولونيالية المعاصرة
1-منشاة ميناء بور ليوطي على واد سبو
2-القنيطرة حاضرة ليوطي
3-المعالم الكولونيالية بمدينة القنيطرة
*الخاتمة

نكتة تونسية تقتل بالضحك

نكتة تونسية تقتل بالضحك


التوهامي قاعد يدوش دقت عليه أمو وقاتلو....
يا التوهامي انت في الدوش ...
قالها لا أنا في لندن وهذا صوتي يأتيكم عبر اذاعة البي بي سي ههههههه
قاتلوا أمو أنا دقيت عليك نحب نقلك أنو تليفونك في يد مرتك وفمها محلول شبرين 
ملي تقرا فيه في الميسانجر متاعك وماناش عارفين نسكتوها .....
وهاني جبتلك المنشفة وحوايجك باش ترقد مليح في لندن
وتعرف كيفاش تحكي مع امك يا الكلب ههههههههههههه

تتمة قصة الشاب الذي تحول من شمكار الى تاجر

تتمة قصة الشاب الذي تحول من شمكار الى تاجر

واحد 90 درهم بقيت غادي على هاد البروغرام فظرف 15 يوم رجعت لواليد فلوسو و بقيت خدام كل نهار و رزقو دازت 3 الاشهر تعلمت الحرفة و راس المال بدا كيكبر شديت بلاصة فالسويقة ديال الدرب تماك فين وليت خدام ديال بصح درت الخضرة و ديسير سلعة نقية راس السوق كنجيب ديك 30 صندوق مخلطة كنخدم فيها يومين كتخلي ليا ما بين 400  حتى ل 800 درهم.

 كل نهار و رزقو ما جات تدوز 8 الاشهر حتى كريت حانوت صغير على قد الحال و درت فيه تبقالت و خضرة و الديسير حتى هو نفس البلان بديت غير بشوية بشوية من السلعة فبعض البلايص كنت كندير الكرطون خاوي باش يعمرو الطاجيرات و بقينا خدامين و صابرين حتى يسر الله .

و الحمد لله على كل حال.

قصة حقيقية شاب تحول من شمكار الى تاجر

قصة حقيقية شاب تحول من شمكار الى تاجر
تقريبا كولشي عارفني بلي عندي محال ديال مواد غذائية الحمد الله عايشين منو بيخير واكلين و شاربين و شايط الخير
لكن لي معارفينش هو بديت بخنشة ديال جلبانة ايه خنشة فيها 47 كيلو هيا لي عتقاتني من الحزقة و الدوران فالدروبة خوكم كان غادي لحافة مريح فسيبير معركها معجون حتى صونا ليا الواليد.
 أجي عندي مشيت عندو لقيتو حاط حداه واحد الخنشة ديال جلبانة، قال ليا بيع هادي خالصة ب 70 ريال لكيلو مشيت جبت الميكة دبرت على ميزان من عند واحد الدري و ريحت فراس ديال الدرب بديت ب6 الدراهم و كملتها ب 5 دراهم جاب فيها الله 100 درهم فساعتين .

مشيت للدار قلت لواليد سلفني الف درهم قال ليا اشنو باغيها قلت ليه باغي نصاوب كروسة و ندير الخضرة جبد ليا الامانة صاوبت كروصة ب 500 درهم و شريت الميزان و الصروف ( الكوالة) ب 200 درهم بقات عندي 250 درهم او ديك 100 درهم لي صورت ،الغذ هبطت لمارشي مع واحد السيد من العائلة تقديت شي بركة ديال الخضرة و جيت ريحت فواحد الكوان فالشارع فالعشية دفعت الكروصة و مشيت لسويقة كملت السليعة جاب الله ======>> تتمة القصة هنا
شمكار
قصة واقعية

الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019

الثورة الفرنسية والمشرق الإسلامي والصهيونية

الثورة الفرنسية والمشرق الإسلامي
لم يحدث أن سمع المشرق العربي الإسلامي عن الثورة الفرنسية ومبادئها إلا مع قدوم نابليون بونابرت على رأس حملته على مصر للاستيلاء عليها واستعمارها عام (1213 هـ= 1798م)، وقد حاول نابليون أن يطبق في مصر ما أقرته الثورة الفرنسية من أفكار ونظم سياسية، وكان الحكم النيابي في طليعة الإجراءات التي حاول نابليون تطبيقها.
ويرى كثير من العلماء والدارسين أن هذا النوع من الحكم المتكئ في أصوله إلى الثورة الفرنسية هو بداية العلمانية في مصر؛ ومن ثم إلى معظم البلدان العربية، حيث تم تصريف الأمور وحكم الرعية بعيدًا عن الدين وتوجيه القرآن الكريم.
وقد لاحظ الجبرتي في كتابه “عجائب الآثار في التراجم والأخبار” ذلك عندما وصف الفرنسيين بأنهم “لا يتدينون”. وهذه النظرة العلمانية أثرت في المجتمع المصري تأثيرًا واضحًا؛ حيث شجع الفرنسيون المصريين على البغاء، وسفور النساء وتبرجهن واختلاط الجنسين.
الثورة الفرنسية والصهيونية
ومما يتعلق بالثورة الفرنسية وحملة بونابرت على مصر وأثرهما في العالم العربي والإسلامي تبنيها للحركة الصهيونية ومساعدة اليهود في إنشاء وطن قومي في أرض الميعاد -على حد زعمهم- فقد وعد الثوار بإقامة كومنولث يهودي في فلسطين إن نجحت الحملة الفرنسية في احتلال مصر والشرق العربي.
يذكر الدكتور أمين عبد محمود مؤلف كتاب “مشاريع الاستيطان اليهودي منذ قيام الثورة الفرنسية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى” أن الوعد الفرنسي بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين كان مقابل تقديم الممولين اليهود قروضًا مالية للحكومة الفرنسية التي كانت تمر آنذاك بضائقة مالية خانقة، والمساهمة في تمويل الحملة الفرنسية المتجهة صوب الشرق بقيادة بونابرت.


السابق

الثورة الفرنسية والارهاب

منبع الإرهاب
أما “سيرجو بوسكيرو” رئيس الحركة الملكية الإيطالية فيقول: إن الثورة الفرنسية كانت عبارة عن حركة معادية للشعب الفرنسي إبان قيامها، كما أن أسطورة السيطرة الشعبية على سجن الباستيل لم تكن سوى عملية سطو على مخزن الأسلحة في الباستيل الذي كان يستضيف 7 مساجين فقط، منهم 3 مجانين.
ويضيف قائلاً: إن الثورة الفرنسية بحق قامت بأكبر مجزرة في التاريخ أو على الأقل في الشعب الفرنسي، حيث قتلت 300 ألف فلاح، وهي بذلك تعد منبع الإرهاب العالمي؛ إذ ولدت “ظاهرة الإرهاب” من الثورة الفرنسية.
حرية أم عبودية؟
أما على صعيد السياسة الخارجية التي انتهجتها حكومات الثورة الفرنسية فقد جاءت متناقضة تمامًا مع ما أعلنته الثروة من مبادئ (الحرية والإخاء والمساواة) وبخاصة فيما يتعلق بشعوب آسيا وإفريقيا التي استعمرتها والتي تعاملت معها بمنطق السيد والعبد. ولم تمضِ فترة وجيزة من الزمن حتى جاءت الحملة الفرنسية على مصر عام (1213هـ = 1789م)، ثم بعدها بفترة جاء الاحتلال الفرنسي للجزائر والمغرب وتونس وغيرها من المناطق في آسيا وإفريقيا.
ومما يؤكد أسطورية المبادئ التي رفعتها الثورة الفرنسية من الحرية والإخاء والمساواة إلقاء نظرة سريعة على بعض أفكار الفيلسوف الفرنسي “مونتسكيه” الذي قامت الثورة على مبادئه وأفكاره، وفي ذلك تقول الدكتورة “زينب عصمت راشد” أستاذة التاريخ الحديث بجامعة عين شمس: إنه ليؤسفنا حقًا أن ينخدع العالم بوجود مفكرين راشدين بين من زعموا أنهم ثاروا لدعوة الحق والحرية والعدالة والإخاء والمساواة، وفيهم من استحل ظلم الإنسان لأخيه الإنسان لا لشيء سوى بشرته. ويعد مونتسكيه أشهر الأمثلة على ذلك، وهو من أئمة التشريع في الثورة الفرنسية، وصاحب كتاب “روح القوانين”، إذ يقول في تبرير استرقاق البيض للسود كلامًا لا يمكن صدوره من عقل مفكر، يقول مونتسكيه في بعض عباراته: “لو طلب مني تبرير حقنا المكتسب في استرقاق السود لقلت إن شعوب أوروبا بعد أن أفنت سكان أمريكا الأصليين لم تر بدًا من استرقاق السود في إفريقيا لتسخيرهم في استغلال تلك البقاع الواسعة، ولولا استغلالهم في زراعة هذه الأرض للحصول على السكر لارتفع ثمنه”.
وتمضي د. زينب قائلة: يقول مونتسكيه مبررًا جرائم الاستعمار الأوروبي ما يأتي: “أولئك الذين سخروا في هذا العمل ليسوا غير أقوام من السود، فطس الأنوف لا يستحقون شيئًا من رحمة أو رشاد”.
ويقول: “إنه لا يتصور مطلقًا أن الله بحكمته السامية قد وضع في تلك الكائنات السود أرواحًا يمكن أن تكون طيبة”.


