السبت، 18 يناير 2020

تلخيص جغرافية المغرب

تلخيص جغرافية المغرب
















النهضة الاوربية

النهضة الاوربية
المحاور
- مدخل عام:
- المحور الأول: أزمات وتحولات 1348ـ1485
1ـ الطاعون الأسود
2ـ حركات التمرد
3ـ الطريق إلى الحداثة
- المحور الثاني: مفهوم النهضة الأوربية وأهم العوامل الممهدة للتحولات بإيطاليا خلال القرن 15م
1ـ مقاربة مفهوم النهضة
2ـ أهم العوامل الممهدة للتحولات بإيطاليا خلال القرن 15م
- المحور الثالث: مظاهر النهضة الأوربية في بعض المجالات
1ـ تحولات فكرية وثقافية
2ـ تحولات علمية
3ـ تحولات فنية
4ـ تحولات تجارية
5ـ تحولات سياسية واجتماعية
- المحور الرابع : الإصلاح الديني
1ـ جون هوس
2ـ مارتل لوتر
3ـ جون كالفن 
4ـ الإصلاح الأنجليكاني
 مدخل عام:
التحقيب التاريخي:
التحقيب المتعارف عليه هو:
عصر قديم
وسيط
حديث
معاصر.
ـ يستجيب هذا النوع من التحقيب لصنف معين من التاريخ هو: تاريخ السياسة الذي يهتم في المقام الاول بالزمن القصير(التحولات السياسية والدبلوماسية والعسكرية)، ويعتبر العديد من المؤرخين بأنه لا فائدة كبيرة من تحقيب قائم على فترات مقننة حيث يقول الاقتصاديون الانجليز بخصوص اوروبا أن الفرق بين القرن 18 والقرن 19م أكبر من الفرق الحاصل بين القرن الاول والقرن 18م.
العصر الوسيط:
يتحدث المؤرخون الفرنسيين والايطاليين والألمان عن العصر الوسيط بينما يتحدث الانجليز عن العصور الوسطى، اي استمرار هذا العصر لمدة طويلة ووجود فترات متمددة داخل هذا العصر.
العصر الوسيط مفهوم غامض وضبابي ابتكره مؤرخو القرن 17 للدلالة على الحقبة التاريخية الممتدة من نهاية العصر القديم وانهيار الامبراطورية الرومانية ق5 الى بزوغ العصر الحديث مع تطورات القرن 16م، ويمكن اختزال هذه المعطيات فيما يلي:
- سياسيا: قيام المماليك الجرمانية.
- اقتصاديا: اقتصاد فلاحي مغلق وركود التقنيات وجمود التبادل التجاري وضعف المدن واستمرار اشكال العبودية.
- ثقافيا: سيادة الجهل وسيطرة الكنيسة والثقافة الدينية على المجتمع.
النظام الفيودالي:
عرف هذا النظام تفكك السلطة المركزية وقيام الفيوداليات المحلية.
تحولات وقيم عصر النهضة:
- اقتحام البحار (الكشوفات الجغرافية)
- رواج الاموال
- ارتقاء النزعة الفردية
- نضج الحس النقدي والرغبة في تجاوز الموروثات.
النهضة الاوروبية:
محطة اساسية ضمن تطور تاريخ اوروبا وقد ارتبطت اليات التحول بطبيعة الفيودالية نفسها، ففي هذه الفترة ظهرت فئة اجتماعية جديدة (البرجوازية) استوطنت المدن ومارست التجارة.
المتغيرات اللاحقة:
النهضة الاوروبية هي المفتاح الذي يمكن من فهم المتغيرات اللاحقة التي عرفتها اوروبا والعالم:
- الانتقال من هامشية النقود الى مركز للاقتصاد
- من الشتات السياسي الى الوحدة القومية
- من التسليم بالموروث الى الحس النقدي 
- من الكاثوليكية الى البروتستانتية (فإذا كان العصر الوسيط عصر الكاثوليكية فإن العصر الحديث عصر البروتستانتية).
كل هذه التطورات مهدت لعصر الانوار.
إن محطات التغير الاجتماعي والسياسي والفكري لم تكن لتتم دون ماسي اجتماعية.
بفعل آليات التغير التي حصلت في المجتمع الاوروبي، تمكنت اوروبا من تجاوز المجتمعات الاخرى والهيمنة عليها. يقول روبير فوسيي: "ان ميلاد اوروبا الكاسحة للعالم هو واقع هائل في تاريخ البشرية تكمن جدوره في العصر الوسيط"

المحور الأول: أزمات وتحولات 1348-1485م:
ـ لقد عاشت اوروبا مرحلة من الرخاء الاقتصادي في القرنين 12و13م وفي اواسط القرن 14 الى اواسط القرن 15م كما شهدت أزمات اجتماعية عميقة (كثرة الحروب ـ توالي المجاعات والأوبئة ـ الانتفاضات الشعبية).
ـ لقد انعكف المؤرخون القروسيطيون وبمختلف اتجاهاتهم على دراسة عناصر هذه الازمة ومظاهرها قصد الاجابة على سؤال هام:
ـ ماهي الاسباب التي جعلت النهضة الأوروبية تتأخر على ما يزيد عن قرن كامل؟
1ـ الطاعون الأسود: 1346ـ 1350م (او الموت الاسود)
يعتبر من أخطر الاوبئة التي شهدتها اوروبا وحوض البحر الابيض المتوسط. ويتفق المؤرخون على ان هذا الوباء ظهر في بدايته في مستعمرة كافا الجنوبية الموجودة بمنطقة القرم على ضفاف البحر الابيض الاسود وانتشر بعد ذلك في باقي انحاء اوروبا الغربية والجزر البريطانية، ثم انتقل الى الدول الاسكندنافية في ظرف سنتين ونصف وفشل الاطباء في الحد من انتشار المرض. ولقى معظمهم حتفهم عن طريق الاتصال المباشر وحتى بواسطة لمس الاشياء، وكان المرض لا يمهل المصاب اكثر من خمسة ايام وتسبب الطاعون الاسود في انهيار ديموغرافي كبير(ثلث سكان العالم راحوا ضحية هذا المرض - 000,100 وفاة في فلورانسيا. كما تسبب الطاعون في اضرار اجتماعية واقتصادية).
مظاهر الوباء:
- انهيار اليد العاملة في القرى والمدن.
- ضعف التجارة وارتفاع الاسعار وضعف الانتاج والمردودية
- ضعف اجهزة الدولة ولاسيما جهاز المالية (سقوط الضرائب على الفلاحين والتجار الذين عصف بهم الوباء)
- افلاس العديد من النبلاء مما حول العديد منهم الى اشخاص عاديين او قطاع الطرق.
الموقف والسلوكيات التي رافقت الطاعون الاسود:
اعتقاد المجتمع الاوروبي ان الوباء صادر عن غضب إلهي وهذا ما صرح به البابا كليمانت السادس في بيان يعود الى 1348م ان بلوى الهية اصابت المسيحيين.
مخلفات الطاعون الاسود:
وضع الطاعون الاسود حدا لفترة من الرخاء كان الغرب قد عاشه في نهاية القرن 13 والنصف الاول من القرن 14م، حيث تسبب الوباء في بؤس كبير في كل الانحاء، وأعاق مسار التطورات السياسية والعسكرية بل أحدث تحولات اجتماعية عميقة (افلاس طبقة النبلاء والاكليروس ـ تمرد في المدن والقرى على البرجوازيين والنبلاء).
2ـ حركات التمرد:
شهدت اوروبا خلال القرن 14م موجة من الاحتجاجات عبر عنها صغار الملاكين والمزارعين والصناع وغيرهم في البوادي والمدن.
عوامل حركات التمرد:
- الطاعون الاسود وتراجع المداخيل
- ارتفاع الضرائب
- انعكاسات حرب المائة عام بين فرنسا وانكلترا.
مظاهر حركات التمرد:
- احتلال الضيعات والساحات العمومية والحصون ونهب الحبوب والمواشي والمتاجر وقتل النبلاء في مختلف انحاء اوروبا.
يقول ايمانويل لوروا لادوري، وهو أحد المؤرّخين الفرنسيين الأكثر شهرة في هذه الحقبة الراهنة. وكان قد كرس الكثير من جهده لدراسة عالم الأرياف أن هذه الانتفاضة "لم تكن تهدف الى الاستيلاء على السلطة، لقد كانت مجرد هزة اذ لم تخلف ابدا تحولا في المجتمع، فما كان يرغب فيه الفلاحون هو الحصول على بعض التعديلات في إطار نفس النظام الاقتصادي والاجتماعي القائم"
- يرى العديد المؤرخون ان هذه التحولات والأزمات التي شهدتها اوروبا في هذه الفترة مهدت لبداية العصر الحديث ووضعت نهاية للعصر الوسيط.
3ـ الطريق إلى الحداثة: أسهمت التحولات التي شهدتها اوروبا في منتصف القرن 14م الى منتصف القرن 15م بالرغم مما نتج عنها من مآسي اجتماعية، الى تفكيك النظام الفيودالي على مستوى البنية الاقتصادية والاجتماعية، ثم على مستوى الافكار والتصورات والسلوكيات التي أطرت أهالي أوروبا لقرون عديدة وتظهر هذه التحولات في: - فقدان النبلاء مصداقيتهم الاجتماعية أمام الفلاحين والبرجوازية، واستغلت البرجوازية هذا الوضع لتتسرب الى البوادي. ـ تفكك النسق الفيودالي منذ القرنين 12و13م مع نهضة المدن، واتساع هذا التفكك خلال القرنين المواليين ونتيجة لهذه التحولات بدأت تتكون على مخاض عسير ملامح عصر جديد وتظهر هذه الملامح في المستويات التالية: أ- بروز الطبقة البرجوازية على المستوى الاقتصادي من خلال خلق الثروة ونشاط التجارة ورواج الاموال واتساع الاسواق على سواحل البحر الابيض المتوسط والمحيط الاطلسي. ب- نمو الحس القومي الذي ارتبط في كثير من الاحيان بظروف الحرب مع الامم المجاورة كما حصل مثلا مع الفرنسيين والانجليز خلال حرب المائة سنة (1337ـ 1453) والتي خسر فيها الملوك الانجليز اقطاعاتهم بغرب فرنسا. ج- إرساء دعائم المؤسسات وفي طليعتها المونارشية، اذ عمل ملوك اوروبا على متابعة نهجهم الرامي الى مركزة صلاحيات الحكم في أيديهم من ادارة وجيش ومالية. د- تأسيس مجالس نيابية ابثقت من رحم المجالس الفيودالية لتصبح جزء لا يتجزأ من المشهد السياسي. شهدت أوروبا تحولا كبيرا خلال هذه الفترة الانتقالية من عصر وسيط أخذ في الانحلال الى عصر حديث بدأت معالمه تتضح منذ النصف الثاني من القرن 14م.
المحور الثاني: مفهوم النهضة الأوروبية وأهم العوامل الممهدة للتحولات بإيطاليا خلال القرن 15م 1ـ مقاربة مفهوم النهضة: ـ النهضة هي الانطلاقة الفكرية التي ظهرت في ايطاليا منذ القرن 14م على الاقل ثم توسعت تدريجيا في باقي انحاء اوروبا الغربية. ـ النهضة هي فترة انتقال من العصور الوسطى الى العصور الحديثة. ـ النهضة اصطلاحا هي الانبعاث أو الميلاد الثاني، أي الميلاد الجديد للتراث القديم الاغريقي والروماني. ويرتبط انبعاث هذا التراث في اعمال العقل في مجال الفكر، والأدب والسياسة والفن والفلسفة مما جعل بعض الباحثين ينعتون النهضة بكونها ثورة فكرية. ـ النهضة: هي مجموع التحولات المادية والفكرية التي مكنت الأوروبيين من الخروج من النسق القائم على أساس اقتصاد الارض وثقافة الدين، والدخول في حضارة حداثية مكنتهم من تجاوز الحضارات الاخرى. ـ تعني كلمة نهضة في الإطار التاريخي الشامل: ارتقاء حضارة اوروبا وتمكنها من تجاوز الحضارات الموازية لها "جون دوليمو" ـ النهضة هي مجموع التحولات المادية والفكرية التي مكنت الاوروبيين من الخروج من اقتصاد الارض وثقافة الذين والدخول في حضارة حداثية مكنتهم من تجاوز الحضارات الاخرى. - ان النهضة مشروع أوروبي مشترك، فقد ظهر رجال من مختلف انحاء اوروبا ابتكروا في كل مناحي الحياة رجال المال والاعمال: آل مديسيس وال فوجير... الملاحون: كريستوف كلومبوس ـ فاسكودي جاما... العلماء: ليوناردو دافنشي ـ نيكولا كبرنيك... الادباء: فرانسوا رابلي ـ وديدي ايراسم... المصلحون الدينيون: مارتن لوثر ـ جون كالفن... هؤلاء خلقوا قيما مادية وفكرية جديدة اكتسحت أوروبا والعالم، ودمرت بنياته التقليدية، وهي المرحلة التي بدأت فيها أوروبا تبتلع العالم على حد تعبير فيرناند بروديل. 2ـ أهم العوامل الممهدة للتحولات بإيطاليا خلال القرن 15م بدأت النهضة الاوروبية في إيطاليا، حيث ازدهرت قبل ان تنتقل الى باقي اوروبا بفضل الموقع الجغرافي الذي تحتله ايطاليا كشبه جزيرة في حوض البحر الابيض المتوسط باعتباره الحوض الذي قامت على ضفافه اقدم الحضارات الانسانية، ومركز النشاط الاقتصادي والثقافي حتى نهاية القرن 15م. كما كانت ايطاليا تزخر بقدر كبير من تراث الحضارات القديمة الذي يتجلى في المباني والتماثيل والنقوش والمخطوطات وغير ذلك من المعالم الحضارية، اضافة الى اعتقاد الايطاليين بأنهم حفدة الرومان وبأنهم أجدر باستحضار التراث الروماني القديم . كما ان وجود مقر البابوية بايطاليا وكل ما يقتضيه ذلك التواجد من الشعور بنوع من السيطرة الدينية على باقي البلدان المسيحية. كما ساهمت طبيعة الشعب الايطالي المتمثلة في الميل الى الحياة الفنية بكل صورها واشكالها (الموسيقى، الرقص، الغناء، التصوير، النحت والعمارة) وغير ذلك من الآداب واشكال الفنون والشعر. ساهمت كل هذه العوامل في ازدهار النهضة في ايطاليا.