السابق <<========>> التالي

الاثنين، 23 سبتمبر 2019

الثورة الفرنسية شعارات الثورة في الميزان

شعارات الثورة في الميزان
اتخذت الثورة الفرنسية مبادئها من أفكار الفلاسفة: “جان جاك روسو” و”فولتير” و”مونتسكيه”، ورفعت عبارة: (الحرية – الإخاء – المساواة) كشعار لها، ولكن إلى أي مدى التزمت الثورة بهذا الشعار سواء على صعيد الداخل الفرنسي إبان الثورة أو على صعيد سياسة حكومتها الخارجية فيما بعد؟
يعلق “روبرت دارنتون” أستاذ تاريخ أوروبا الحديث في جامعة “برنستون” في ذكرى احتفال فرنسا بمرور مائتي عام على قيام الثورة الفرنسية قائلاً: إذا كانت فرنسا تحتفل بمرور مائتي عام على سقوط الباستيل، وإزالة الإقطاع، وإعلان حقوق الإنسان والمواطن، فإن الوضع في فرنسا في الفترة التي قامت فيها الثورة لم يكن في حقيقة الأمر على كل ذلك القدر من السوء كما يعتقد الكثيرون. فالباستيل كان خاليًا تقريبًا من السجناء وقت الهجوم عليه يوم (14 يوليو 1789م = 2 من ذي القعدة 1402هـ) كما أن الإقامة فيه لم تكن سيئة تمامًا كما يتصور الناس، ولكن ذلك لم يمنع الثوار من أن يقتلوا مدير السجن لا لشيء إلا لأنه من النبلاء، ثم طافوا بعد ذلك بجثته في الشوارع. كذلك كان الإقطاع قد انتهى بالفعل وقت أن أعلنت الثورة إلغاءه أو لم يكن على الأقل موجودا بمثل تلك الدرجة الفاحشة.
ويضيف قائلاً: وإذا كانت الثورة قد أعلنت حقوق الإنسان والمواطن فإنها لم تلبث أن أهدرت هذه الحقوق بما ارتكبته من جرائم ومذابح وموجات إرهاب اجتاحت فرنسا كلها بعد 5 سنوات فقط من إعلان تلك الحقوق لدرجة أن بعض المؤرخين البريطانيين مثل “ألفريد كوبان” كان يصف هذه الإعلانات (حقوق الإنسان والمواطن) بأنها مجرد أسطورة.
ويقول المؤرخ الفرنسي “بيير كارون” الذي أصدر عام (1354هـ = 1935م) كتابًا عن المذابح التي حدثت في السجون الباريسية إبان عهد الثورة في (15 من محرم 1207هـ= 2 سبتمبر 1792م).. يقول عن هذه المذابح: إن هذه المذابح كان لها طابع (شعائري) جارف، وقد بدأت بالهجوم على بعض السجون بزعم القضاء على بعض المؤامرات التي كانت تدبر فيها للإطاحة بالثورة، وأقام “الدهماء” من أنفسهم محكمين وقضاة ومحلفين في فناء هذه السجون، حيث كان السجناء يقدمون للمحاكمة واحدًا بعد الآخر فتوجه إليهم التهم ويحكم لهم أو عليهم ليس تبعًا للأدلة والشواهد؛ وإنما تبعًا لمظهرهم العام وسلوكهم وشخصيتهم بل وتكوينهم الجسدي. كما كان أي تردد أو أي اضطراب يظهر على الشخص يعد دليلاً للإدانة وعلى ثبوت التهمة فيحكم عليه بالإعدام، وكان الذي يتولى المحاكمة وإصدار الحكم شخصًا عاديًا، كما كانت أحكامه تقابل بالتصفيق والصياح من الجماهير الذين تجمعوا من الشوارع المحيطة وأصبحوا بمثابة محلفين، وكان الشخص الذي يحكم ببراءته يؤخذ بالأحضان والتهنئة والقبلات ويطوفون به الشوارع، بينما كان الشخص الذي يحكم عليه بالإدانة يتم إعدامه طعنًا بالخناجر والسيوف وضربه بالهراوات الثقيلة ثم تنزع عنه ملابسه ويلقى بجسده فوق كومة من أجساد الذين سبقوه.

والغريب أن الذين كانوا يقترفون هذه المذابح كانوا يرتكبونها باسم الحرية وحقوق الإنسان و(المواطن والعدالة والمساواة)!


لمتابعة المحاضرة
السابق <<======>>التالي

الثورة الفرنسية اجتماع مجلس طبقات الأمة

اجتماع مجلس طبقات الأمة
بعد أن ساءت الأحوال الاقتصادية، وزادت الضرائب المفروضة قرر الملك عقد مجلس الطبقات في (1204هـ = 5 مايو 1789م) الذي جاء على هوى الطبقة الأرستقراطية. فقد كانت التقاليد تقضي بأن يتألف المجلس من ثلاث هيئات منتخبة تمثل إحداها “الإقليدوس” (الملك- الكنيسة)، وتمثل الثانية “النبلاء”، والثالثة تمثل “الشعب”. وكان الاقتراع يتم على هيئة ثلاث وحدات منفصلة وليس طبقًا لعدد الأعضاء. وحيث كانت طبقة رجال الكنيسة خاضعة لسيطرة النبلاء الذين يتقلدون المناصب الرفيعة في الكنيسة لقاء الخدمات التي يقدمونها، فقد كانت الطبقتان الأوليان على يقين دائم من الحصول على أغلبية الأصوات، وبالتالي يقوم أبناء الطبقة الثالثة –الشعب- بتحمل عبء الضرائب المفروضة وحدهم. وقد فطن أبناء هذه الطبقة لهذا الأمر، وطالبوا بأن يكون التصويت في المجلس طبقًا لعدد الأعضاء لا طبقًا للطبقة، ثم طالبوا بأن يكون للمجلس السلطة في تنفيذ المشاريع. وطالب الشعب في أول الأمر بأن يجتمع المجلس في قاعة واحدة، وكل هذه الإجراءات سعى العامة لتحقيقها لكي يحصلوا على الأغلبية بمن ينضم إليهم ممن يعطفون عليهم وعلى حركتهم من رجال الدين والأشراف الذين كانوا يريدون انضمامهم إلى العامة ليكون لهم القيادة والنفوذ.
وقبل ذلك كان المجلس يجتمع ويعرض الملك عليه آراءه ثم ينصرف أعضاؤه إلى مدنهم قانعين. ولكن هذا المجلس طالب بأن المسائل التي تعرض عليهم يجب تنفيذها وألا يُفضّ المجلس بل يبقى بجانب الملك. أصر نواب العامة على تنفيذ مطالبهم التي رفضها الملك؛ فأضربوا عن دفع الضرائب، وكلما مر الوقت ازداد رجال العامة قوة بمن ينضم إليهم من أشراف ورجال الدين، وكلما زادت قوتهم تشددوا في مطالبهم.

وفي ذلك الوقت يظهر بين طبقة العامة نائب يدعى (سييس) وهو من رجال الدين الذين تولوا البحث في الدستور، وأعلن أنه إذا رفضت طبقة الأشراف ورجال الدين الانضمام إليهم فسيعلنون أنفسهم نوابًا للشعب ويطلقون على أنفسهم الجمعية الوطنية، وقد ووفق على هذا الاقتراح في (3 من شوال 1204هـ = 16 يونيو 1789م) ولكن الملك لم يوافق على اجتماع الطبقات في قاعة واحدة، وأصر نواب العامة على مطلبهم فاضطر الملك مرغمًا إلى الموافقة، ورأى رجال الجمعية الوطنية أن يضعوا دستورًا للدولة. 
وتوالت بعد ذلك الأحداث حتى نجح الثوار في إسقاط سجن الباستيل رمز الطغيان في (2 من ذي القعدة 1204هـ = 14 يوليه 1789م) وبسقوطه زادت قوة الثوار حتى أصدروا الدستور الجديد الذي اتخذ من الحرية والإخاء والمساواة قواعد انطلق منها إعلان حقوق الإنسان والمواطن في (15 من ذي الحجة 1204هـ = 26 أغسطس 1789م) ثم إعلان الجمهورية وإلغاء الملكية في (5 من صفر 1207هـ = 22 سبتمبر 1892م). وقد سبق إعلان الجمهورية سجن لويس السادس عشر في (24 من ذي الحجة عام 1206هـ = 13 أغسطس 1792م) ثم إعدامه في (8 من جمادى الآخرة 1207هـ = 21 من يناير 1893م)، ثم إعدام زوجته “ماري أنطوانيت” في (10 من ربيع الأول 1408هـ = 16 أكتوبر 1793م).
التالي <<======>>السابق

لمتابعة المحاضرة اضغط على التالي
للرجوع الى المحاضرة السابقة اضغط على السابق

الثورة الفرنسية

الثورة الفرنسية
هذه المحاضرة مهمة جدا لطلبة الفصل الثالث شعبة التاريخ والحضارة أتمنى من الجميع مشاركتها مع الاصدقاء لتعم الفائدة 
مقدمة: تعتبر الثورة الفرنسية التي انطلقت شرارتها الأولى في العام (1204هـ = 1789م) من أهم الأحداث ليس في تاريخ فرنسا فحسب بل في تاريخ أوروبا كلها، وثمة عوامل تضافرت مجتمعة في فرنسا أدت إلى حدوث هذه الثورة يمكن التعرف عليها من خلال إطلالة سريعة على أحوال فرنسا قبيل العام (1789م = 1204هـ).
على صعيد الأحوال الاجتماعية والسياسية كانت فرنسا تعيش حالة من الاستقرار النسبي في ظل حكم لويس الرابع عشر الذي اهتم بالفنون والآداب ونال حب الشعب واحترامه، ولكن بعد وفاته، وانتقال العرش إلى رجال أقل منه شأنًا، بدأ العبء ينزلق تدريجيًا عن كاهل الملك ووزرائه إلى كاهل الطبقة المتوسطة (البرجوازية) التي كانت قد بدأت تبرز للوجود، وبخاصة في عهد لويس السادس عشر الذي اتسم بضعف الشخصية، والذي قامت في عهده الثورة وتم إعدامه فيها في (8 جمادى الآخرة 1207هـ = 21 يناير 1793م)، وكان أفراد هذه الطبقة المتوسطة في معظمهم متعلمين وميسوري الحال، ومن ثم بدءوا يشعرون بعدم الرضا عن المكانة الدنيا التي يحتلونها بالقياس إلى طبقة النبلاء، وأصحاب المقام الرفيع في الكنيسة. فكان تذمرهم وتمردهم على هذه الأوضاع من العوامل التي أشعلت فتيل الثورة بالتحالف مع العامة أو من يسمونهم بالطبقة الثالثة التي كانت ترزح في أوضاع سيئة في ظل النظام الإقطاعي السائد آنذاك.
أما عن الأحوال الاقتصادية فقد بلغت غاية السوء للدرجة التي لم تستطع فيها الحكومة أن توفر للشعب الغذاء الكافي، وكان ذلك نتيجة الحروب الطويلة، والبذخ على المستويين العام والخاص، وضعف الملوك وعجز الوزراء عن التمسك بالسياسات الموحدة، كل هذا أدى إلى حالة من الفوضى الاقتصادية في البلاد، ولم يستطع أحد علاجها حتى تفاقمت الديون على فرنسا.

لمتابعة المحاضرة اضغط على  ===>> التالي

منهجية تحليل نص تاريخي أو وثيقة تاريخية ( تحليل الوثيقة )

منهجية تحليل نص تاريخي أو وثيقة تاريخية
المرحلـة التحضيريّــــــــة :
- قراءة النص وفهمه والبحث عن مقاصده مع تسطير الكلمات الهامة .
- قراءة الأسئلة المصاحبة للنص وتسطير الكلمات المفاتيح وتسفيرها لتسهيل عملية الشرح
والتعليق فيـما بعد.
هذه المرحلة هي ضرورية لفهم النص فهما جيدا لا لبس فيه قبل الشروع في المراحل التالية.
المرحلـــة الثانيــــــــــــة : التخطيط المفصل مع تحرير المقدمة والخاتمة
- المقدّمــــــــــة : تحرر تحريرا كاملا في المسودّة وتتضمن وجوبا .
- نوعية النص: رسالة ، مقال صحفي، معاهدة ، خطاب سياسي، لائحة ....
- صاحب النص والمصدر - معطيات لها علاقة مباشرة بمضمون النص.
- الإطار التاريخي . تعريف موجز بالإطار الزّماني والمكاني الذي يحيط بمضمون النص
- الفكرة الرئيسية والعناصر . أي اختزال المعلومات الواردة في النص والإعلان عن محاور الإهتمام الكبرى
وذلك بطريقة إخبارية كأنّ نقول مثلا سندرس في مرحلة أولى ....
ثم سنعالج .... وأخيرا سنهتم بـ .... أو بطريقة إستفهامية وتكون بطرح أسئلة.
شــرح النص والإجابة عن الأسئلة : الإكتفاء بإنجاز تخطيط مفصل في المسودة هي أهم مرحلة وتتطلب :
- تفكيك النص وإبراز عناصره ثمّ البحث عن الترابط بينهما
- التفطن إلى ما يتضمنه النص من أفكار ظاهرية وباطنيّة.
- الرجوع إلى الأسئلة المطروحة لأنها توجه التلميذ نحو محاور الإهتمام لإثبات القضايا التّي يتضمنها
النص.
- تبويب هذه القضايا تبويبا منطقيا وإنجاز تخطيط متماسك العناصر.
- إنتقاء المعلومات الملائمة واستعمالها في شرح الكلمات والمصطلحات وغيرها وكذلك في التعليق.
- السعي إلى تأويل الأحداث تأويلا موضوعيّا وإلى توضيح ما قد يتضمنه النص من تلميحات.
ما يجــــب تجنبــــــــه :
- الإعلان عن تخطيط والإتيان بعكسه
- شرح النص سطرا سطرا.
- محاكاة النص أي ترديد ما جاء بالنص في صيغ لغوية مغايرة.
- الإنزلاق نحو المقالة وترك النص جانبا.
- القفز التعسفي عند الإنتقال من محور لآخر، أي الإجابة عن الأسئلة دون الربط بينها.
- التورط في شرح كل نص على حدة/ في صورة وجود نصين للشرح في آن واحد/ والصّواب هو صياغة تخطيط
يخترق النصين معا.

الخاتمـــــة تحرر تحريــرا كاملا في المسودة وتتضمن وجوبــا :
- الإشارة إلى أهمية النص وهي حكم على الوثيقة
- فتح آفاق : أي التّساؤل حول التطورات اللاحقة.
الخاتمة ليست عملية شكلية ففي أغلب شروح التّلاميذ تكون نقطة ضعف بارزة.
المرحلـــــــة الثالثـــــــة :
التحرير في ورقة الإمتحان باعتماد لغة سليمة مع تجنب الإطالة لأنها مجلبة للأخطاء.
منهجيـــة شرح وثائــــق تاريخيــــــــــة
المقدمــــة :
- تقديــــــم الوثائــق : نوعيتها ، مؤلفها ومصدرها
- وضع الوثائق في إطارها التاريخـي
- إبراز الأفكار الأساسيّـة الواردة بالوثائـــق.
- طــرح الإشكاليات.
الشــــــرح :
- التّعمـــــق في دراســـة الوثائــق حسب الإشكاليات المطروحـــة
- ينظـم الشرح في عناصر أساسية حسب الإشكاليّـات
- ضرورة الإنطلاق من الوثائق لتحديد الظواهر والأحداث
- حسن توظيف معطيات الدروس حسب متطلبات الإشكاليات
- يجب أن يكون الشرح مسترسلا ومتكاملا
- تفادي السقوط في السرد المجاني أو المحاكاة.
الخاتمــــــــة :
- إبـــراز قيمـــة الوثائــق
- فتح آفـــاق.

الخميس، 19 سبتمبر 2019

مراحل الولوج إلى الفضاء الرقمي ENT

إعـــــــلان هام : مراحل الولوج إلى الفضاء الرقمي ENT 
على الطلبة الذين لم يتمكنوا من الولوج لفضائهم الرقمي من خلال البريد الالكتروني المؤسساتي اتباع الخطوات في الملف أسفله.

أخبار الفصل الاول التاريخ والحضارة

ينهي عميد كلية الآداب و العلوم الإنسانية بالقنيطرة إلى علم جميع الطلبة الجدد المسجلين بالفصل الأول  برسمالسنة الجامعية 2020/2019أنه قد تم تحيين اللوئح البيداغوجية بالنسبة لطلبة الفصل الاول (s1) .و عليهم الإطلاع على وضعيتهم البيداغوجية من خلال اللوائح اسفله.
                            اللوائح البيداغوجية لطلبة الفصل الأول
التاريخ والحضارة


السبت، 14 سبتمبر 2019

اذا لم تحصل على شهاذة الباكلوريا اقرأ عن هذا الشخص الذي رسب اربع سنوات في الباكلوريا

شاب رسب اربع سنوات في الباكلوريا ولما نجح أنظر الى الشواهذ التي حصل عليها

الدكتور عمر أزوكار ومن لا يعرفه ، الأستاذ الذي يجب أن يكون قدوة ومثالا تحفيزيا لكل واحد منا ، الأستاذ الذي كرر أربع مرات أو خمس في شهادة الباكلوريا لدرجة أنه عندما يرغب في المزاح مع الطلبة يقول بأنه نجح فقط عن طريق الأقدمية .
وبعد ذلك فهو الآن : 
- محام بهيئة الدارالبيضاء و باريس .
- دكتور في الحقوق. من كلية الحقوق الفرنسية. 2006.
- دكتور في الحقوق من كلية الحقوق بمراكش 2012.
- دبلوم الدراسات العليا من كلية الحقوق بمراكش 1999.
- ثلاثة ماجستير من كلية الحقوق الفرنسية. 
- قانون الأعمال. و العلوم الجنائية. و القانون الخاص. 2002 /2005.
- ماجستير من كلية الحقوق بباريس تخصص قانون 
- المقاولات التجارية 2008.
- أستاذ بالمدرسة العليا للتجارة و تدبير المقاولات 
- بالداربيضاء. ISCAE.
رجل نابغة

- أستاذ بمعهد التكوين الأساسي و المستمر لهيئة 
- المحامين بالدار البيضاء. 
- أستاذ زائر بكليات الحقوق بمراكش. و سطات و المحمدية. 
- أستاذ متدخل بالمعهد العالي للدراسات القضائية بالرباط.
- رئيس تحرير مجلة المحاكم المغربية منذ يناير 2010 إلى 2012
- رئيس تحرير سلسلة الإجتهاد القضائي. 
- المدير المسؤول عن إصدارات مكتب ازوكار للمحاماة و الاستشارة و التحكيم بالدارالبيضاء. 
- أكثر من مائة مقال و دراسة و تعليق نشرت بمختلف 

- الدوريات و المجلات و الملاحق القانونية....
لا تستسلم اجتهد واصبر ستصل الى مبتغاك وأكثر ان شاء الله

الخميس، 12 سبتمبر 2019

قراءة في كتاب ظاهرة الشعر الحديث قيمة الكتاب والخاتمة

قيمة الكتاب:
لا أحد يشك في قيمة الكتاب المعرفية والأدبية والنقدية والتاريخية، فلا يمكن أن يستغني عنه طالب او استاذ او باحث مهما كان مستواه العلمي والمعرفي. فالكتاب غني بالمعلومات الأدبية والتاريخية والأسطورية، ودسم بالمادة الشعرية و الحيثيات البيوغرافية المتعلقة بالمبدعين والنقاد.
وكل من يحاول الشعر العربي الحديث، ويريد معرفة تحقيبه ومراحل تطوراته ومساره الفني والإيديولوجي، فلابد أن يعود عند هذا الكتاب الرائع الثري بكثير من المعطيات الأدبية والنقدية.
ويمكن القول: إن كتاب احمد المعداوي" ظاهرة الشعر الحديث" خلاصة اجتهادات لما كتب عن الشعر العربي الحديث و المعاصر في المشرق والمغرب كما لدى محمد مندور، و محمد النويهي، ونازك الملائكة، وإحسان عباس، وناجي علوش، وادونیس ومحمد بنيس، وعز الدين إسماعيل، وكمال خير بك ، وريتا عوض، وعبد الله راجع...
ومن ثم، ننصح جميع القراء والكتاب ونقاد الشعر الحديث بضرورة الاطلاع على هذا الكتاب القيم ، على الرغم من هناته وعدم موضوعية أحكامه في الكثير من الأحيان، قصد الاستفادة من معطياته وأطروحاته، ولكن عن وعي وقراءة الخلفيات
بيد أنه لا ينبغي الاكتفاء بهذا الكتاب فقط ، بل لابد أن نستعين بالكتاب الثاني الذي أراه مكملا للأول ، كما أنه سفر ضروري يجب الاطلاع عليه ألا وهو كتاب " أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث".
خــاتــمــة
يتضح لنا، مما سبق، بأن كتاب " ظاهرة الشعر الحديث" لأحمد المعداوي كتاب يدافع عن الشعر المعاصر او الشعر الحديث من خلال مقاربات متداخلة تتكئ على التاريخ والتحليل الفني وملامسة القضايا الواقعية وتجريبية التلقي. . بد أن هذه الدراسة تعتمد على منهج القضايا والظواهر لدراسة الشعر العربي الحديث من حيث المضمون والشكل للبحث عن التحولات والتطورات التي حققها هذا الشعر في تعالقه مع واقعه الموضوعي اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا.
وعلى الرغم من قيمة هذا الكتاب من الناحية العلمية والمعرفية والأدبية والتاريخية والنقدية، إلا أنه قد سقط في أحكام تعميمية وخضع لمقاييس ذاتية انطباعية تحت دوافع إيديولوجية ذاتية وشخصية ، والدليل على ذلك تراجع الباحث عن أحكامه النقدية في كتابه" أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث الذي قوض كل النتائج التي توصل إليها الكاتب في كتابه السابق" ظاهرة الشعر الحديث".
وعليه، فنحن نستغرب ایما استغراب لماذا التجا احمد المعداوي إلى هذه الطريقة التي دمر فيها كتابه الأول وقوض دعائم رسالته الجامعية ، وشكك في شاعريته وحطم مذهبه الشعري الذي عاش من أجله سنوات وسنوات؟! فهل تحطيمه لرؤوس الحداثة الشعرية والحركة الشعرية المعاصرة في كتابه " أزمة الحداثة" كانت وراءه دوافع شخصية ذاتية أو دوافع سياسية وإيديولوجية، أو أن هذا التراجع عن نتائج الكتاب الأول هو نوع من المصداقية العلمية والاعتراف بالخطا او هو نوع من المازوشية والهستيريا الذاتية لتحطيم الذات داخليا أو تحطيم الغير الناجح؟
لمشاهذة الدروس اضغط على الارقام 1 - 2 - 3 - 4