المحور الثالث: مظاهر النهضة الأوروبية في بعض المجالات مظاهر النهضة الاوروبية: - حركات بعث واحياء الدراسات القديمة الاغريقية والرومانية - ظهور اللغات القومية الحديثة في كثير من مناطق اوروبا - بناء مؤسسات علمية المعاهد والاكاديميات وتطور مناهج العلوم كالفلك والطب واساليب التشريح - الإعتناء بالفنون الجميلة من نحث وتصوير وغيرها من الاعمال الفنية. 1ـ تحولات فكرية وثقافية: حركة احياء الدراسات القديمة: سميت هذه الحركة بالدراسات الانسانية (الحركة الانسية) وتشمل عنصرين اساسيين: الدراسات الاغريقية والرومانية. وكان اساس هذه الحركة في بدايتها هو المخطوطات القديمة، ومن أبرز رواد هذه الحركة: - كريسولوراس مانويل (1355م ـ 1415م): قام بترجمة أشهر مؤلفات الثقافة الاغريقية القديمة مثل: الاغاني الهوميرية والمحاضرات الافلاطونية. - فرانسيسكو بترارك (1304ـ 1374م): أبرز الشخصيات التي اهتمت بالثقافة الرومانية ومن بين مؤلفاته كتاب افريقيا تناول فيه علاقة روما بقرطاج والحروب التي قامت بينهم. اللغات القومية: كانت اللغة اللاتينية هي السائدة خلال العصور الوسطى الى ان بدأت بالتدرج حكرا على رجال الدين فقط، ومع بداية القرن 14م، بدأت تنتشر بعض اللهجات المتفرعة من اللغة اللاتينية. وفي نهاية القرن 15م اصبحت تلك اللهجات صالحة للكتابة وتدوين العلوم والآداب وبعض المؤلفات ذات الشهرة العالمية، وحظيت بعناية فائقة من الدول القومية، ففي إيطاليا على سبيل المثال نجد كتاب "الكوميدية الالهية" من تأليف المفكر الايطالي"دانتي اليغييري" وفي فرنسا نجد كتاب "المحاولات" وهي مجموعة من الرسائل في الفلسفة والأخلاق من تأليف "ميشيل دومونتين" (1533- 1592م)، ثم في اسبانيا نجد كتاب "دون كيشوت" من ابداع الاديب الاسباني ميغيل دي ثيربانتس سابيدرا، وأخيرا في انجلترا نجد المجموعة القصصية "الحكايات" للأديب الانجليزي " تشوسر جيفري" (1340ـ 1400م) دور المطبعة في تطوير المشهد الثقافي في اوروبا: في النصف الثاني من القرن 15م اخترع الألماني "يوحنا غوتنبورغ" وشريكه "جون فوست" تقنية المطبعة التي ساعدت في تطوير المشهد الثقافي، ففي المرحلة الاولى طبعت الكتب الدينية المكتوبة باللغة اللاتينية وفي المرحلة الثانية طبعت الكتب العلمية والفكرية باللغة القومية. وبفضل المطبعة اصبحت الكتب في متناول مجموعة من العينات الاجتماعية وتميزت بتوجه فكري جديد يدعو الى النقد وتجاوز التقاليد والكتابات السائدة والقوالب الدينية الجاهزة، وفي طليعة الافكار التي روجت لها المطبعة نذكر ما انتجه المثقفون الجدد في إطار الحركة الانسية امثال: ديدي اراسم وتوماس مور وفرونسوا رابلي. المثقفون الجدد: - ديدي ايرازم: رجل دين هولندي من رواد الحركة الانسية كانت له دراية باللغة اللاتينية والاغريقية من بين اعماله "المحاورات" في الاخلاق السياسية كما وجه انتقادات قوية للكنيسة الكاثوليكية. - توماس مور (1478ـ 1535م): رجل فكر ودين وقانون في نفس الوقت فكان بذلك علما من أعلام النهضة، كما كان مستشارا لملك انجلترا هنري الثامن في القضايا الدينية والسياسية للبلاد، وتشبع توماس مور بأفكار الفيلسوف الاغريقي افلاطون وترجم العديد من اعماله ومن اهم مؤلفاته "اليوتوبيا" الصادر باللغة اللاتينية والمترجم الى الانجليزية سنة 1551م. - فرانسوا رابلي: أبرز الادباء في تاريخ الادب الفرنسي دافع عن الحرية وهاجم الاستبداد الذي مارسته الكنيسة. 2ـ تحولات علمية: - برزت النظرية الكوبرنيكية حول دوران الارض التي حطمت فيما بعد كل المفاهيم التي يقوم عليها منظور الكنيسة للكون والوجود، ولم تشعر الكنيسة بخطورة نظرية كوبرنيك هذه الا بعد ان مات سنة 1543م وهي السنة نفسها التي طبع فيها كتابه الذي شرح فيه نظريته، فأدانت الكنيسة افكار "كوبرنيك" واعتبرتها خطيرة ومخالفة لتعاليم المسيحية. - ظهور المنهج التجريبي في العلوم والذي يقوم على اخضاعها للتجربة والتجريب. - تطور الطب وعلم التشريح 3ـ تحولات فنية: عمل الفانون الايطاليون على الابتعاد عن الفن الكلاسيكي السائد خلال العصر الوسيط، والذي كان يقتصر على خدمة اغراض الكنيسة، واستطاعوا ابتكار الفن الحديث الذي يتميز بروح علمانية متحررة تتخذ مادتها من مناظر الطبيعة والجسم البشري، ففي مجال البناء والعمارة نجد "فيليبو برونليسكي" معماري ومهندس ورسام ونحات وسينوغرافي إيطالي في عصر النهضة، نهج اسلوب جديد يرتكز على العمود والقوس وهو نموذج استقاه من الشكل الكلاسيكي القديم، وفي النحت نجد النحات "ميكائيل انجلو" الذي مزج بين الشكل الفردي للمدرسة الطبيعية للنحات "دوناتيلو" التقليدي والشكل المثالي الذي يميز الطابع الاغريقي القديم. أما في التصوير (الرسم) تعد مدرسة فلورا نسبيا ذات طابع ديني ومدرسة البندقية ذات طابع علماني. 4ـ تحولات تجارية: دوافع الكشوفات الجغرافية: - النمو الديموغرافي بأوروبا بين القرنين 12و13م - بروز بعض التقنيات واختراع السفن الشراعية (الكرافيلا) والبوصلة والخرائط. - الازمات التي عاشتها اوروبا (الطاعون الاسود ـ التمردات) - الرغبة في الاتصال بالشرق وتجاوز الوساطة العربية الاسلامية. أسس الاكتشافات الجغرافية: - دولة مركزية قوية (المدن الدويلات) - جيش قوي يعتمد على الاسلحة - سيطرة مطلقة على البحار. لمحة عن تاريخ الكشوفات الجغرافية: رغم السبق الايطالي في التعامل مع عوالم اخرى فان الكشوفات الجغرافية لم تكن من نصيبها، وذلك لكونها تشكو من الشتات السياسي إضافة الى العائق الجغرافي الذي يتمثل في انحباس ايطاليا داخل حوض البحر الابيض المتوسط، ويعد الدنماركيون والنرويجيون اول من قام بالكشوفات الجغرافية في القرن 10م، وقادت اسبانيا والبرتغال الكشوفات الجغرافية بواسطة الملاح الايطالي "كريستوف كلومبوس" الذي توجه الى اكتشاف الهند ولكنه اكتشف العالم الجديد (القارة الامريكية) بالغلط 1492م. المركانتيلية التجارية: - اعتبر رواد "مدرسة التجاريين" الذهب والفضة الثروة الحقيقية وهي اساس قوة الدولة ـ اختلفت خصائص المركانتيلية بين كل من اسبانيا وفرنسا. المركانتيلية والرأسمالية اية علاقة؟ فتحت الرحلات الاستكشافية آفاقا تجارية جديدة وأراضي رحبة امام البورجوازية ورساميليها. حيث اصبحت البرجوازية تتحكم في الطرق التجارية والتجارة العالمية والعوالم الجديدة خالقة بذلك قيمة جديدة داخل المجتمع الاوروبي ألا وهي النقود (العملة النقدية) وحركة بشرية واقتصادية كبيرة، وخلال هذه المرحلة هيمن الرأسمال التجاري على قطاع الصناعة وخاصة صناعة النسيج التي نشطت في الجهة الشمالية والغربية من القارة الاوروبية. والى جانب المنتوجات النسيجية ارتبطت التجارة العالمية بمادة التوابل وترد هذه المادة من المشرق باتجاه البرتغال بكميات هامة مع مطلع القرن 16م وتعرف هذه الظاهرة في التاريخ الاقتصادي بثورة التوابل. 5ـ تحولات سياسية واجتماعية: انتقل الوضع السياسي في بلدان اوروبا الغربية من الشتات الفيودالي الى توحيد المونارشي، مما مكن من قيام مشهد سياسي قوي يستند الى مؤسسة الجيش وجهاز الادارة ومجالس القضاء، وقد ارتبطت هذه المتغيرات السياسية بالمتغيرات الاقتصادية، ويمثل القرنان 14و15م فترة انتقالية حقيقية باتجاه الدولة القومية، وبدأت المونارشية المطلقة تحل محل المونارشية الفيودالية بشكل تدريجي كما بدأت تتداعى مواقع رجال الدين. اتخذ التطور السياسي مسارات متباينة بحسب البلدان ففي فرنسا مثلا برزت شخصيات تتحكم في الجيش والقضاء والاقتصاد ونذكر منهم "رشيليو ـ مزران ـ كولبيغ". هؤلاء الاشخاص مكنوا ملوك اوروبا من اخضاع المجال الفرنسي من الناحية الادارية والسياسية، كما قلصوا دور البرلمان وراقبوا البرجوازية. وبذلك اتسعت السلطة الملكية وحدت من نفوذ الاسياد التقليديين، بالعمل على تشجيع نظام البلديات وحماية الطبقة البرجوازية. ونتيجة للتطورات التي شهدها القرن 16م وما رافقها من مفاهيم سياسية جديدة الى تثبيت نظام المونارشية المطلقة، وأصبح للملوك سلطة مطلقة في تدبير الشؤون العامة. وعلى سبيل المثال أصبح فرونسوا الاول يتمتع بسلطة مطلقة تشمل كل مناحي الحياة العامة والسياسية والادارية والاقتصادية والدينية. وبذلك انتقل ملوك اوروبا من السيادة الى الاستبداد وأصبحوا يمارسون اضطهاد ديني وغيرها من اشكال الاضطهاد.
المحور الرابع: الإصلاح الديني
سياق الاصلاح الديني (البروتستانتية): 
عرف هذا السياق رفض الكنيسة للعلم والعلماء وحاربت التفكير وتقييم العقل، وفرضت الكتب المقدسة باللغة اللاتينية واحتكرت تفسير نصوصها، ومن مفاسد الكنيسة بيع صكوك الغفران وجمع الاموال، ووقع انشقاق في الكنيسة الكاثوليكية اذ أصبح بابا في روما وبابا في افينيوم في اوروبا الغربية، كما اصبح الباباوات الذين يسيرون شؤون الكنيسة لا يعلمون أمور الدين والتسيير كالبابا ليون العاشر. ونتيجة لهذه الاوضاع  انطلقت حركة الاحتجاج على الكنيسة والبابا والفساد الروحي  بشكل عام، وخاضت الحركات الاصلاحية منذ نهاية العصر الوسيط فردية منها أو جماعية مغامرة الدعوة الى التغيير الديني، امثال: الانجليزي "جون وكليف" والتشيكي "جون هوس" والالماني "مارتن لوثر" والفرنسي "جون كالفن".
1ـ جون هوس: (الإصلاح الأول)
كان الراهب التشيكي جون هوس (1369ـ 1415م) نموذجا لما اسماه الباحثين "بالإصلاح الديني الاول" اذ أقدم على التنديد بامتيازات الاكليروس (رجال الدين) وأبان عن جرأة فكرية في كتاباته، انتقد فيها الكنيسة وفي طليعتها كتاب "نداء الى البابا" وكتاب "قراءة كتب الدعاة لا احراقها" وانتقد الكنيسة عندما روجت لتجارة صكوك الغفران، وكان رد الكنيسة في حق جون هوس قاسيا عندما تمكنت من القبض عليه وحكمت عليه وأحرقته حيا في السادس من يوليوز 1415م بمدينة كونستانس الالمانية. 
2ـ مارتل لوثر: 1483-1546م
بدأ لوثر في شن حملة احتجاجية على ممارسات الكنيسة الرسمية وعلى البابا نفسه فإلى جانب موقفه من بيع صكوك الغفران دعي لوثر الى تجديد الكنيسة من خلال بناء معابد بسيطة خالية من الصور والتماثيل، وإقامة القداس باللغة الالمانية ، والسماح بزواج الرهبان، واستغل لوثر وجود امراء المان وبرجوازية حضارية في اتم الاستعداد لحمايته وحرر بيانا من 95 بند يندد من خلاله بفساد الكنيسة وتجارة صكوك الغفران، وطالب بالخروج عن النص المقدس، كما استغل لوثر الامكانيات الهائلة التي وفرتها المطبعة من أجل نشر دعوته، وبذلك تمكن لوثر من تفجير الوحدة الدينية في اوروبا الغربية ونشر البروتستانتية في مجموع التراب الالماني، في مرحلة اولى ثم في البلدان الإسكندنافية في مرحلة ثانية.
3ـ جون كالفن:
برز الاصلاح الكلفيني في جو سياسي كانت تغلب عليه سلطة المونارشية ومعاداتها للتجديد الديني، ولم يكن كلفن يرغب في بداية الامر الى خلق انشقاق الكنيسة الفرنسية على النحو الذي نلمسه في المانيا، وإنما كان يرغب في اصلاحها الامر الذي لم يرضي المونارشية، فكان رد فعل السلطة عنيفا، 
ـ خلافا لألمانيا وهولندا وانجلترا حيث سهرت الدولة على الاصلاح الديني، ظل ملوك فرنسا أوفياء للكاثوليكية واستخدموا كل اجهزة الدولة للحفاظ على عقيدتهم التقليدية، وأدت سياسة التشدد هذه تجاه الفكر البروتستانتي الى فرار كالفن وعدد من انصاره الى الخارج (ستراسبورغ ـ سوويسرا) ونشر كالفن افكاره فيها، إضافة الى هنغاريا وهولندا، انجلترا، واسكتلندا..  
4ـ الإصلاح الأنجليكاني:
ظهرت الانغليكانية في انجلترا نتيجة لقانون السيادة سنة 1534م والذي أعلن فيه الملك هنري الثامن استقلاله عن البابا ليصبح على راس الكنيسة في انجلترا رغم انه ظل كاثوليكيا، وفي سنة 1559م أسست الملكة اليزابيت الاولى نموذجا معتدلا من البروتستانتية سمي بالأنغليكانية. 
ـ شهدت البروتستانتية في انجلترا تطورا خاصا بالقياس الى التفاعلات السياسية والدينة التي عاشتها البلاد في القرن 16م
ـ في سنة 1571م تبنت الدولة مجموعة من القوانين التي تعرف بـ"التسعة وثلاثين بندا" دفعت باتجاه المذهب البروتستانتي القائم على اسباب التوفيق بين اللوثرية والكالفينية. 
ـ قام الاصلاح الانغليكاني على اساس التوفيق بيت اللوثرية والكالفينية، ففي الوقت الذي كانت فيه فرنسا تعيش تحت وطأة الحروب الدينية، استطاعت انجلترا احتواء الخلافات العقائدية بتبني هذه البنود: 
أ- الملك هو سيد الشؤون الدينية بانجلترا، وليس لأسقف روما اية سلطة على البلاد. 
ب- أصبح للأساقفة والرهبان الحق في الزواج.
ج- وجوب التحدث في الكنيسة باللغة التي يفهمها عموم الناس اي اللغة الانجليزية. 
خلقت هذه المتغيرات الدينية مسارا فكريا حقيقيا باتجاه الفردانية والعقلانية والعلمانية، ويتجلى هذا الامر في العناصر التالية:
أ- أن البروتستانتية بإسقاطها للرهبنة أضعفت السلطة الاجتماعية الوسائطية التي كانت تمارسها الكنيسة على الرعايا، ومن هنا اسهمت في بلورة حقوق الفرد التي تأكدت في ما بعد مع الثورات البورجوازية.
ب- أن اسقاط القداسة عن السلطة الدينية سهل عملية اسقاط القداسة عن السلطة السياسية، اذ بدأت هذه الاخيرة تأخذ طابعا دنيويا، مما ساعد في وقت لاحق على الدعوة الى الفصل بين الدين والدولة.
ج- أن البروتستانتية وما افرزته من افكار مختلفة عما كان سائدا في الاوساط الدينية التقليدية، فتحت للناس طريق تعدد الافكار والآراء.
تعاريف:
- الحداثة: انقلاب فكري حصل في أوروبا ورؤية جديدة قامت على أنقاض الأزمات التي شهدتها أوروبا في القرنين 14 و15م.
- الحركة الإنسية: حركة فكرية وثقافية ظهرت في عصر النهضة فتحت المجال أمام تجديد المعرفة وتكوين إنسان جديد يمجد العقل ويحب المعرفة.
- كوبيرنيك: مؤسس علم الفلك الجديد وصاحب نظرية مركزية الشمس ودوران الارض.
- جاك لوغوف: مؤرخ فرنسي وسيطي انتقد التحقيب الكلاسيكي
- الكشوفات الجغرافية: هي مجموع الرحلات التي قام بها الأوربيون إلى مناطق خارج أوربا وهوما ترتب عنه اكتشاف مناطق كانت مجهولة من قبل.
- الكارافيلا: سفينة طويلة متوازنة ومرتفعة ومتعددة الأشرعة.
- ايمانويل لوروا لادوري: أحد أشهر المؤرّخين الفرنسيين. كرّس الكثير من جهده لدراسة عالم الأرياف.
- جون دوليمو: مؤرخ فرنسي متخصص في تبلور الوعي الديني الأوروبي في عصر النهضة أساسا. عضو في الأكاديمية الفرنسية. من مؤلفّاته «تاريخ الجنةّ»
- فرانسيسكو بترارك: باحث وشاعر إيطالي. من أول الإنسيين الذين اهتموا بالثقافة الرومانية القديمة في عصر النهضة.

الجمعة، 17 يناير 2020

تاريخ المماليك

تاريخ المماليك
المحاور:
تقديم: أصل الممالك ومسألة التسمية 
- أصل تسمية الممالك
المحور الأول: نشأة الدولة المملوكية البحرية وأهم الأحداث السياسية التي عرفتها
المحور الثاني: إنتقال الحكم إلى الدولة المملوكية البرجية (الجركسية) 
المحور الثالث: جوانب من التاريخ الحضاري المملوكي 
ـ نظام الحكم
ـ الأسلوب الإداري 
ـ جوانب الحياة الاجتماعية
المراجع والمصادر:
- عبد الرحمان جبارتي: تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار الجزء الأول 
- طقوش محمد سهيل: تاريخ الممالك في مصر وبلاد الشام 
- عاشور سعيد عبد الفتاح: مصر والشام في عصر الأيوبيين والممالك.
العبادي أحمد المختار: قيام دولة الممالك الأولى في مصر والشام.
- هايد فيرناند: تاريخ التجارة في الشرق الأدنى في العصور الوسطى (ترجمة أحمد محمد رضى)
- (مقال) زيادة محمد مصطفى: نهاية السلاطين الممالك في مصر (مجلة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية العدد الرابع 1951)
عروض في المواضيع التالية:
دور المماليك في رد خطر الصليبي. 
دور المماليك في مواجهة خطر التتار والمغول.
مسألة الإستخلاف السياسي عند المماليك.
العلم، الفن والعمارة عند المماليك.
 تقديم: أصل المماليك
عصر المماليك في بلاد مصر والشام: 
الفترة ما بين 1517/ 1250م.
المماليك جغرافيا: 
بلاد مصر الى بلاد الشام في الشمال والشرق الى بلاد الحجاز واليمن في الجنوب والجنوب الغربي.
المماليك زمنيا: 
امتدت دولة المماليك لقرنين ونصف من الزمن على مرحلتين مفصليتين:
المرحلة الاولى: غزو الماغول لبغداد مركز الخلافة العباسية سنة 1258م    
المرحلة الثانية: ظهور الدولة العثمانية في العالم العربي سنة  1517م  
أصل المماليك:
أ- التسمية: 