السبت، 7 سبتمبر 2019

قراءة في كتاب ظاهرة الشعر الحديث

د- تقويم الكتاب: 
1- منهجية الكتاب:
ينطلق أحمد المعداوي في هذا الكتاب الجدير بالمدارسة والمتابعة من منهج تاريخي فني ينفتح فيه الكاتب على المناهج الضمنية الأخرى كمنهج التلقي، والمنهج الأسطوري ( دراسته للأساطير)، والمنهج الاجتماعي.
ويتمثل المنهج التاريخي في تحقيب الشعر العربي زمنيا ( الشعر القديم، والشعر الإحيائي، والشعر الذاتي، والشعر الحديث من خلال ربطه بالظروف التاريخية كربط الشعر العربي الحديث في القرن العشرين بما عرفه العالم العربي من نكسات ونكبات وحروب وهزائم.
أما المنهج الفني فيكمن في تقسيم الشعر العربي الحديث إلى مدارس شعرية فنية التي حصرها الدارس فيما يلي:
المدرسة الإحيائية المرتبطة بالنموذج التراثي؛
الحركة الرومانسية ذات التوجه الذاتي والتي تنقسم بدورها إلى هذه المدارس الوجدانية: مدرسة الديوان، ومدرسة أبولو، ومدرسة المهجر؛ حركة الشعر الحر أو الشعر الحديث أو الشعر المعاصر. ويلتجئ أحمد المعداوي إلى منهج التلقي أثناء الحديث عن عزوف القراء عن الاهتمام بالشعر المعاصر او مايسمى بشعر الحداثة، ويرجع ذلك العزوف والابتعاد إلى هيمنة الغموض في هذا الشعر؛ مما سبب في انفصال كبير بين المرسل والمتلقي، او بین المبدع والقارئ. ومن الأدلة على وجود هذا المنهج قول الكاتب:" غير ان النصفة تقتضي منا أن نسجل بأن ثمة عدة عوامل حالت بين هذا الشعر وبين أن يصل إلى الجماهير العربية، ليتحول إلى طاقة جبارة، شبيهة بالطاقة التي اعتدنا من الكلمة الصادقة أن تفجرها في كل العصور"
وتتجلى القراءة الاجتماعية في ربط المبدع ببيئته الاجتماعية ووسطه الزمكاني، وربط الإبداع بالواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي كما يظهر ذلك في حديثه عن تجربة الغربة والضياع التي ربطها بهزيمة العرب في حرب حزيران ناهيك عن النكبات والنكسات التي عاشها العرب منذ 1948م، ومن الشواهد النقدية الاجتماعية على ذلك قول الكاتب:" كانت هزيمة الجيوش العربية سنة 1948 مفاجأة من الأمة لنفسها، وفرصة لمواجهة ذاتها مواجهة صريحة بإعادة النظر في كل ما يحيط بها، سواء أكان ثقافة ام سياسة ام علاقات اجتماعية. لم يبق بين الناس، ولا في انفسهم شيء او قيمة لم تتجه إليها أصابع التهمة. الحقيقة الوحيدة التي استقرت في كل قلب هي مبدأ الشك، الشك بعلاقة العربي بنفسه وبما حوله، وبماضى أمته وحاضرها، جتي أوشك الشك أن ينال من علاقة العربي بربه. وأمام هذا الإيمان بمبدإ الشك بدأت الأرض تهتز تحت أقدام الوجود العربي التقليدي، ولم تعد له تلك الهيمنة القديمة على افكار الناس وحريتهم، وبات في وسع العربي الشاعر أن يفتح نفسه للأفكار والفلسفات ، والاتجاهات النقدية في الأدب والشعر، الواردة من وراء البحر، وأن يدعها تمتزج في نفسه وفكره بثقافته القومية، ليستعين بذلك كله على تحليل واقعة ، والوقوف على المتناقضات والملابسات التي تكتنفه، وإدراكها إدراكا موضوعيا تتبدى من خلاله صورة الواقع الحضاري المنشود الذي نريد". ومن جهة أخرى، ينهج الكاتب منهج الظواهر والقضايا في دراسة الشعر العربي الحديث والمعاصر، ويتضح ذلك جليا في عنوان الكتاب " ظاهرة الشعر الحديث"، وتقسيم الكتاب إلى مجموعة من الفصول الدراسية تتخذ طابع القضايا والظواهر الأدبية تتعلق بالشعر الحديث صياغة ودلالة ( شعر الغربة والضياع، وشعر الموت واليقظة، والشكل الجديد) ، وقد تمثل هذا المنهج في المغرب الأستاذ عباس الجراري في مجموعة من كتبه ، والدكتور محمد الكتاني في كتابه" الصراع بين القديم والجديد". وهذا المنهج استلهمه المغاربة من كتابات أساتذة الأدب في الجامعة المصرية.
ويعرف الدكتور عباس الجراري منهج الظواهر والقضايا بأنه يستعين:" بفکر نقدي يستند إلى الواقع والمعاصرة، وبجدلية وموضوعية تعتمدان على معطيات استقرائية واستنتاجات منطقية، بعيدا عن أي توثن أو معتقدية متزمتة أو موقف تبريري، إذ في ظني أنه لايمكن فصل المنهج عن المضمون كما أنه لايمكن ممارسة نقد قبلي، أي نقد سابق على المعرفة.
ويقضي محتوى المنهج عندي كذلك أن أنظر إلى تلك القضايا والظواهر من زاوية تعطي الأسبقية للتمثل العقلي على النقد التأثري، أي بنظرة فكرية عقلانية وليس على مجرد التذوق الفني النابع من الإحساس الجمالي والتأثر العاطفي والانفعال الانطباعي بالأثر المدروس. وإن كنت لا انكر اهمية المنهج الفني وجدواه بالنسبة لنوع معين من الموضوعات، وقد سبق لي أن جربته في بعض الأبحاث، وخاصة في دراسة لي منشورة عن" فنية التعبير في شعر ابن زيدون".
وبهذا يحقق المنهج جملة اهداف، في طليعتها الكشف عن مواطن الجمال وعن الدلالات الفنية وما ينبثق عنها من حرارة يحث تحسسها على إدراك ما يتكثف تلك الدلالات من مضامین فكرية، باعتبار الجانب الفني المتمحور حول اللغة وبنائها التركيبي ظاهرا يبطن فکرا، أو أنه بعد أولى يخفي أبعادا أخرى عميقة. وبذلك تبرز قيمة الإبداع ، وتبرز من خلالها كل الشحنات الشعرية والطاقات الفكرية والمضامين الإنسانية والأبعاد الصراعية سلبا وإيجابا.
كما يحقق المنهج من أهدافه إثبات الوقائع وربطها بالأسباب ووصف الظواهر وتعليلها والبحث عن بواعثها الخفية والظاهرة القريبة والبعيدة، واستخلاص العلاقات التفاعلية بينها وبين غيرها". ويتبين لنا من كل هذا أن أحمد المعداوي يشغل في كتابه عدة مناهج نقدية في دراسته الأدبية النقدية تجمع بين الظواهر المضمونية والقضايا الشكلية في إطار رؤية تاريخية اجتماعية فنية يستحضر فيها الكاتب القاري المتلقي لمعرفة سبب انعدام التواصل بين المبدع المعاصر والمتلقي الرافض للشعر الحداثي.
2- إشكالية المصطلح:
سمی احمد المعداوي شعر التفعيلة بالشعر الحديث، بيد أن هذا المصطلح يثير بلبلة منهجية ومعرفية، فالمعروف أن العصر الحديث تاريخيا يمتد من 1850م إلى 1950م ليبدأ العصر المعاصر من سنة 1950م إلى يومنا هذا. كما أن هذا المصطلح لايعبر بدقة عن شعر التفعيلة، فقد يضم الشعر الحديث الشعر الرومانسي والشعر الحر والشعر المنثور، ويمكن ان ينسحب على الشعر الكلاسيكي لما لا؟؟! لذا نفضل التسميات التالية: الشعر المعاصر أو شعر التفعيلة أو الشعر الجديد. أما شعر الحداثة فينطبق على شعر التفعيلة كما ينطبق على الشعر المنثور ويقول أحمد المعداوي مدافعا عن مصطلحه ( الشعر الحديث الذي نرفضه جملة وتفصيلا:" هناك عدة اقتراحات لتسمية هذه الحركة الشعرية، منها اقتراح الشاعر صلاح عبد الصبور لتسميتها بالشعر التفعيلي، وهي تسمية غير دقيقة لأنها تستند إلى جانب شكلي، بل إلى جانب جزئي من الشكل هو الوزن. وهناك اقتراح اخر هو تسميتها بالشعر المنطلق، ويؤخذ عليه أن مفهوم الانطلاق قد يعني التحرر من كل قید، كما أن مفهوم الحرية في قولهم الشعر الحر، قد يعني التحرر من أي التزام، ومن أجل ذلك آثرنا استعمال مصطلح الشعر الحديث تمييزا لهذه الحركة عن التيارات الشعرية الجديدة الأخرى، كتیار أبولو وتيار المهجر وغيرهما...".
إقصاء الشعر المنثور:
إذا كان أحمد المعداوي قد دافع عن الشعر الحداثي الذي يعتمد على الحرية والمثاقفة مع الآداب الأجنبية ويقف بالمرصاد في وجه النقاد المحافظين، فإننا نجده في هذا الكتاب يمارس نفس الدور الذي مارسه الذين انتقدوا الشعر المعاصر التفعيلي، حيث يرفض أحمد المعداوي الشعر المنثور لاعتبارات إيقاعية، لذا، يخرجه بكل سهولة من دائرة الشعر والحداثة، وبذلك يحتكم إلى نفس المقاييس التي احتكم إليها النقاد المحافظون بصفة عامة، يقول احمد المجاطي:" نخرج من هذا الحكم الأشعار التي أهملت موسيقا العروض العربي، معتمدة على الوان من الموسيقى الداخلية لاضابط لها، مما يدخل في إطار ما يطلقون عليه " قصيدة النثر"، ونحن لم نتعرض لهذا الاتجاه في الشعر الحديث الثلاثة اعتبارات. (الاعتبار الأول) إهماله للوزن الذي نعتقد انه شرط أساسي لكل شعر. و(الاعتبار الثاني) التقاؤه مع الشعر الحديث الموزون في الاعتماد على التعبير بالصورة، واللجوء إلى الرمز والأسطورة والسياق اللغوي الجديد.(الاعتبار الثالث) هو انحسار موجة هذا التيار أمام الشعر الحديث الذي يعتمد الوزن الشعري أساسا موسيقيا له".