تشير الى العبيد البيض الذين كانوا فرسانا ومحاربون يؤسرون في الحروب أو أطفالا صغارا يخطفون في غارات لصوصية أو كسبايا حروب، ويتم جلبهم الى الدولة الأيوبية وقبلها الدولة العباسية ويتم تعليمهم على تعاليم الاسلام وتدريبهم في مدارس عسكرية خاصة ليتخرجوا منها قادة وفرسان وجنود مؤهلين.
ب- تربية المماليك: 
يقول لمقريزي: "إن أول المراحل في حياة المملوك هي تعلم اللغة العربية كتابة وقراءة، ثم بعد ذلك يدفع الى من يعلمه القرآن الكريم، ثم يبدأ في تعلم مبادئ الفقه الإسلامي، ولآداب الريعة الاسلامية. ويتم الاهتمام جدا بتدريبه على الصلاة  والأذكار النبوية، ويراقب المملوك  مراقبة شديدة من مؤذبيه ومعلميه".
ثم إذا وصل المملوك الى سن البلوغ، تعلم الفروسية وكل أنواع فنون حرب، كما يتدرب المملوك على أمور القيادة والإدارة ووضع الخطط الحربية والتصرف في الأمور الصعبة. إذا أظهر نبوغا عسكريا ودينيا، فإنه يرقى في المناصب، من رتبة الى رتبة، فيصبح قائدا لغييره من المماليك، ثم إذا نبغ أكثر، منحت له بعض الاقطاعات في الدولة فيمتلكها، وقد يصل الى درجة أمير.
ج- انتساب المماليك:
ينتسب المماليك الى السيد الذي افتداهم بماله ف:
ـ المماليك الصالحية أو البحرية: نسبة الى الملك الصالح أيوب وكانوا يشتهرون بالمماليك البحرية (لانهم يسكنون بجوار البحر) حيث كان النيل يعرف بالبحر. 
ـ المماليك الكاملية: نسبة الى الملك الكامل 
د- مميزات المماليك: 

حُسن الطلعة وجمال الشكل والقوة والشجاعة.
المحور الأول: نشأة الدولة المملوكية وأهم الأحداث السياسية
دولة المماليك البحرية (الدولة الاولى 1250 م/ 1381م) 
الظروف العامة لنشاة الدولة المملوكية الاولى:
ظهرت اول دولة مملوكية في بلاد مصر نتيجة للفوضى وصراع الأمراء الأيوبيين على السلطة، وتدخل المماليك في النزاع القائم بين الأمراء والسلاطين الأيوبيين تبعا لمصالحهم الشخصية ودبروا المؤامرات لعزل الامراء، وقد تأسست هذه المجموعة على يد السلطان الصالح نجم الدين أيوب بعد ان أحس بخطورة المؤامرات على سلطنته، ومعظمهم من الأتراك من بلاد القفجاق وبلاد القوقاز قرب قزوين. كما ساهم انتصارهم على الصليبيين في مدينتي المنصورة وفارسكورد الى تقوية نفوذهم واحساسهم بالتفوق في مصر وفي الوقت الذي وصل فيه ابن السلطان الصالح نجم الدين أيوب المسمى توران شاه الى الحكم أحس بخطورة المماليك على حكمه وقام بإبعادهم وتخلص من كل منافسيه، كما ساءت علاقته بزوجة ابيه شجرة الدر، فطالبها باستيراد أموال أبيه الصالح، مما دفع شجرة الدر الى الاتفاق مع المماليك للتخلص منه وقتل على يد بيبرس البندقداري احد المماليك البحرية وبموت هذا الامير انتهى عهد الدولة الأيوبية في مصر.
1ـ شجرة الدر "أول من ملك مصر من ملوك المماليك" (المقريزي)

اجتمع رأي المماليك على تولية شجرة الدر السلطة،  نظرا للدور القيادي الهام الذي قامت به في الحملة الصليبية السابعة على مصر من طرف الفرنسيين، ولإضفاء الشرعية على حكمها، كانت تصك النقود باسمها والخطباء يدعون لها باسم المستعصمية الصالحية. لكنها لم تسطع الصمود في السلطة اكثر من 80 يوما بسبب رفض أمراء الشام الايوبيين الاعتراف بسلطانها وامتنعوا عن الخضوع للمماليك وأقروا بأنهم اصحاب الحق الشرعي في حكم مصر، وأدت ثورة الامراء الايوبيين في الشام  ضد المماليك الى إدراك المماليك لصعوبة الوضع عليهم وتخوفوا من زوال سلطتهم في مصر فاقترحوا زواج شجرة الدر من الأمير عز الدين اتابك وأن تترك له السلطة.
2- المعز أيبك:
(أيبك: مصطلح يطلق على القائد العام للجيش في الدولة المملوكية)
تولى سلطة الحكم سنة 1250م في ظل تواصل رفض أمراء الشام اغتصاب سلطتهم في مصر، وجرت معركة مهمة بين الطرفين قرب مدينة العباسية الشرقية انهزم فيها الايوبيين، وتميز عصر ايبك بظهور المغول في الشرق واصبح يشكل خطرا على الأيوبيين والمماليك معا مما دفعهما الى توحيد القوى لمواجهته وتم الصلح بين الطرفين سنة 1253م بمبادرة من الخليفة العباسي المعتصم بالله على أساس أن يكون للمماليك أراضي  مصر حتى نهر الاردن اما الأيوبيين فلهم ما وراء ذلك من بلاد الشام.
بروز المماليك البحرية: 
برز المماليك البحرية بشكل قوي بعد معركة المنصورة والعباسية وزاد طموحهم السياسي والعسكري وشكلوا بذلك تهديدا لحكم عز الدين ايبك اضطره معه الى استعمال القوة وقتل اميرهم ، كما واجهته مشكلة زوجته شجرة الدر التي شعرت بالندم على تنازلها عن العرش لصالحه، فحاولت التخلص من ايبك فأرسلت الى الناصر يوسف الايوبي) أمير في الشام ( تخبره عن عزمها التخلص من زوجها والزواج منه ليصبح سلطانا على مصر والشام ، لكن الناصر يوسف امتنع عن عرضها، لكن ذلك لم يمنعها من تنفيذ خطتها للقضاء على ايبك وحرضت الخدم على قتله خاصة بعد ان علمت عزمه الزواج من ابنة بدر الدين  لؤلؤ صاحب الموصل، وقد تم لها تحقيق ذلك وتخلصت من ايبك، الا ان مماليكه لم يسكتوا وانتقموا لسلطانهم وقتلوا شجرة الدر عام 1257م واصبحت بذلك مصر بدون سلطان  يحكمها. 
3- علي بن أيبك:

ادت وفاة ايبك وشجرة الدر الى احداث فراغ سياسي في الدولة المملوكية، الى ان توصل المماليك الى اختيار علي بن ايبك عام 655 هـ 1257م وتلقب بالمنصور وعمره لا يتجاوز 15 سنة، واختير سيف الدين قطز اتابكا له.
استيلاء المغول على عاصمة الخلافة العباسية
غزى المغول العراق سنة 656هـ/1258م وقتلوا الخليفة العباسي المستعصم بالله ومارسوا القتل والسلب وكل اشكال التدمير الحضاري ونتيجة لهذا الحدث البارز تطلع المغول الى الزحف شمالا وغربا على ابواب الشام، وحاول الناصر يوسف (ملك ايوبي في الشام) التحالف مع هولاكو قصد نزع بلاد مصر من يد المماليك،  فكان لابد من سلطان قوي يقود دولة المماليك في ظل التحديات الصعبة التي تواجهها فاستغل قطز هذا الوضع وعزل الملك علي بن ايبك عام 1269م بحجة صغر سنه وعجزه عن قيادة المماليك في ظل الاخطار التي تحدق بها.
4- فترة حكم قطز
عرفت فترة سيف الدين قطز من تاريخ المماليك احداث عديدة تميزت بمواجهات عسكرية بين المماليك والمغول الذين توغلوا في بلاد الشام واحتلوا بكر ثم مدينة حلب ومن تم مدينة دمشق الى غيرها من مدن الشام،  فمارسوا كل انواع النهب والقتل والسبي، كما قام هولاكو بإرسال خطاب يهدد فيه سيف الدين قطز ويطلب منه الاستسلام لكن قطز رفض ورد عليه بقتل رسله وتعليق رؤوسهم بباب زويلد بالقاهرة، ثم أرسل قائد جيشه بيبرس الى غزة فدخلها وهرب المغول منها وزحفوا الى الساحل  نحو طبرية، واستغل سيف الدين قطز مغادرة هولاكو نحو اسيا الصغرى، وتحرك والتقى المغول قرب بيسان في فلسطين حيث دارت احدى اشهر معارك تاريخ الاسلام (عين جالوت) سنة 658هـ/ 1260م التي انتهت بانتصار المماليك على المغول  بقيادة قطز، وكان لنتائج هذه المعركة ان انقدت  مصر من والعالم الاسلام من المغول وجعلتهم يقفون عند حدود العراق، وتميزت فترة حكم قطز بضم بلاد الشام الى دولة المماليك ودان له بالولاء الامراء هناك.
5- فترة حكم الظاهر بيبرس
ظروف وصول الظاهر بيبرس الى الحكم: 
تمكن القائد بيبرس من القضاء على قطز بعد ايام من معركة عين جالوت بعد ان رفض هذا الاخير تسليم بيبرس مدينة حلب كما سبق ان وعده بذلك تقديرا لجهوده ضد المغول، وبويع الظاهر بيبرس من قبل الامراء وعلى رأسهم الامير فارس الدين اقطاي قرب مدينة الصالحية اثناء عودة الجيش المملوكي الى القاهرة.
واتجه بيبرس الى القاهرة واطلق على نفسه لقب الظاهر وفي اولى قراراته قام بتخفيف الضرائب على شعبه وأعلن العفو عن السجناء وارسل الى الامصار للاعتراف بسلطته، ورغم سيطرته على الاوضاع فقد واجهته ثورة الامير عز الدين سنجر الحلبي (والي دمشق زمن السلطان قطز) لكن بيبرس بعث بحملة عسكرية نجحت في القضاء على ثورة سنجر، وضم دمشق من جديد الى دولة المماليك سنة 659هـ/1261م، كما قام بيبرس بإخماد ثورة الكوراني الذي كان يهدف الى احياء الخلافة الفاطمية في مصر.
احياء الظاهر بيبرس للخلافة العباسية: 

ارسل بيبرس في طلب ابو القاسم احمد بن الظاهر بامر الله وهو أحد أمراء البيت العباسي، ووصل الى القاهرة 659هـ / 1261م وتم عقد اجتماع على شرفه حضره العلماء والقضاة والأمراء الكبار، ثم قام السلطان بيبرس بمبايعة الأمير العباسي أمام الجميع باعتباره خليفة السلطة الشرعية في العالم الاسلامي ولُقب بالمستنصر بالله على أن يفوض للظاهر بيبرس مقاليد سلطة حكم الدولة المملوكية، وبذلك نجح الظاهر في تأكيد شرعية حكمه أمام المماليك البحرية أولا والشعب المصري ثانيا. وبعد أن تمكن بيبرس من مراده واكتسب الصفة الشرعية أقدم على تدبير مكيدة للخليفة العباسي أدت بمقتله بعد ان أحس بأن الخليفة العباسي ينافسه على السلطة، ولإضفاء شرعية جديدة على حكمه قام باستقدام أميرا عباسيا آخر يدعى احمد بن الحسن وبايعه على أن يفوض له إدارة الشؤون العامة للدولة المملوكية.
الظاهر بيبرس وعلاقته بالصلبيين
تحولت علاقة المماليك والصليبيين في عهد الظاهر بيبرس من مهادنة الى عنف نتيجة تعاون الصليبيين مع مغول فارس ضد السلطة المملوكية مستغلين وضعهم الجغرافي الذي أتاح لهم معرفة تحركات الجيش المملوكي في مصر والشام وابلاغ المغول بها، اغضب هذا التصرف الظاهر بيبرس ودفعه الى اعلان الحرب على الصليبيين سنة 1268م والاستلاء على عدة مناطق وتحطيم معنويات الصليبيين وطالبوا بهدنة، شأنهم شأن الملكة ايزلبيلا حاكمة بيروت التي طالبت بهدنة لمدة 10 سنوات بدء من سنة 1268م، وفي سنة 1270م استولى الظاهر بيبرس على مدينة طرابلس أهم إمارة صليبية قبل ان يجبر على الخروج منها والعودة الى مصر بعد حملة لويس التاسع ملك فرنسا التي هددت مصرمعقل المماليك، وقد عرفت مدينة طرابلس فيما بعد هجمات متعددة من  بيبرس  نظرا لأهميتها من الناحية الاستراتيجية.
بيبرس ومملكة النوبة المسيحية في النيل: 
كانت هذه المملكة خاضعة لمصر الا انها بدأت تهاجم المماليك على الاراضي المصرية مستغلة انشغال بيبرس في حروبه على المغول والصليبيين، وفي سنة 1273م أرسل بيبرس حملتين الى بلاد النوبة نجحتا في دحر وأسر ملكها داوود وأسره وفرض الجزية عليه، وبذلك استطاع المماليك بسط سيطرتهم في البحر الأحمر.
الظاهر بيبرس والمغول:

استمر الصراع على النفوذ بين بيبرس ومغول فارس منذ موقعة عين جالوت، ورغم هزيمة المغول في هذه المعركة فان تحالفهم مع الصليبيين بات يهدد استقرار دولة المماليك من جديد، ما دفع الظاهر بيبرس الى التحالف مع مغول القفجاق في شخص قائدها بركة خان الذي دخل الاسلام، ورغم وفاة هولاكو سنة 1265م لم يمنع هذا مغول فارس بقيادة الخان الجديد ابغا من الاستمرار في سياستهم التوسعية على حساب المماليك ومحاولة الاستيلاء على القدس بمساعدة الصليبيين، لكن الخان الجديد انهزم واضطر لعقد الصلح والخضوع لبيبرس. وفي سنة 1272م لاحق بيبرس المغول عبر الفرات وانتصر عليهم وقتل حاكم بلاد اسيا الصغرى في الشمال، ثم دخل قيصرية عاصمة سلاجقة الروم وجلس على عرشها.
نظام البريد في عهد بيبرس: 
عرفت مرحلة بيبرس نظاما بريديا متكاملا سمح له بالاطلاع على احوال مملكته الممتدة من الفرات الى النوبة ،وعرف هذا النظام بدرجة عالية من الفاعلية حيث كانت الرسالة تصل من القاهرة الى دمشق في ظرف ثلاثة أيام فقط.
القوة العسكرية لبيبرس:
أنشا بيبرس دور(جمع دار) لصناعة السفن في الفسفاط وجزيرة الروضة في نيل القاهرة وفي الاسكندرية ودمياط ، وتمكن من توفير اسطول قوي لضمان النجاح لعملياته العسكرية البرية من ناحية ، ولحماية شواطئ  البلاد من غارات الصليبيين المحتملة، وقد حرص  بيبرس على الاكثار من شراء المماليك من بني جنسه القفجاق وذلك لتعزيز جيشه حتى بلغ 40 الف فارس وهو عدد ضخم بمقاييس ذلك الزمن، الشيء الذي ساعده في تحقيق تلك الانتصارات كما تم تفصيله.
 المحور الثاني: انتقال الحكم الى الدولة المملوكية البرجية (الجركسية):
دولة المماليك البرجية: (1382م/1517م)
1ـ ظهور المماليك الجراكسة وظروف وصولهم الى السلطة:

ينتمي المماليك البرجية الى العنصر الجركسي من المنطقة الواقعة شمال أرمينية بين البحر الاسود وبحر الخزر وتعرف اليوم بدولة جورجيا في منطقة القوقاز. وقام السلطان المنصور سيف الذين قلاوون (1279 م/ 1293م) بالإكثار من شرائهم والاعتماد عليهم وأسكنهم في أبراج القلعة في القاهرة، ولذا عرفوا بالبرجية. وسار الأشرف خليل بن قلاوون على نهج أبيه في الاستكثار من الجراكسة وألزمهم بالنظام والطاعة فكان يسمح لهم بالنزول من القلعة نهارا قصد الإختلاط بالمصريين وحياتهم والطوائف الاخرى من المماليك، ويلزمهم بالمبيت في القلعة، وسار اعتماد السلاطين من ذرية قلاوون على جلب الجراكسة وخاصة محمد الناصر الذي جعل عدد كبير منهم يرتقي الى درجة أمير، وهذا ما زاد من نفوذهم وطمعهم في السلطة، وحين فشل في صد أطماعهم تنازل عن العرش وفر الى حصن الكرك، وعلى إثر ذلك اعتلى بيبرس الجاشنكير عرش السلطنة ليكون أول سلاطين الدولة المملوكية الجركسية، التي استمرت في حكم البلاد 134 عاما توالى فيها على عرش البلاد 25 سلطانا في ظروف اتسمت باهتزاز مكانة السلطان وأصبحت بيد الأمراء الذين يولون السلاطين ويعزلونهم أو يقتلونهم في أغلب الأحوال.
2- فساد النظام السياسي في عهد الجراكسة: 
تجلى هذا الفساد في مبدأ (الحكم لمن غلب) مما أدى الى ضعف الأسس التي قام عليها النظام السياسي الملوكي واستعاضة السلاطين والأمراء عن المماليك الأطفال الذين كانوا يخضعون لنظام صارم من التربية والتدريب بمماليك من الشباب اليافع (الجلبان او الاجلاب) وكان لهذا التطور ان أضعف الرابطة الاستاذية التي كانت تربط المماليك وسيدهم، كما تخلخلت أواصر الخشداشية، أي الزمالة التي تجمع بين المماليك في طائفة بعينها من طوائف المماليك، وقد أدى هذا التغيير في تربية المماليك الى الكثير من حوادث الشغب والاضطراب وحروب الشوارع التي كانت طرقات القاهرة وأزقتها مسرحا لها وقلت فرص السيطرة على حركتهم، ونتج عن هذه الاوضاع تدهورا سياسيا وأمنيا.
3 ـ سلاطين الدولة المملوكية البرجية وخطر المغول:
واصل المغول تهديداتهم للدولة المملوكية في عهد الدولة البرجية  بقيادة  قائدهم تيمور لنك الذي انطلق من مدينة سمرقند وجعلها قاعدة لعماليته العسكرية، وسيطر على بلاد ما وراء النهر وخرسان وطبرستان الى مدينة تبرير في ايران سنة 1368م ثم استولى على بغداد سنة 1394م واقترب كثيرا من حدود الدولة المملوكية، وارسل تيمور لنك رسالة يهدد فيها سلطان المماليك برقوق الذي بادر بقتل الرسل واستعد للقتال (حدى حدو قطز) وتمكن برقوق من طرد المغول من بغداد وأعلن بذلك حاكم بغداد تبعيته لسلطان مصر، لاكن تيمور لنك استعاد بغداد مرة اخرى سنة 1399م عقب وفاة السلطان برقوق واستمر الصراع مع المغول في عهد ابنه الناصر فرج الذي كان في العاشرة من عمره، وهزمه المغول في معركتين كبيرتين في حلب ودمشق سنة 1400م واستمر هذا الوضع الى ان توفي تيمور لنك في سمرقند سنة 1405م. 
4ـ سلاطين الدولة المملوكية البرجية (الجراكسة) والصليبيون:
عرفت مرحلة السلطان الأشرف بربساي (1422/1438م) أهم حدث على هذا المستوى، حيث ان طول مدة حكم هذا السلطان مكنته من القيام بمشروع عسكري كبير، وهو غزو جزيرة قبرص بعد ان كانت قاعدة عسكرية بحرية للصليبيين ضد المسلمين حين قام ملكهم لوزحنان من الاستيلاء مركبين من مراكب المسلمين، وعلى الفور شن الاسطول المصري ثلاث حملات 1424ـ 1425ـ 1426م على التوالي مكنت بربساي من اخضاع قبرص، أسر ملكهم وتخلص نهائيا من المتاعب التي كان يسببها بقايا الصليبيين في هذه الجزيرة. وقد حقق هذا الانتصار نجاحا سياسيا للسلطان برسباي على المستوى الخارجي يعوضه عن الفشل السياسي في الداخل حيث كانت أحوال البلاد والعباد في تدهور مستمر بسبب كثرة الضرائب وانتشار الأوبئة والمجاعات. 