ولكن ألا يعرف الدارس اليوم أن الشعر التفعيلي قد انتهى دوره واضمحلت مكانته وانتهى عهده ؟! الم يع بعد بأن هذا الشعر وقف مشدوها عاجزا أمام اكتساح الشعر المنثور لمعظم المنابر الثقافية، وأصبح مطية سهلة لكل الشعراء الصغار والكبار على حد سواء، وصارت الشبكات الرقمية والصحف تنشر كل يوم الكثير من القصائد النثرية فيها الغث والسمين ، ومعها كثر الشعراء حتى اصبح من الصعب إحصاؤهم ، وصار كل إنسان شاعرا بالفطرة يكتب الشعر المنثور ويقول بصوت عال بأنه "شاعر مفلق فحل"؟!
مواضيع وأشكال أخرى:
تناول احمد المعداوي تجربتين وهما: تجربة الغربة والضياع، وتجربة الموت والتجدد، بينما هناك مواضيع أخرى تناولها الشعر المعاصر لم يناقشها الكاتب بالتفصيل والتمحيص ولم يشر إليها بالدرس والنقد کالتصوف والمقاومة الفلسطينية والنزعة الزنجية والقضايا الإسلامية والمكان والزمان والموت والأسطورة وشعر المدينة والحب والمراة والنزعة الإنسانية وتيمة الحرب فضلا عن مواضيع سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية وحضارية.
كما أغفل من الناحية الفنية القصيدة الكونكريتية والقصيدة الدرامية المركبة والقصيدة القصصية والقصيدة المسرحية وطبيعة التركيب الجملي و خصائص الأسلوب وطبيعة الضمائر في الشعر العربي المعاصر .
التعميم في الأحكام:
نلاحظ أن أحمد المعداوي يعمم أحكامه ويسحبها على الظاهرة بأكملها، فعندما يتعامل مع الشعر الرومانسي يعتبره شعرا سلبيا يرتكن إلى الضعف والاستسلام والنكوص والانكماش، بينما نحن نعلم جيدا أن هذا الشعر جمع بين الذاتية والقضايا الوطنية ( قصيدة إرادة الحياة لأبي القاسم الشابي)، والقومية ( نسر لعمر أبي ريشة). ويعني هذا أن ليس كل ما لدى الرومانسيين سلبي، فقد جمعوا بين التعبير عن الهموم الذاتية الفردية بسبب تردي الواقع الذي كان يعيشون فيه، والهموم الثورية من خلال حث الشعوب على الثورة والانتفاض ضد الاستعمار، وديوان أبي القاسم الشابي "أغاني الحياة" و" ديوان الحرية "لعبد الكريم بن ثابت خير دليل على ما نقول.
وما ذهب إليه أحمد المعداوي في حق شعر الذاتيين يمكن أن ينطبق أيضا على شعر الشعراء المحدثين الذين تغنوا بالغربة والضياع فهؤلاء حسب النقاد الاشتراكيين سلبيين يذرفون بكاء الندب والهزيمة، وكان من باب اولى ان يكونوا ثوريين وان ينزلوا إلى واقع الممارسة المشاركة القراء في همومهم وآلامهم من أجل تغيير العالم بدلا من تفسيره والبكاء عليه.
وعندما حاکم الدارس الشعراء الإحيائيين ووصفهم بالتقليدية واجتذائهم للنموذج التراثي وملء الذاكرة، فإنه لم يستشن المحاولات التجديدية التي قام بها احمد شوقي الذي ابدع شعر الأطفال وشعر الفكاهة واللهو وشعر المسرح والنشر المسرحي وشعر الأمثال والقصص، وكانت له ايضا الكثير من القصائد ذات الملامح الرومانسية الوجدانية.
تراجع في الأحكام
من الغريب جدا أن يسقط الباحث في تناقض كبير كما نجد ذلك عند الباحث الأكاديمي أحمد المعداوي وربما كانت ثمة عوامل ذاتية وموضوعية جعلته يتراجع عن أحكامه النقدية التي ضمنها في كتابه " ظاهرة الشعر الحديث" ، حيث نجد الكاتب في البداية يدافع عن الشعر الحر او الشعر الحديث عارضة الأدلة والبراهين من اجل إقصاء الشعر الكلاسيكي والشعر الرومانسي ليسقطه في السلبية والتقليدية والبكائية الذاتية الضعيفة، وكل ذلك من أجل أن يمهد للشعر الحديث الذي جعل منه میسما للحداثة والتجديد ووسيلة لتغيير الواقع، كما جعله علامة بارزة على التطور والتحول في شعرنا العربي الحديث.
بيد أنه في كتابه الثاني" أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث" يقوض كل ما بناه في كتابه الأول، آخذا فأس النقد ليحطم كل مرتكزات الشعر الحديث، ويطعن في كل الرموز الشعرية الكبيرة ليعلن إفلاس الشعر الحديث على نحو ما ذهب إليه المفكر الألماني شپنگلر الذي أعلن إفلاس الحضارة الغربية في كتابه عن بؤس الحضارة. وفي هذا السياق يقول احمد المعداوي معلنا كساد الشعر الحديث ساخرا بالحداثة الشعرية المعاصرة:" الواقع أن موضوع الحداثة الشعرية العربية موضوع حساس، لأنه يمس صروحا، شعرية ونقدية، شيدها أصحابها منذ زمن، وأقاموا حولها، من المتاريس والعسس، ما يكفي لقمع أي بادرة تتساءل عن مدى صلابة أو هشاشة الأرضية التي شيدت عليها تلك الصروح. وأنا رجل لا أملك صرحا شعريا أخشى عليه من الجهر بالحقيقة، مهما كانت مرة، كما أنني لا انوي إقامة صرح نقدي على حساب شعراء هذه الحركة ونقادها، وكل ما في الأمر، هو أني بحكم الاحتكاك المتواصل، قراءة وتدریسا وإشرافا على البحوث الجامعية، تكون لدي اقتناع مفاده أن هذه الحركة قد بدأت تدور حول نفسها، في اتجاه الطريق المسدود.
منذ البداية، كنت أعرف أن أذى كبيرا سينالني، من قبل أولئك الذين اعتادوا أن يتاجروا بالترويج لهذه الحركة والنفخ في رموزها. كنت أعرف مثلا أن أقل ما سارمی به هو السقوط في السلفية، وأن فشلي على صعيد الإبداع الشعري، من حيث نجح غيري نجاها باهرا، هو السبب في توجهي هذه الوجهة الهدامة."
وبعد أن دافع أحمد المعداوي عن شعر الغربة والضياع في الشعر العربي الحديث على الرغم من الانتقادات الموجهة لهذه التجربة البكائية السلبية المتأثرة بالفلسفة الوجودية، نجد الكاتب يتراجع عن حكمة السابق ليوافق ما ذهب إليه النقاد الذين كانوا يعارضون اطروحته سابقا، وفي هذا الصدد يقول احمد المعداوي:" والخاصة التي احب ان اخرج بها من هذا الفصل هي: لقد جرب الشاعر الحديث أن يتكئ، في رسالته الشعرية، على تجارب الآخر( تجربة الغربة تجربة الحياة والموت) فوصل إلى الطريق المسدود وجرب أن يعتمد على نفسه فوصل إلى الطريق نفسه".
ويتبين لنا من خلال المقارنة بين كتاب " ظاهرة الشعر الحديث" و"أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث"، أن كتاب أزمة الحداثة أتى ليقوض ما بناه أحمد المعداوي في كتابه " ظاهرة الشعر الحديث"، كأني بالباحث ينتقم من نفسه ومن الآخرين.
ومن ثم، فكتاباه لم يكونا موضوعيين من الناحية العلمية والأكاديمية، بل خضعا لمعايير شخصية و أهواء ذاتية وإيديولوجية تنم عن محاكمة شخصية وتصفية حساب مع منافسيه بطريقة تضر بالعلم والبحث الموضوعي. ويمكن أن نعتبر كل ماقاله احمد المجاطي هو نوع من المازوشية وتعذيب للذات بسبب ما كان يعانيه من تهميش وإقصاء ونبذ ومحاصرة وتطويق في المغرب وخارجه من قبل من مجموعة من شعراء الحداثة الذين ساروا في الشعر اشواطا كبيرة لاداعي لذكر اسمائهم في هذه الدراسة المتواضعة.
اللغة الواصفة:
يستعمل أحمد المعداوي في كتابه " ظاهرة الشعر العربي الحديث" لغة بيداغوجية اكاديمية من سماتها: التقرير والمباشرة والبيان البليغ وفصاحة الكلمات واحترام قواعد الإملاء والصرف والنحو. كما تتسم هذه اللغة بقوة الإقناع والحجاج من خلال استعمال أسلوب التعريف وأسلوب الوصف وسرد الوقائع والاستعانة بالمماثلة والمقايسة واللجوء إلى التقويم والحكم وتوظيف اليات الحجاج العقلي والمنطقي كالشرط والافتراض والاستنتاج والاستدلال وإيراد البراهين النقدية والشعرية والشواهد اللغوية والأمثلة المدعمة.
هذا، وتمتاز لغة الكاتب بمواصفات البحث الأكاديمي من خلال تقسيم الكتاب إلى اقسام وفصول ومباحث فرعية متبعا المنهج الاستقرائي تارة والمنهج الاستنباطي تارة أخرى. ويعني هذا إن الوظيفة المهيمنة في الكتاب هي الوظيفة الوصفية التي تتمثل في تبليغ خطابي ادبي نقدي، وتتفرع عنها وظيفة حجاجية إقناعية موجهة إلى القارئ، يروم الباحث من خلالها التاثير على المتلقي وإقناعه إيجابا او سلبا. وتتسم لغته كذلك بتفاعلها مع اللغة الأدبية واللغة القرآنية واللغة الشعرية ذات الطاقة الإيحائية والشحنة البلاغية.