وفي عهد السلطان الظاهر جقمق (1438 ـ 1453م) تم غزو جزيرة رودس التي كانت مركزا هاما للصليبيين بعد ان طردوا من فلسطين، الى ان تعهد الاسبتارية بعدم العدوان على السفن التجارية الاسلامية العاملة في البحر المتوسط.
5ـ انحطاط الدولة المملوكية ونهايتها على يد العثمانيين:
عرفت المراحل الأخيرة من عصر الدولة المملوكية تعاقب عدد من السلاطين على عرش البلاد، مما يعكس تدهور واضطراب البلاد في شتى المجالات، وانتهت حياة معظم السلاطين بالقتل او السجن، وبات كرسي السلطنة خطرا يتهرب منه الجميع وأدل على ذلك ان قونصوه الغوري (اقوى أمراء زمانه) رفض العرش حين عرضه الامراء عليه سنة 1501م (سحبوه واجلسوه وهو يمتنع من ذلك ويبكي وحين ألحوا عليه اشترط عليهم الا يقتلوه، وان يصرفوه بالمعروف ان ارادوا عزله "ابن ياسين بدائع الزهور")، وعلى الرغم من قوة وصلابة شخصية قونصوه الغوري وطول مدة حكمه فإن ذلك لم يمنع دولة السلاطين ان تمضي الى مصيرها المحتوم في ظل التدهور الداخلي والأخطار الخارجية، التي تمثلت في البرتغاليون الذي اكتشفوا طريق رأس الرجاء الصالح سنة 1497م، وشكلوا خطرا على البحر الاحمر وتوسعوا في الهند سنة 1500م مما قلل من الدور العالمي للتجار المسلمين ودولة المماليك التي كانت تستفيد كثيرا من تجارة العبور عبر مصر، وكان إقدام قنصوه الغوري على إرسال أسطول بحري لمساعدة قوات مسلمي الهند لصد البرتغاليين وانهزامهم في معركة ديو البحرية أثر كبير في انهيار قوة المماليك، وبدأ التغلغل الأوروبي يصل مداه حين هاجم البرتغاليون عند مدخل البحر الاحمر سنة 1513م.
وفي الشمال بدأ العثمانيون في الظهور على مسرح الأحداث في المنطقة منذ النصف الاول من القرن 14م، بعد ان أخرجتهم غزوات تيمور لنك من خرسان الى آسيا الصغرى، وانشئوا بها دولتهم واتخذوا مدينة بروسة عاصمة لهم، وتمكنت الدولة العثمانية من بسط سيطرتها على آسيا الصغرى بأكملها والاستيلاء على القسطنطينية سنة 1453م لكي تضع بذلك نهاية لتاريخ الامبراطورية البيزنطية، وبذلك اقتربت حدود الدولة العثمانية من حدود الدولة المملوكية مما أوجد نقطة احتكاك بين الطرفين، لكن ذلك لم يمنع تحالفهما ضد الخطر البرتغالي وصد غارات تيمور لنك على حدود الدولتين وصد غارات الصليبيين ومشاريع أوروبا لإحياء الحركة الصليبية. من ناحية أخرى، بدأ تنافس بين الدولتين بسبب حدودهما المشتركة.

 المحور الثالث: جوانب من التاريخ الحضاري المملوكي
المماليك

المغرب في القرن 19

المغرب في القرن 19

المحور الأول: التدخل الأوروبي خلال القرن 19م الأشكال والوسائل:
تميزت وضعية المغرب خلال القرن 19م بما يلي:
على المستوى الداخلي:
عمل المولى سليمان (1790-1822) على اتخاذ مجموعة من التدابير الإصلاحية سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي او المالي. هذه الإصلاحات مست مصالح مجموعة من القوى، خاصة شيوخ الزوايا، هذه القوى عارضت محاربة السلطان لزيارة القبور وما يرتبط بها. وعلى مستوى الضرائب سيلقى هذا الإصلاح معارضة من شيوخ القبائل كعبدة ودكالة وأيت امالو، ستدفع السلطان للقيام بحملات تأديبية لإخضاع هذه القبائل، إلا أن هذه الحملات لم تعرف النجاح بشكل كامل حيث سيتعرض السلطان للهزيمة بل وصل به الأمر إلى أسره في إحدى المعارك خاصة من طرف قبيلة أيت أمالو، وبعد 3 أيام من الاعتقال سيتم إطلاق سراحه (انظر كتاب الجيش العرموم الخماسي في دولة أولاد مولانا أحمد السجلماسي لمحمد بن احمد الكنسوسي). أمام هذا الوضع سيضطر السلطان الى التنازل عن الحكم لابن أخيه عبد الرحمان بن هشام.
على المستوى الخارجي:
في بداية القرن 19م لم يكن المغرب يحظى باهتمام كبير لدى الأوروبيين لانشغالهم بالحروب النابليونية إلى حدود 1815م. كانت العلاقات المغربية الأوروبية تتجنب أسباب الصدام مع القوى الصاعدة، لكن مع بداية 1815م سيحدث تقارب مع فرنسا، فمن جهة كانت فرنسا تعمل على استعادة مصالحها التجارية بالمغرب ومن جهة أخرى كان السلطان في حاجة للدعم الأوروبي من أجل مواجهة التمردات الداخلية. وللاطمئنان والتعبير عن حسن النية لدى الأوروبيين قام المولى سليمان بوقف عمليات الجهاد البحري وتفكيك الاسطول وتعطيله سنة 1817م كما سمح بتصدير الحبوب. كان يهدف السلطان من هذه الإجراءات تفادي الصدام مع القوى الأوروبية وفتح باب المغرب أمام التجارة بعد سياسة الاحتراز التي نهجها. استمر الوضع كما كان عليه مع بداية حكم عبد الرحمان بن هشام (1822-1859).
في بداية هذه المرحلة كانت العلاقات المغربية مع أوروبا لا تشكل خطرا على السيادة المغربية فاقتصرت على المجال التجاري، لكن الامر سيتغير بعد سنة 1830 حيث سيشكل احتلال الجزائر بداية تعرض المغرب بشكل مباشر للتدخل الاوروبي خاصة الفرنسي وبعده الاسباني.
1. الضغوط العسكرية: معركة إسلي ومعاهدة للا مغنية. بعد السيطرة الفرنسية على الجزائر، انطلقت المقاومة الجزائرية ومن أبرزها مقاومة الأمير عبد القدر الجزائري، هذا الأخير وبحكم الجوار والأخوة لقي الدعم من المغاربة سلطة وشعبا مما سيشكل خطرا على فرنسا ليس كمستعمر فقط بل كمستوطن، لذلك ستعمل على استغلال أي فرصة لقطع هذه العلاقة بين المقاومة الجزائرية والمغاربة بل وتوسيع نفوذها على حساب المغرب. استغلت فرنسا المناوشات التي حدثت بين القبائل المجاورة لمنطقة للا مغنية والقوى الفرنسية التي دخلت المنطقة لتشن حربا على المغرب عرفت بمعركة إيسلي. انهزم فيها المغرب بشكل سريع لاعتبارات عدة منها: - غياب الاستعداد الكافي للحرب. - غياب تنظيم محكم. - اعتماد المغاربة على جيش غير نظامي مقابل قوة عسكرية فرنسية نظامية تتوفر على أسلحة حديثة رغم قلة عددها (3000 جندي فرنسي مقابل 4000 جندي مغربي). أمام هزيمة المغرب في هذه المعركة، اضطر السلطان عبد الرحمان إلى توقيع معاهدة صلح تضمنت 8 شروطا مجحفة بالإضافة الى ديباجة نشير إلى أهمها: الشرط الأول: "... فعساكر سلطان مراكش المجتمعين لغير عادة في الحدود او قريب منها يؤمر بالتفريق في الحين ويأمر الان ان يقطع اجتماع في ذلك النواحي ولا يبقى منهى أكثر من عدد ألفين من الرجال يلزموا في تقدير الصلح وحفظ المحادي، وإذا كان يلزم لسلطان مراكش المغرب زيادة عدد الجيش بذلك النواحي فيعرف به سلطان فرنسا حتى يتفق امرهم على ذلك فيفعل ..." اتحاف اعلام الناس لابن زيدان الجزء الخامس- ص: 191 مكتبة الثقافة. الشرط الثاني: "... وان يأمر سلطان المغرب بالمعاقبة لقواده الذين حاربونا أو تركوا من يحاربنا في إيالتنا في وقت الصلح، وتعدوا على جيش الفرنسيس... " إتحاف اعلام الناس. يتضح من خلال الشرطين أن المغرب أصبح ملزما بحماية حدوده مع الجزائر المحتلة بل أنه يتحمل مسؤولية أي هجوم أو اعتداء على القوات الفرنسية على الحدود وقطع الامداد والدعم عن المقاومة الجزائرية كما سيوضع في الشروط الموالية وخاصة الشرط الرابع.
الشرط الثالث: هو أن: " سلطان مراكش يضمن ان لا يأمر بإعانة أحد من رعيتنا الذي يقوم عليها، وكذلك لا يعين أحدا ممن هو من أعدائنا سلاحا ولا شيئا من آلات الحرب." نلاحظ أن هذا الشرط وضع وفصل ضرورة امتناع المغرب عن دعم المقاومة الجزائرية بأي شكل من الاشكال بل أن الشرط منعه من احتضان هذه المقاومة. الشرط الرابع: في هذا الشرط تحدد فرنسا المعني بالشرط الثالث. والذي ستعتبره خارجا عن الشرعية: " فالحاج عبد القادر بن محيي الدين هو خارج من حكم الشريعة في إيالة المغرب وإيالة الجزائر، فعلى ذلك يضربون عليه في بلاده وكذلك إذا هو في سلطان إيالة مراكش، فرعيته يضربون عليه بالبارود حتى يطردونه ويخرجونه من بلادهم". يتضح جليا ان فرنسا تضمنت هذا الشرط، ما يمنع المغرب من دعم الأمير عبد القادر من طرف المغرب أو يجعل المغرب في مواجهة القوات الفرنسية، وبما أن المغرب آنذاك غير قادر على ذلك فسيخضع لشروط هذه الاتفاقية وسيعمل على تنفيذ هذا البند إذ سيصبح المغرب محاربا للأمير عبد القادر في الوقت الذي كان يأويه ويسانده. وقد تضمن هذا الشرط كذلك مصير الأمير عبد القادر في حالة الأسر وقد جاء فيه: "وإذا تقبض عليه واحد من الجانبين، فإذا كان من تحت يد الفرنسيس فتضمن سلطان فرنسا بأن يتكلم عليه ولا يضره وإذا كان تحت يدي جيش سلطان المغرب فيأمر بإرساله الى مدينة من مدائن السواحل من نواحي المغرب حتى يصير بين الدولتين الاتفاق في شأنه لكيلا يتجدد من جهة الحرب مرة أخرى معنا وكدلك لئلا يقطع الصلح بين مع المهادنة بين الدولتين" وتركز فرنسا على مصير عبد القادر في حالة أسره حتى لا يعود إلى الحرب مرة أخرى وحتى تنتهي المقاومة. الشرط الخامس: وهو شرط تضمن طريقة تدبير الحدود فقط ونص أولا على: " أما الحدود التي بين المغرب وإيالة الجزائر فيبقوا مثلما كانوا معلومين ومعروفين بين المغرب في عهد توليه أرض الجزائر" (أي الحدود التي كانت بين المغرب وإيالة الجزائر لما كانت تحت النفوذ العثماني وهو واد تافنا.) "على أن يجري الأمر في هذا الشرط وسيسموا أمر الجانبين نوابا" أي يعين الطرفين نوابا عنهم لتحديد الحدود." ويأمرونهم بالمسير إلى هذه الحدود ويحصرونهم هناك ويتفاصلوا بينهم في ذلك ويجعلوا شرطا مخصوصا على هذه الحدود ولازم سلطان المغرب أن يرضى في هذا ويخبر لسلطان فرنسيس بما فعل في هذه النازلة..." إذا كان هذا الشرط قد أبقى الحدود على ما كانت عليه فقد تضمن في نفس الوقت إجراءات رسم الحدود والتي يتضح من خلالها أن فرنسا ستعمل على ترسيم حدود تخدم مصالحها، خاصة وأن هذا الشرط يحدد ممثلين عن فرنسا والمغرب ويمنحهما الصلاحيات في رسم الحدود التي ستصبح ملزمة للطرفين، وهنا نشير إلى أن فرنسا ستعمل على استمالة الممثل المغربي بتقديم رشاوي له وذلك تطبيقا لما ألح عليه كل من الديبلوماسي الفرنسي ليون روشي والقنصل العام الفرنسي بـ طنجة دوشاستير حيث وجه هذا الأخير بلاغا إلى حكومته ورد فيه: " إن التعامل مع المسلمين لا يجب أن يكون مثل التعامل مع البلدان المسيحية ... فلكي يتحقق النفوذ الفرنسي في هذه البلاد هناك وسيلتان: الحرب أو السياسة. وبما أن الحكومة تتجنب الحرب مع المغرب فلم يبقى إلا الحل السياسي الذي يعمد على استمالة رجالات المخزن واستقطابهم" وبتطبيق هذه السياسة استطاع المفاوضون الفرنسيون استمالة الممثل المغربي حميدة بن علي الشجعي عامل وجدة والكاتب أحمد الأخضر اللذان كلفا من طرف السلطان المولى عبد الرحمان بن هشام بتحديد الحدود وتحقيق اتفاقية للا مغنية.
الشرط السادس: يهم هذا الشرط تفصيل عملية المفاوضين والإجراءات والهدف من تطبيق الشرط الخامس، وقد جاء فيه ما يلي: " وفي الحين الذي يصنعون النواب المكلفين بأوامر سلطانهم طوابعهم على هذه القوانين فتقطع العداوة بين الدولتين ولا يبقى بينهما قتال ". أي أن تحقيق البند السادس الذي هو إيقاف الحرب رهين بالتوقيع والمصادقة على الشرط الخامس الذي يتضمن ترسيم الحدود بين الطرفين ويضيف الشرط السادس الإجراءات التي على الطرفين القيام بها بعد تنفيذ الشرط الخامس. " وكذلك في الوقت الذي يجري فيه سلطان مراكش أمرا بالوفاء ونعاين الوئام ويرضى سلطان الفرنسيس، في ذلك الحين يخرجون من جزيرة الصويرة وكذلك من وجدة ويردون الاسارى الذين بين الدولتين " أي أن اتفاق الصلح لا يصبح تاما وملزما إلا بتطبيق البند الخامس في تحديد الحدود واعتراف سلطان المغرب وموافقة سلطان فرنسا على ذلك ومن تم تنسحب فرنسا وتسحب قواتها من ميناء الصويرة ووجدة. الشرط السابع: نص على: " أن النواب من الدولتين يصير الاتفاق بينهم على عقد شروط جديدة على وجه جميل وفي وقت قريب ويتأسس على الشروط السابقة المقررة بينهم وأسباب تجديد عقدة الشروط وذلك على نقطة الخير بين الجانبين والنفع في التجارة زمن الان الى أن تجددوا هذه الشروط، تبقى هذه الشروط المتقدمة موقرة ومحترمة في كل شيء، وجنس فرنسيس في كل شيء وفي كل حالة يكون مقبولا بالانغام والمحبة كما هو الجنس العزيز من سائر الاجناس" أي أن فرنسا تؤكد في هذا الشرط على وتعمل على حماية مواطنيها في المغرب قبل أن يسري مفعول الصلح المرتبط بتطبيق الشرط الخامس، خاصة وأن قواتها لازالت بمدن مغربية. الشرط الثامن: هو أن: " سلاطين الجانبين يرضوا ويكون منهم الوفاء في هذه القوانين المذكورة وفي نسخة منه بطابع سلطان المغرب يأخذها سلطان فرنسيس، ونسخة أخرى بطابع سلطان فرنسا ويأخذها سلطان المغرب. ولابد في كون هذه المدة في شهرين والنواب المذكورين يصنعون من الآن طوابعهم وأسمائهم وهذا بتاريخ 10 شتنبر 1844م/ 2 شعبان 1260هـ" صح من أصله، محفظ في المكتبة الزيدانية على ما به من تحريف وركاكة. بتوقيع معاهدة الصلح 10 شتنبر 1844م، أوقف السلطان المغربي دعمه للأمير عبد القادر واعتبره خارجا عن القانون كما جاء في الشرط الرابع، لكن هذا الأخير تجاهل مقتضيات هذا الاتفاق واستمر في مقاومة الفرنسيين انطلاقا من التراب المغربي بمساعدة قبائل الريف، الامر الذي أثار مخاوف المخزن المغربي من تأسيس الأمير لإمارة مستقلة بالريف وكذلك من انتقام فرنسا لعدم التزامه ببنود الاتفاق. وتبدو هذه المخاوف واضحة في الرسالة التي بعث بها سفير المغرب بـ باريس أشعاع إلى وزير الشؤون الخارجية الفرنسي جيزو Juizot حيث جاء فيها: " ومنذ ذلك أمر الحاج عبد القادر فإن ضربه الأمر علينا وافساده في إيالتنا أكثر وأعظم منه عليكم إذ لا يخفى أنه أفسد قبائل الإيالة وصدها عن الخدمة وغررها بما يظهر بالسعي في الجهاد وخدعهم بترهاته واستمالهم بسحره، وسيدنا ليس بغافل عنه ولا بمتهاون بأمره، ولا يخفى عليكم أن سيدنا كلف عمال تلك الناحية بالسعي في فسخ عقده والحرص على إخراجه م
ن وطرده. ولو قابله عمال سيدنا بالقتال فذلك مراده لان تلك القبائل تلتف عليه وتشد فيه ويصعب أمرها بصعوبة جبالها، وغير خاف عليكم فساد قبائل الريف ومن والاهم وعدم استقامتها في القديم، فاستعمال السياسة أولى بتخديل الناس عنه وتزهيدهم عيه حتى يبقى وحده ولا يقبله أحد ويخرج بلا مشقة ولا تعب، فمن تمام المصافات اسقاط شرط إخراجه لأن غرضنا دوام المصالحة وخلوص المحبة معكم". رسالة بتاريخ 6 يناير 1846، الموافق لـ 7 محرم 1362، خالد بن الصغير (المغرب في الأرشيف البريطاني. ص 137). عمل المغرب على مطالبة الأمير عبد القادر على تنفيذ الشرط الرابع من اتفاقية الصلح مما اضطر الى الفرار الى ما وراء واد ملوية ليستسلم بعد ذلك في دجنبر 1847م للقوات الفرنسية التي ستقوم بنفيه في البداية إلى فرنسا وبعدها، ستسمح له بالرحيل الى بورصة بالأناضول ليستقر فيما بعد بـ دمشق.
معاهدة للا مغنية: كشفت هزيمة إيسلي عن ضعف مغربي وتوقيع اتفاقية الصلح، وتطبيقا لما جاء في الشرط الخامس، تم عقد اتفاقية للا مغنية يوم 18مارس 1845م والتي تتعلق بترسيم الحدود بين الطرفين. وقد اعتمدت فرنسا سياسة استمالة ممثل المخزن لتحقيق أهدافها من وراء ترسيم الحدود، فقد جاء في رسالة من القنصل الفرنسي بـ طنجة "دوشاستير" في بلاغ وجهه إلى حكومته: " فلكي يتحقق النفوذ الفرنسي في هذه البلاد هناك وسيلتان: الحرب أو السياسة. وبما أن الحكومة تتجنب الحرب مع المغرب فلم يبقى إلا الحل السياسي الذي يعمد على استمالة رجالات المخزن واستقطابهم". وبتبني هذه السياسة استطاع المفاوضون الفرنسيون استمالة الممثل المغربي حميدة بن علي الشجعي عامل وجدة والكاتب أحمد الأخضر اللذان سقطا في اغراءات ممثلي فرنسا مقابل تنازلهم عن العديد من المناطق خلال ترسيم الحدود، لذلك جاءت اتفاقية للامغنية في صالح فرنسا الاستعمارية في الجزائر وحرمت المغرب من أجزاء من من ترابه، فقد قسمت المعاهدة الحدود الى ثلاثة مناطق (انظر خريطة معاهدة للامغنية): - الجزء الأول: جدود عينت بدقة من دينة طريفة على البحر المتوسط إلى ثنية الساسي، حيث أصرت فرنسا على تحديد هذه المنطقة بدقة لتحرم المغرب من أراضيه الممتدة غرب واد تافنا كحد سابق بين المغرب وإيالة الجزائر. - الجزء الثاني: من ثنية الساسي إلى فكيك لم تحدد بدقة لكنها اعتمدت القبائل التابعة للبلدين مع الإبقاء على حرية هذه القبائل. - الجزء الأخير: بعد فكيك، ظلت بدون تحديد ولا ذكر للقبائل حيث جاء في الشرط الرابع لاتفاقية للا مغنية:" إن أهل الصحراء لا حد فيها بين الجانبين لكونها لا تحرث وإنما هي مرعى فقط لعرب الإيالتين". انظر شروط الاتفاق عند ابن زيدان. يتضح من خلال شروط هذا الاتفاق أن فرنسا جردت المغرب من أراضيه بالقسم الشمالي، كما تضمنت الاتفاقية شروطا تجعلها قابلة للتأويل وبالتالي التوسع على حساب الأراضي المغربية خاصة في الجزء الثاني والثالث حيث لم يحددا بدقة. رفض سلطان المغرب هذه الشروط وأدرك أن ممثلي المغرب قد خانوا الأمانة فراسل عامله بـ طنجة الفقيه بوسلهام بن علي بشأن هذه القضية حيث جاء في الرسالة: "وبعد، فقد وصلنا كتابك جوابا عما كنا كتبنا لك به في شأن حميدة بن علي وأحمد الأخضر وأن عدو الدين (ممثل فرنسا الكونت دولاريو) خدعهما وأبدى لهما الطمع حتى أدخلا طرفا واسعا من هذه الإيالة السعيدة في إيالة الجزائر... فاعلم أنا علمنا الحيف من أول وهلة فلم نطبع ولن نفعل في المستقبل إن شاء الله وغنما طبع عليه حميدة فقط فأسرع في مباشرة الامر على الكيفية التي قدمنا لك ولا تأل جهدا في فسخ ما عقد الطائعان الساقطا الهمة ولا حول ولا قوة إلا بالله." إلا أن إصرار فرنسا وتشبثها بالاتفاق وتهديد المغرب بقصف المزيد من الموانئ المغربية في حالة رفض التوقيع على الاتفاق. قبل السلطان بفصول الاتفاق الذي حرم المغرب من أراضي شاسعة كما كان سبب مشاكل المغرب وجارته الجزائر حتى بعد حصول كليهما على الاستقلال.