الثلاثاء، 3 سبتمبر 2019

القسم الثاني: نحو شكل جديد قراءة في كتاب ظاهرة الشعر الحديث


القسم الثاني: نحو شكل جديد
إذا كانت القصيدة الإحيائية تعتمد على امتلاء الذاكرة وتقليد النموذج، فإن التيار الوجداني قد استخدم لغة أكثر سهولة ويسرا من لغة القصيدة الإجيائية التي كانت تميل إلى رصانة اللفظ وجزالة الأسلوب وبداوة المعجم. بل تستعمل القصيدة الوجدانية لغة الحديث المالوف ولغة الشارع كما عند العقاد في الكثير من قصائده الشعرية ولاسيما قصيدته" أصداء الشارع" الموجودة في ديوانه" عابر سبيل". كما أن الصورة الشعرية البيانية صارت تعبيرية وانفعالية وذاتية ملتصقة بتجربة الشاعر الرومانسي. بينما اقترنت الصورة الشعرية لدى الإحيائيين بالذاكرة التراثية مستقلة عن تجربة القصيدة الذاتية ، وغالبا ما تأتي للتزيين والزخرفة ليس إلا.

و" لقد أراد الشاعر الوجداني أن يجعل للصورة وظيفة أساسية، وأن تكون هذه الوظيفة نابعة من تجربته الذاتية، ومن رؤيته للحياة، عبر تلك التجربة، ولم يعد التدبيج والزخرفة هدفه الأساسي من استخدامها، لا، بل أن هذه الوظيفة أصبحت ذات علاقة بوظائف العناصر الشعرية الأخرى، من افكار وعواطف واحاسيس، ومن هذه العلاقة الأخيرة، تنشا خاصة أخرى من خصائص الشكل في القصيدة الوجدانية الحديثة، هي خاصة الوحدة العضوية. فكما أراد الشاعر الوجداني أن يربط بين الصورة وبين عواطف الشاعر وأحاسيسه، آراد كذلك أن يربط هذه العواطف والأحاسيس والأفكار ببعضها، ربطا من شأنه أن ينشیء روحا عاما يشيع في أجزاء القصيدة المختلفة، ويظهرها بمظاهر الكائن الحي، لكل عضو من أعضاء الجسد دور هام ومتميز، يحدده مكانه من الجسد"
ومن القصائد الوجدانية التي تتمثل فيها خاصة الوحدة العضوية قصيدة "حكمة الجهل" العباس محمود العقاد التي يحافظ فيها الشاعر علي الرابط العضوي والمنطقي، لذا من الصعب أن يخل الدارس بتسلسل الأبيات تقديما وتاخيرا
وتبقى هذه الوحدة العضوية موجودة ومرتبطة بالوجدان مهما اختلفت القوافي كما في قصيدة "الخير والشر" لميخائيل نعيمة او تعددت الأوزان العروضية كما في قصيدة"المجنون" لإيليا أبي ماضي.
هذا، وقد مال الوجدانيون إلى تحقيق بعض الملامح التجديدية في اشعارهم کتنويع القوافي والأوزان، وتشغيل الوحدة العضوية في بناء القصيدة، واستعمال القصائد والمقطوعات المتفرقة، وتليين اللغة وترهيفها وإزالة قداستها البيانية ، وتوظيف القافية المرسلة والمزدوجة والمتراوحة، واللجوء إلى الشعر المرسل.
 لكن هذا التجديد سيواجهه النقاد المحافظون بالمنع والتقويض كمصطفى صادق الرافعي وطه حسين والعقاد في إحدى مراحله النقدية وإبراهيم انیس صاحب كتاب " موسيقا الشعر".

وإذا، فقد كانت نهاية هذه التيارات الذاتية محزنة، على صعيدي المضمون والشكل، أما المضمون فلأنه انحدر، كما لاحظنا في القسم الأول من هذا الكتاب، على مستوى البكاء والأنين والتفجع والشكوى، وهي معان ممعنة في الضعف تفصح بوضوح عما وراءها من مرض وتهافت وخذلان. أما الشكل فأنه فشل في مسيرته نحو الوصول إلى صورة تعبيرية ذات مقومات خاصة، ومميزات مكتملة ناضجة، وكان فشله تحت ضربات النقد المحافظ، الذي استمد قوته مما كان الوجود العربي التقليدي يتمتع به من تماسك ومنعة، قبل كارثة فلسطين. فلما تحقق النصر للكيان الصهيوني المصطنع، وعجز الوجود العربي التقليدي بكل ما أوتي من قوة عن رد الخطر الذي يتهدد الأمة، سقط ذلك الوجود، وكان سقوطه على كافة المستويات، السياسية والاجتماعية والثقافية، وأتيح بذلك للشاعر والناقد والمفكر أن يمارسوا قدرا من الحرية لم تكن ممارسته متاحة لهم من قبل في عالمنا العربي."
وهكذا، يحكم أحمد المعداوي على التيار الذاتي بأنه لم يأت بجديد يذكر على مستوى المضمون والشكل معا على الرغم من بعض المحاولات التجديدية ؛ لأنه بقي اسیر النغمات الحزينة والمحاولات التجديدية المحتشمة التي كانت تهاب أنياب النقد العربي المحافظ.
الفصل الثاني: تجربة الغربة والضياع
لم يظهر الشعر العربي الحديث أو مايسمى بشعر التفعيلة إلا بعد نكبة 1948م ، وتعاقب مجموعة من النكسات والهزائم المتوالية وخاصة هزيمة 1967م. وقد تأثر هذا الشعر الجديد بالمد القومي وانهيار الواقع العربي الفظ الذي زرع الشك في نفوس المثقفين والمبدعين، واسقط كل الوثوقيات العربية التقليدية والثوابت المقدسة والطابوهات الممنوعة.
كما كان للاحتكاك بالثقافة الأجنبية دور كبير في انفتاح هذا الشعر على كل ماهو مستحدث في الخارج لتجديد اليات الكتابة والتعبير بله عن التسلح بمجموعة من المعارف والعلوم للسمو بهذا الشعر كالفلسفة والتاريخ والأساطير وعلم النفس وعلم الاجتماع والأنتروبولوجيا ، واستيعاب الروافد الفكرية الآتية من الشرق وبالضبط المذاهب الصوفية والتعاليم المنحدرة من الديانات الهندية والفارسية والحرانية (الصابئة)، والتأثر باشعار الجامي وجلال الدين الرومي وفريد العطار والخيام وطاغور فضلا عن الاستفادة من الفلسفة الوجودية والفلسفة الاشتراكية والتفاعل مع أشعار أودن وبابلو نيرودا و ويول إيلوار و لویس اراگون و گارسيا لوركا ومایاکوفسكي وناظم حکمت والاستعانة بقصص كافكا واشعار ريلكه وإليوت مع الانفتاح على الثقافة الشعبية كسيرة عنترة بن شداد و کتاب الف ليلة وليلة و سيرتي : سيف بن ذي يزن وابي زيد الهلالي ، والتعمق في القران الكريم، وقراءة الحديث النبوي الشريف، والتجوال الدائم في الشعر العربي القديم.
وصار الشعر وسيلة لاكتشاف الإنسان والعالم، كما كان فعالية جوهرية تتصل بوضع الإنسان ومستقبله إلى المدى الأقصى، وبدا الشاعر يحمل رؤيا للإنسان والحياة والكون والوجود والقيم والمعرفة. بل أصبح الشعر الحديث أداة لتفسير العالم وتغييره.
ولا يعرف الشاعر الحديث معنى الاستقرار فهو كثير التنقل تناصيا وكثير الترحال معرفیا فقد طوف مع يوليس في المجهول، ومع فاوست ضحي بروحه ليفتدي المعرفة، ثم انتهى إلى الياس من العلم في هذا العصر، تنكر له مع هكسلي ، فابحر إلى ضفاف الكنج، منبت التصرف، لم ير غير طين ميت هناك، وطين ميت هنا، طين بطين، ولا تقف رحلة الشاعر الحديث عند حدود الزمان والمكان والتاريخ والحضارة، فقد حمل صليبه مع المسيح، وحمل صخرته مع سيزيف، وعاقر الأتراح والآلام مع كلكمش في رحلته الطويلة بحثا عن شجرة الخلود، ومع الحلاج في ماساته بین البوح والكتمان، ورهن المحبسين مع أبي العلاء، قرأ اسمه على شاهد قبره، وقرأه على الأجر المشوي في أطلال نينوى، وعلى الصوامع المهدمة في أحياء نیسابور، حتى إذا أعياه الضرب في الأرض،ألقى عصاه في انتظار الذي يأتي ولا يأتي"
ومن ناحية أخرى، أصبح الشكل الشعري الجديد يعبر عن ثمار الرؤيا الحضارية الجديدة، بعد ان افرزته مجموعة من النكبات والنكسات والهزائم. ومن هنا، فقد استوی الشكل الشعري الجديد مع مجموعة من الشعراء المحدثین کبدر شاكر السياب ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور وخليل حاوي وادونيس وعبد الوهاب البياتي...
ومن الموضوعات التي نصادفها بكثرة في شعرنا العربي الحديث نلفي تجربة الضياع والتمزق النفسي والاضطراب الداخلي والقلق الوجودي والغربة الذاتية والمكانية تأثرا بشعر توماس إليوت صاحب القصيدة الشهيرة" الأرض الخراب"، فنموذج الأفاق عند عبد الوهاب البياتي " ليس سوى رمز للإنسان الضائع الذي اضمحل وجوده في الحضارة الأوربية كما يتصوره إليوت"، وتاثرا ايضا باعمال بعض الروائيين والمسرحيين خاصة الروايات والمسرحيات الوجودية التي ترجمت إلى اللغة العربية، ودراسة كولن ویلسن عن" اللامنتمي"، علاوة على عامل المعرفة، وكل هذا جعل الشاعر الحديث يعاني من الملل والسام والضجر واللامبالاة والقلق، وبدا يعزف انغاما حزينة تترجم سيمفونية الضياع والتيه والاغتراب والانهيار النفسي والتأكل الذاتي والذوبان الوجودي بسبب تردي القيم الإنسانية وانحطاط المجتمع العربي بسبب قيمة الزائفة وهزائمه المتكررة.
وتحضر هذه النعمة التراجيدية في أشعار أدونيس في قصيدة "الرأس والنهر " من دیوان " المسرح والمرايا"، وعند عبد الوهاب البياتي وصلاح عبد الصبور في قصيدته "مذكرات الصوفي بشر الحافي" من ديوان "احلام الفارس القديم"، و لدى عبد المعطي حجازي.
وتتنوع الغربة في أشعار المحدثين لتشمل الغربة في الكون، والغربة في المدينة، والغربة في الحب، والغربة في الكلمة.
وتعني الغربة في الكون ميل الشاعر إلى الشك في الحقائق والميل إلى التفلسف الأنطولوجي ( الوجودي)، وتفسير الكون عقلا ومنطقا، والدافع إلى ذلك أن الشاعر يحس بالعبث والقلق والمرارة المظلمة كما نجد ذلك في نصوص صلاح عبد الصبور وبدر شاكر السياب وأدونيس ويوسف الخال.
أما الغربة في المدينة، فتتجلى في تبرم الشاعر الحساس من المكان المديني الذي حول الإنسان إلى مادة محنطة بالقيم المصطنعة الزائفة، وهذا المكان المخيف هو المدينة العربية المعاصرة التي علبت الإنسان وشياته، وأضحت بدون قلب أو بدون روح، فالقاهرة بدون قلب عند عبد المعطي حجازي، ونفس الشيء يقال عن بغداد السياب وبيروت ادونيس وخليل حاوي. وتتخذ المدينة في شعر هؤلاء قناعا سياسيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، وتمثل وجه الحضارة بكل أبعادها الذاتية والموضوعية.
وعليه، فقد صور الشعر الحديث المدينة في ثوبها المادي كما عند الحجازي، أو الناس داخل المدينة وهم صامتون يثقلهم الإحساس بالزمن كما في جل أشعار عبد المعطي حجازي في ديوانه" مدينة بلا قلب"

ويلاحظ أن الشعراء المحدثين لم يستطيعوا الهروب إلى الريف أو إلى عالم الغاب كما فعل الرومانسيون ، بل فكر السياب أن يهرب إلى قريته جيكور في الكثير من جیکوریاته، ولكنه وجد أن المدينة تحاصره في أي مكان وتطوقه بأحابيلها المادية الإسمنتية، ولم يجد صلاح عبد الصبور أيضا سوى أن يجسد الخلاص في الموت كما في قصيدة " الخروج ".
وإذا كان الشاعر الحديث قد فشل في فهم أسرار الكون ووجوده، وفشل كذلك في التأقلم مع المدينة، فإنه فشل كذلك في الحب الذي أصبح زيفا مصطنعا وبريقا واهما. ومن ثم، تتحول العلاقة بين الزوجين إلى عداوة وقتال كما في قصيدة"الجروح السود" عند خليل حاوي في ديوانه" نهر الرماد"، أو يموت الحب عند عبد المعطي حجازي او يصاب بالاختناق عند صلاح عبد الصبور.
هذا، و تعيش الكلمة غربتها الذاتية في واقع لايعرف سوى الصدى وخنق الجهر و قتل الكلام الصارخ الذي قد يتحول إلى حجر عند ادونيس في قصيدة "السماء الثامنة" من دیوان " المسرح والمرايا"، وقد يلتجئ الشاعر إلى الصمت كما عند البياتي في قصيدة " إلى أسماء" من ديوان "سفر الفقر والثورة". ومن هنا، فالغربة في الكلمة، أو في المدينة، أو في الحب، "ليست سوى وجه واحد من عدة اوجه، يمكن تصورها لغربة الشاعر العربي في واقع ما بعد النكبة"

ويلاحظ أن هناك من الشعراء المحدثين من وقف عند لون واحد من الغربة، وهناك من مزج بين لونين ، وهناك من تحدث عن الألوان الثلاثة للغربة، وهناك من جمع بين الأربعة في وحدة شعرية منصهرة:" تلك الوحدة سوغت له أن يمزج في بعض الأحيان، بین لونين من الوان الغربة في القصيدة الواحدة، على نحو ما فعل إبراهيم ابو سنة حين مزج بین الغربة في الحب والغربة في المدينة، في قصيدة له بعنوان " في الطريق". وعلى نحو ما نجد عند صلاح عبد الصبور، الذي يمزج بين الغربة في المدينة، والغربة في الكلمة في قصيدة" أغنية للشتاء". وقد يمضي بعض الشعراء بعيدا، فيمزج في قصيدة واحدة بين الوان مختلفة تتعدى ما سبقت الإشارة إليه من الوان الغربة ، كما هو الشأن في قصيدة" فارس النحاس" لعبد الوهاب البياتي"، التي جسدت الغربة في المكان والغربة في الزمان والغربة في المدينة والغربة في العجز. وهذه الغربة تتفرع عنها الغربة في الحياة والغربة في الموت والغربة في الصمت. وهذه النظرة الشمولية للغربة تنطبق أيضا على قصيدة يوسف الخال" الدارة السوداء".
تتداخل تحرية الضياع والغرية في قصائد الشعراء المحدثين مع تجربة اليقظة والأمل وانه:" من المفيد أن نشير بصفة عامة، إلى أن إيقاع التجدد والبعث والأمل بلغ أوجه في الارتفاع والتألق، في الفترة الواقعة بين تأميم القناة، وبين واقعة الانفصال بين مصر وسورية. على حين بدا إيقاع الياس يسود بعد هذه الحادثة الأخيرة، وان نشير بصفة خاصة، إلى أن استجابة الشاعر للإيقاع السائد في المرحلة ، لاتكون استجابة مطلقة".
وسبب هذا الضياع عند الشعراء المحدثين هو تأثرهم بالأدب الوجودي كما عند سارتر والبير كامو، ومن الشعراء الذين تغنوا بالسام الوجودي والقلق والاغتراب والضياع نستحضر كلا من صلاح عبد الصبور في قصيدة "الظل والصليب " من دیوان" أقول لكم" ، وكما حصل في بعض قصائد عبد الباسط الصوفي من دیوانه" أبيات ريفية" كقصيدة" قصيدة ومقهى"، وقصيدة" أحزان قديمة"، وقصيدة " تثاؤب".
وقد دفع هذا الياس وهذا الضياع عند الشعراء المحدثين بعض النقادر حسین مروة وجلال العشري، ومحمود امين العالم، وفاروق خورشید) إلى اتهام هذا الشعر الجديد بالسلبية والنكوص والضعف والاستسلام والميل إلى الذاتية الباكية على غرار الرومانسيين الوجدانيين. بيد أن أحمد المجاطي يدافع عن هذه التجربة بقوله:"إن هذه النغمة المستوردة هي التي حملت بعض النقاد على اتخاذ مواقف متحفظة من تجربة الغربة كلها، ولاشك أن موقفهم هذا، ناتج قبل ذلك من الخلط بين ماهو أصيل من تلك التجربة، وبين ماهو غير اصيل، وإن الخوف المبالغ فيه من كل مايمت بصلة إلى الحزن والضياع والتمزق، كان الحياة نزهة مترفة، لامكان فيها للخوف، والتردد، والرعب، وكان الشعر لايملك أن يكون إيجابيا حتى وهو يشق العظام ليؤكد وجود المادة النخاعية" كما يقرر روزينتال". أما الشيء الذي يؤسف له فهو ان موقف هؤلاء الباحثين قد قادهم إلى تجاهل النجاح الذي حققته هذه التجربة، وهو نجاح يرجع إلى أن الهم الذي عانى منه الشاعر الحديث، لم يكن هما فرديا كالهم الذي اغرق تجربة شعراء التيارات الذاتية، في الظلمة والقتامة، واليأس، إنه هم جماعي نابع من تفتت الأرض تحت أقدامنا، ومن ارتفاع أسوار الحديد أمام كل خطوة نخطوها، نابع من قصر عصر الأفراح، التي تبزغ في سمائنا بين الحين والحين، فنحسب أنها الفجر الصادق، حتى إذا فتحنا أذرعنا للقاء المنتظر، تكشف أقنعة الضوء عن أنياب الفزع والموت. إن هذه الغربة هي غربتنا، وكل صوت نرفعه في وجه الشعر حين يشير إليها يجب أن يتحول إلى فعل، وان يكون هدف ذلك الفعل، الواقع العربي، لامكان للحسرة في نفوسنا وكلماتنا. لا أريد بهذه الكلمة أن ادافع عن تجربة الغربة، ولكن هدفي هو لفت النظر إليها، وعلى الدور الذي لعبته في تهييء الشاعر الحديث لتجربة اخرى... وهي تجربة الحياة والموت".
بيد ان احمد المعداوي سيعتبر تجربة الغربة والضياع تجربة سلبية فاشلة وجدت نفسها في طريق مسدود كما أثبت ذلك في كتابه "أزمة الشعر العربي الحديث" في الفصل الثالث المخصص للرسالة الشعرية.
الفصل الثالث: تجربة الحياة والموت
لم يكن الشعر العربي الحديث كله شعر یاس وغربة وضياع وقلق وسام، فهناك أشعار تغنت بالأمل والحياة واليقظة والتجدد والانبعاث او مايسمى عند ريتا عوض بقصيدة الموت والانبعاث التي نجدها حاضرة في اشعار بدر شاكر السياب وخليل حاوي وادونيس وعبد الوهاب البياتي. وسبب هذا الأمل والتجدد في اشعار هؤلاء التموزيين الذين تغنوا بالموت والانبعاث هو ماتم إنجازه واقعيا وسياسيا كثورة مصر و تأميم القناة ورد العدوان الثلاثي واستقلال أقطار العالم العربي والوحدة بين مصر وسوريا إلى غير ذلك من الأحداث الإيجابية التي دفعت الشعراء إلى التغني بالانبعاث واليقظة والتجدد الحضاري. ولم تستقل حقبة الأمل بفترة معينة، بل نراها تتداخل مع فترة إيقاع الغربة والضياع تعاقبا أو تقاطعا.
وقد نجد فكرة التجدد عند الشعراء المهجريين كأقصوصة " رماد الأجيال" و"النار الخالدة" عند جبران خايل جبران، وقصيدة" أوراق الخريف" لميخائيل نعيمة، "غيران هذه اللمحات الأدبية والشعرية ، التي تراءت في إنتاج أدباء المهجر الشمالي ، لاتؤلف في واقع الأمر تجربة متماسكة، تضع الإيمان بالتجدد والعبث فوق كل اعتبار، فباستثناء قصيدة " الحائك" لنعيمة، تبقي الحيرة والتردد، وإيثار الحياة الحالمة، هي طابع هذه التجربة العامة". ويعني هذا أن التجدد عند شعراء المهجر مقترن بالتناسخ، بينما التجدد عند الشعراء المحدثین مرتبط بالفداء المسيحي.

وقد استفاد الشاعر الحديث من مجموعة من الأساطير والرموز الدالة على البعث والنهضة واليقظة والتجدد، واستلهمها من الوثنية البابلية واليونانية والفينيقية والعربية ومن المعتقدات المسيحية ومن التراث العربي والإسلامي ومن الفكر الإنساني عامة.
وتجسد هذه الأساطير غالبا صراع الخير والشر، ومن بين هذه الأساطير الموظفة نجد تموز وعشتار واورفیوس وطائر الفينيق وصقر قريش والخضر ونادر السود ومهيار والعنقاء والسندباد وعمر الخيام وحبيبته عائشة والحلاج ولعازر والناصري.
ولقد أفرزت هذه الأساطير الرمزية التي وظفها الشاعر المعاصر منهجا نقديا وأدبيا وفلسفيا يسمى بالمنهج الأسطوري" يقدم به الشاعر مشاعرہ وافكاره، ومجمل تجربته في صور رمزية، يتم بواسطتها التواصل، لا عن طريق مخاطبة الفكر، كما تفعل الفلسفة والمنطق، بل عن طريق التغلغل إلى اللاشعور، حيث تكمن رواسب المعتقدات والأفكار المشتركة".
ويعد أدونيس من أهم شعراء التجربة التموزية الذين تغنوا بالموت والانبعاث كما في ديوانيه" كتاب التحولات والهجرة في أقاليم النهار والليل"، وديوان المسرح والمرايا". ومن أهم خصائص شعره التي تحدد نظرته إلى أمته على المستوى الحضاري خاصة التحول عبر الحياة والموت، أي إن أدونيس يشخص في أشعاره جدلية الإنسان المتارجحة بين الحياة والموت، كما في قصائده الشعرية " الرأس والنهر"، و" تیمور ومهيار"، وقصيدة "السماء"، وقد اشتغل أدونيس في شعره كثيرا على أسطورة العنقاء وشخصية مهیار .

أما إذا انتقلنا إلى الشاعر خليل حاوي فقد عبر في دواوينه الثلاثة " نهر الرماد" و"الناي والريح " و" بيادر الجوع" عن مبدا آخر غير مبدا التحول عند أدونيس هو مبدأ المعاناة، أي معاناة حقيقية للخراب والدمار، والجفاف والعقم. وقد شغل في شعره أسطورة تموز وأسطورة العنقاء للدلالة على هذا الخراب الحضاري والتجدد مع العنقاء
ومن القصائد الدالة على معاناة الحياة والموت قصيدته" بعد الجليد "وقصيدة" السندباد في رحلته الثامنة"، و"حب وجلجلة"، و"البحار والدرويش"، و" ليالي بيروت"، و" نعش السکاری"، و"جحيم بارد"، و" بلا عنوان"، و"الجروح السود"، و" في جوف الحوت"، و"المجوس في أوريا" و"عودة إلى سدوم"، و"الجسر"، و"عند البصارة" ، و" وجوه السندباد"، ومسرحية"عرس الدم" للوركا، و" سيرة الديك الجن"، و"الكهف"، و"جنية الشاطئ"، و" لعازر عام 1962 م".
ومن جهة أخرى، فقد تناول بدر شاكر السياب في الكثير من قصائده معاني الموت والبعث، وعبر عن طبيعة الفداء في الموت، إذ يعتقد بان الخلاص لايكون إلا بالموت، إلا بمزيد من الأموات والضحايا كما في قصيدته " النهر والموت" ، وفي قصيدته " قافلة الضياع "، و" رسالة من مقبرة". وقد استخدم السياب رمزا اسطوريا للتعبير عن فكرة الخلاص وهو رمز المسيح كما في قصيدته المسيح بعد الصلب"، وقصيدة " مدينة السندباد" و"أنشودة المطر".
وتتسم أشعار عبد الوهاب البياتي بجدلية الأمل واليأس كما يظهر ذلك جليا في ديوانه" الذي يأتي ولايأتي". ويلاحظ الدارس أن هناك ثلاث منحنيات في جدلية الأمل واليأس في أشعار عبد الوهاب البياتي: " في المنحني الأول، إنتصار ساحق للحياة على الموت، وتمثله الأعمال الشعرية السابقة على" الذي يأتي ولايأتي"، ولاسيما " كلمات لاتموت"، و" النار والكلمات" و" سفر الفقر والثورة". في المنحنى الثاني تتكافأ الكفتان، ويمثله ديوان" الذي يأتي ولايأتي". أما المنحني الأخير، فيتم فيه انتصار الموت على الحياة، ويمثله ديوان الموت في الحياة"
هذا، و قد جسد عبد الوهاب البياتي في دواوينه الشعرية حقيقة البعث من خلال الخطوط الأربعة الهامة لمضمون دیوانه" الذي يأتي ولايأتي" كخط الحياة وخط الموت وخط السؤال، وخط الرجاء، وكل هذا يرد في جدلية منحنی الأمل ومنحنی الشك.
وبعد، لقد أصبح الشاعر الحديث شاعرا يجمع بين هموم الذات وهموم الجماعة ، يروم کشف الواقع واستشراف المستقبل متنقلا من التفسير إلى التغيير. وبمعنى آخر،" لقد اصبح وعي الشاعر بالذات وبالزمن وبالكون مرتبطا بوعية بالجماعة، ومتضمنا له. وماكان الشيء من ذلك أن يحدث لولا وعي الشاعر الحديث، وإدراكه للتحدي الذي يهدد حاضرہ ومستقبله، بالقدر الذي يهدد وجوده القومي الأمر الذي جعل موقف الشاعر من الذات، ومن الكون، ومن الزمن ومن الجماعة، موقفا موحدا، تمليه رغبته في الحياة والتجدد والانتصار على كل التحديات، التي يرمز إليها برمز واحد، ذي طابع شمولي، هو رمز الموت الذي يعني موت الذات وموت الزمن الماضي بكل أمجاده والحاضر بكل تطلعاته) ، والذي يعني تبعا لذلك محو الوجد القومي والإنساني للأمة العربية.
إن الصراع بين الموت والحياة في تجربة الشاعر الحديث يعني في آخر الأمر الصراع بين الحرية والحب والتجدد الذي يجعل الثورة وسيلته، وبين الحقد والاستعباد والنفي من المكان ومن التاريخ."
وعلى الرغم من مضامين الشعر الحديث الثورية، فإنه لم يتحول إلى طاقة تغييرية، بل نلاحظ انفصالا بين الشعر الحديث والجماهير العربية، والسبب في ذلك يعود حسب احمد المعداوي إلى عامل دیني قومي، وعامل ثقافي، وعامل سیاسي، ولكن اهم هذه العوامل حسب الكاتب تعود إلى العامل" المتعلق بتقنية هذا الشعر، أي بالوسائل الفنية المستحدثة التي توسل بها الشعراء، للتعبير عن التجارب التي سبقت الحديث عنها. فلا شك في أن حداثة هذه الوسائل حالت بين الجماهير، وبين تمثل المضامین الثورية لهذا الشعر."
الفصل الرابع: الشكل الجديد
استعمل الشعر الحديث شكلا جديدا يتجلى في استخدام الرموز والأساطير والصور البيانية الانزياحية، كما أن اللغة تختلف من شاعر إلى آخر، فالشعراء العراقيون الذين يمثلهم بدر شاكر السياب يستعملون لغة جزلة وعبارة فخمة وسبکا متينا على غرار الشعر القديم الذي يتميز بالنفس التقليدي كما يظهر ذلك جليا في دواوين السياب القديمة والمتأخرة وخاصة قصيدته "مدينة بلا مطر"، وقصيدة" منزل الأقنان"، بينما هناك من يختار لغة الحديث اليومي كما عند امل دنقل في ديوانه" البكاء بين يدي زرقاء اليمامة"، وهناك من يخلخل اللغة الشعرية النفعية المباشرة ويستعمل لغة انزياحية موحية تنتهك معايير الوضوح والعقل والمنطق كما نجد ذلك عند الشاعر ادونیس والبياتي ومحمد عفيفي مطر وصلاح عبد الصبور، وهناك من يشغل اللغة الدرامية المتوترة النابعة من الصوت الداخلي، وهذا الصوت" منبثق من أعماق الذات، ومتجها إليها، خلافا لماهو الأمر عليه لدى الشاعر القديم، الذي امتاز سياقه اللغوي بصدوره عن صوت داخلي يتجه إلى الخارج، وهو في اتجاهه إلى الخارج يأخذ شكل خطاب أو التماس أو دعوة إلى المشاركة والتعاطف، الأمر الذي يمنعه من أن يقيم جدارا بينه وبين العالم الخارجي أثناء المعاناة والتوتر، فهناك دائما شخص آخر يقاسم الشاعر الامه" ، كما نجد ذلك لدى الشاعر محمد مفتاح الفيتوري في قصيدته " معزوفة لدرويش متجول".
وعلى مستوى الصورة الشعرية، فقد تجاوز الشاعر الصور البيانية المرتبطة بالذاكرة التراثية عند الشعراء الإحيائيين، والصور المرتبطة بالتجارب الذاتية عند الرومانسيين، إلى صور تقوم على توسيع مدلول الكلمات من خلال تحريك الخيال والتخييل وتشغيل الانزياح والرموز والأساطير وتوظيف الصورة الرؤيا وتجاوز اللغة التقريرية المباشرة إلى لغة الإيحاء. ولا ريب أن ولع" الشاعر الحديث بالضرب في بحور المعرفة السبعة ، قد أتاح له ان يجتني المزيد من الصور والرموز، التي تعتبر من أهم الوسائل التي يلجأ إليها الشاعر الحديث للتعبير عن تجاربه الجديدة، ولا ريب في أن الشاعر حین فعل ذلك، وحين وسع مدلول صورة البيانية، او حدده بربطه بمدلولات سائر الصور في القصيدة الواحدة، أو حين فتح مدلول الصورة الواحدة على افاق تجربته المختلفة، قد ابتعد كثيرا عن مفهوم الصور البيانية في البلاغة القديمة، وان هذا البعد قد ساهم مساهمة فعالة في إبعاد تجاربه الشعرية عن ذوق عامة الناس، كما منحهم نوعا من التبرير لوصف شعره بالغموض. ".
ولكن أهم خاصة شكلية يتسم به الشعر الحديث هو تطور الأسس الموسيقية، وإن كان بعض الشعراء المحدثين مازالوا يستعملون الطريقة التقليدية في كتابة قصائدهم كما هوحال البياتي في هذا المقطع المأخوذ من دیوانه" الذي يأتي ولا يأتي":
عديدة أسلاب هذا الليل في المغاره 
جماجم الموتی، کتاب اصفر، قیثاره
 نقش على الحائط، طیر میت، عباره
 مكتوبة بالدم فوق هذه الحجاره
بيد أن هناك من الشعراء من نسف عروض الشعر لينتقل إلى عروض القصيدة معتمدا على التفعيلة وتنويعها والتصرف في عددها حسب انفعالات التجربة الشعرية وتوقفها. اي إن التجربة الشعرية الذاتية الداخلية هي التي تستلزم الإيقاع الشعري والوقفة العروضية والنظمية والدلالية عند الشاعر المعاصر.
هذا، وقد التجأ الشاعر الحديث إلى تنويع البحور الشعرية داخل قصيدة واحدة واستخدام البحور الصافية منها ، وتنويع القوافي والتحرر من القافية الموحدة التي تمتاز بالرتابة والتكرار الممل، ناهيك عن تفتيت وحدة البيت المستقل وتعويضه بالأسطر والجمل الشعرية التي تخضع للنسق الشعوري والفكري.
وشغل الشاعر الحديث ستة بحور شعرية كالهزج ( مفاعیلن)، والرمل ( فاعلاتن)، والمتقارب ( فعولن)، والمتدارك ( فاعلن)، والرجز( مستفعلن)، والكامل (متفاعلن)، ولقد اصبح " في وسع الشاعر أن يستخلص من البحر الواحد عددا هائلا من الأبنية
وسيقية، التي ربما أغنته عن التفكير في الانصراف من البحر ذي التفعيلة الواحدة إلى غيره. ولقد فطن الشاعر الحديث إلى هذه الخاصة منذ السنوات الأولى لاكتشاف الشكل الجديد، فقد لاحظ الدكتور إحسان عباس في كتابه" عبد الوهاب البياتي والشعر عراقي الحديث الصادر سنة 1955م، ان" في ديوان " اباريق مهشمة" إحدى واربعين قصيدة، منها ثمان وعشرون تستمد نغماتها من البحر الكامل، ومنها ست على بحر الرمل".
ومن سمات التجربة الجديدة الخلط بين البحور داخل قصيدة واحدة كما عند السياب في قصيدتين من قصائد ديوان" شناشيل ابنة الجلبي"، وأدونيس في قصيدته" مرآة لخالدة" من ديوان المسرح والمرايا".
ومن " النصفة تقتضي منا – يقول أحمد المعداوي أن نشير إلى أن الطاقات الموسيقية للبحور المختلطة، بالرغم من أهميتها، لم تستغل على النحو الذي رأيناه عند أدونيس إلا نادرا".
ومن الظواهر التي تم توظيفها في الشعر الحديث التنويع في الزحافات ، وتنويع الأضرب، واستعمال صيغة فاعل في بحر الخبب ، والاتكاء على التدوير والتضمين، وتنويع القوافي حسب النسق الشعوري والفكري مع استخدامها بشكل متراوح او متعانق او متراکب او موحد أو متقاطع أو متراوح
ويرى أحمد المعداوي في آخر الكتاب أن الحداثة من العوامل التي كانت وراء وصف الشعر العربي الحديث بالغموض، إلى جانب ما تتطلبه القصيدة الحديثة من إعمال اللجهد واستلزام لذوق قرائي جديد، ثم انفصال هذا الشعر عن الجماهير مادام لا ينزل معها إلى ساحة المقاتلة والنضال والصراع ضد قوى الاستغلال والبطش ولا يشاركها في معاركها الحضارية .