حرب تطوان والأزمة المالية 1859-1860م منذ النصف الأول من القرن 19م واسبانيا تحاول توسيع نفوذها في المدن المحتلة سبتة ومليلية، الامر الذي يؤدي الى مناوشات مع القبائل المجاورة، فهي تحاول على غرار فرنسا تدعيم نفوذها بالمغرب. وقد تأتى لها ذلك باستغلال المناوشات التي وقعت على حدود المدينتين مع قبائل الأنجرة سنة 1859م، فأعلنت الحرب مع موافقة بريطانيا شريطة عدم احتلال أي مدينة في الشمال المغربي. أمام الضعف المخزني، تمكنت اسبانيا من الانتصار واحتلال مدينة تطوان في فبراير 1860م (حوالي 4 شهور من الحرب). وبما أن بريطانيا لا ترغب في بقاء اسبانيا في تطوان، فإنها ستتدخل بواسطة مبعوثها جون دريموند هاري لدى السلطان الجديد محمد بن عبد الرحمان الذي تولى الحكم ما بين (1859-1873م) ليقبل باتفاق الصلح مع الاسبان. هذا الاتفاق الذي وقع في أبريل 1860م تضمن شروطا مجحفة مقابل انسحاب اسبانيا من تطوان أهمها: - توسيع نفوذ الاسبان بكل من سبتة ومليلية (الحدود). - تنازل المغرب عن مركز للصيد بالجنوب لصالح اسبانيا (موقع تاريخي طالبت به اسبانيا لكونه يعود لـ: سانتاكروز دي لمار بيكينيا). - اتفاقية تجارية تمنح امتيازات قضائية وتجارية للرعايا الاسبان على غرار اتفاقية 1856 التي وقعت مع بريطانيا. - غرامة مالية ثقيلة حددت في 100 مليون بسيطة مع مشاركة موظفين اسبان في استخلاص الضرائب بالمراسي المغربية. لأداء هذا المبلغ، رهن المغرب 60% من مداخيل الجمارك لمدة 30 سنة، خاصة وأن المغرب كان عاجزا عن أداء هذا المبلغ الضخم. فقط لدفع الدفعة الأولى سيضطر إلى الاقتراض، فأمام اصرار اسبانيا وتهديدها بالعودة الى الحرب والتي لا تخدم المصالح البريطانية، عرضت هذه الأخيرة على المغرب مساعدته بتمكينه من قرض 500 ألف جنيه تضمنه مداخيل الجمارك والذي يعتبر أول قرض أجنبي وليس الأخير إلى الآن. ومما جاء في رسالة جون دريموند هاري لأقناع المغرب بقبول الصلح أرسلها الى الحاجب الخطيب بن اليمني بعد معركة تطوان: " وأنتم في هذه الوقت ليس عندكم حركة لتحاصروا مدينة تطوان والشجاعة وكثرة الأدامي لا تنفع مع حركة الحرب، ولهذا لابد من التوصل الى الصلح والصبر على ما كتب الله في هذا الوقت...وبالصلح وفتح المراسي وتقوية التجارة في كل مواضع الإيالة، تخلف ما خسر في هذا الوقت... وحاصل الكلام هو الصبر وتؤدوا المصاريف التي تقدرون عليها لتعجلوا الصلح". رسالة جون دريموند هاري بتاريخ 1860، خالد بن الصغير- المغرب في الأرشيف البريطاني مراسلات دريموند هاري ص: 80 و81

وحدة اوروبا في القرنين 19و20

وحدة اوروبا في القرنين 19و20
محاور الوحدة:
المحور الأول: التحولات السياسية والاقتصادية في أوروبا بعد الثورة.
1- التحولات الاقتصادية.
الثورة الصناعية: المرتكزات العلمية والعوامل وتأثيراتها
الثورة الفلاحية والزراعية وتطور وسائل الإنتاج.
- التحولات السياسية.
مؤتمر فيينا
أوروبا بعد مؤتمر فيينا 
الأوضاع الداخلية بأوروبا بعد مؤتمر فيينا
الأوضاع الداخلية بأوروبا بعد مؤتمر فيينا
المحور الثاني: الثورات بأوروبا والوحدتين الألمانية والإيطالية: (1848م-1871م)
1- ثورات 1848م
أسباب الاندلاع
أزمة الإنتاج الفلاحي وارتفاع الأسعار
انخراط الطبقة العاملة
معارضة التيار الليبيرالي
نموذج لثورة الألمانيتين
2- الوحدة الإيطالية والألمانية.
الوحدة الإيطالية (1847-1870م)
الوحدة الألمانية وانشاء الإمبراطورية الألمانية
المقارنة بين الوحدتين
المحور الثالث: الإمبريالية الأوروبية وبروز الظاهرة الاستعمارية
1- مفهوم الإمبريالية
2- مفهوم الظاهرة الاستعمارية
3- عوامل ظهور الظاهرة الإمبريالية
العوامل الاقتصادية: تطور الإنتاج الصناعي والحاجة للمواد الأولية 
التنافس الأوروبي حول المستعمرات 
العامل الديموغرافي
المحور الرابع: الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)
1- العوامل الغير مباشرة للحرب العالمية الأولى 
أوروبا ونتائج الحرب العظمى الأولى:
النتائج السياسية 
النتائج الديمغرافية أو البشرية
النتائج الاقتصادية
2- أوروبا ما بين الحربين
مؤتمر فرساي: النتائج والآثار
ظهور الأنظمة الديمقراطية: أسباب ونماذج
ظهور الانظمة الشمولية: أسباب ونماذج
المحور الخامس: الحرب العالمية الثانية 1939-1945م
1- أسباب وعوامل اندلاع الحرب العالمية الثانية 
العوامل المباشرة
العوامل غير المباشرة
2- نتائج الحرب العالمية الثانية 
3- أوروبا بعد الحرب والانبعاث الاقتصادي والاجتماعي 
المراجع والمصادر:
- " تاريخ أوروبا من الفيودالية إلى الأنوار" لمحمد حبيدة (منشورات دار أبي رقراق -الطبعة الثانية- الرباط 2016)
- " أوروبا في القرن التاسع عشر: دراسة في التاريخ والفلسفة " محمد مظهر الأدهمي (منشورات مكتبة المعارف، النشر والتوزيع – الرباط)
- " التاريخ المعاصر لأوروبا من الثورة الفرنسية الى الحرب العالمية الثانية " لعبد العزيز سليمان نوار وعبد المجيد نعنعي (منشورات دار النهضة العربية ببيروت – لبنان 2014)
- " الحضارة الأوروبية الحديثة من عصر النهضة الى القرن 19م" لعبد العزيز رفاعي (منشورات مكتبة الجامعات للنشر، القاهرة 1959
- " تاريخ القرن 19 لأوروبا والعالم " الجزئان 1و2 لن:ور الدين حاطوم -الطبعة الأولى - دمشق 1995  
- " تاريخ أوروبا في العصر الحديث (1789-1950)" لهربوت فيشر (منشورات دار المعارف بالقاهرة 1976)
- "تاريخ أوروبا الحديث والمعاصر (1789-1914)" لهريدي صلاح – طبع في الإسكندرية سنة 2002
- الثورة الفرنسية الامتدادات والأصول
المحور الأول: التحولات السياسية والاقتصادية في أوروبا بعد الثورة.
1- التحولات السياسية : (أنظر وحدة الثورة الفرنسية)
2- الثورة الصناعية: المرتكزات العلمية والعوامل وتأثيراتها
شكلت الثورة الصناعية أهم الاحداث الاقتصادية والاجتماعية التي ميزت تاريخ أوربا والعالم المعاصر، وأحدثت تحولات في اقتصاد أوربا وفي حياة مجتمعه.
ويقصد بالثورة الصناعية مختلف المتغيرات والتطورات التي مست قطاع الصناعة بأوربا منذ منتصف القرن 18م. وهمت هذه التحولات آليات وأدوات الإنتاج الصناعي. ولم تخرج هذه الثورة الصناعية عن سياق التحولات السياسية والفكرية التي عرفتها أوربا خلال تلك المرحلة.
- الثورة الفلاحية والزراعية وتطور وسائل الإنتاج.
أوربا قبل الثورة الصناعية: 
لا يستقيم دراسة حدث الثورة الثورة الصناعية دون الإحاطة بنمط الإنتاج الأوربي قبل القرن 18م. الذي تميز بـ:
- أوروبا في العصور الوسطى كانت مجتمعات اقطاعية
- كانت فيها الصناعة تشكل نشاطا ثانويا.
- انحصار الصناعة في الورشات الشخصية الصغيرة والمحدودة الإنتاج.
بداية الثورة الصناعية بانجلترا
عوامل السبق البريطاني في انطلاق الثورة الصناعية:
- استقرار الوضع سياسيا
- النمو الديمغرافي والتطور الاقتصادي.
- بداية الاختراعات التقنية من الأسباب الكبرى لقيام الصناعة.
كانت للثورة انعكاسات على المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
اقتصاديا:
- ارتفاع وتنوع حجم ومردودية الإنتاج.
- تنامي المبادلات التجارية.
- ظهور الأقطاب (المدن) الصناعية.
اجتماعيا: 
- قوة النفوذ الاقتصادي للطبقة البرجوازية.
- إلغاء نظام الامتيازات القانونية.
- ميلاد الطبقة العاملة.
- بروز طبقات جديدة في المجتمع الأوربي (الرأسمالية – البروليتارية – الطبقة المتوسطة).
نتائج وخلاصات: 
- أحدثت الثورة الفرنسية تحولات عميقة في أوربا والعالم، كانت لها تأثيرات تجاوزت البعد الاقتصادي الى أبعاد اجتماعية، فكرية وقانونية...
- حدوث نمو صناعي على كافة المستويات (فائض إنتاج).
- انفجار ديمغرافي.
- توسع حركة الرساميل على المستوى العالمي.
التحولات السياسية بأوربا 1815م.
- مؤتمر فيينا وإعادة تشكيل الخريطة السياسية لأوربا
- الظروف السياسية لعقد مؤتمر فيينا 
- مؤتمر فيينا: تعريف
- الأوضاع الداخلية بأوروبا بعد مؤتمر فيينا
استهدفت قرارات مؤتمر فيينا اضعاف فرنسا تحت فكرة تحقيق التوازن الدولي، وعملت على محاصرتها. لكن ورغم ذلك، لم تستطع القضاء على الفكر الليبيرالي والحركات التحررية التي عارضت المؤتمر.
ثورات 1815م-1821م: 
أثارت قرارات مؤتمر فيينا ردود فعل قوية من طرف الشعوب الاوربية، فاندلعت ثورات متعددة مستلهمة مبادئ الثورة الفرنسة، حيث سعت الى اسقاط مقررات المؤتمر. وشمل هذا المد الثوري دولا مختلفة بأوربا.
- الثورة الألمانية 1817م: انتفاضة طلابية نادت بالحد من الملكية المطلقة ودعت الى إقرار دستور للبلاد. كان مآلها القمع العسكري.
- الثورة الإيطالية 1820م: انتفاضة جمعية الكاربوناري ضد النظام الكبير (الاحتلال النمساوي). كان مآلها القمع على يد الجيش النمساوي.
- الثورة الاسبانية 1820م: انتفاضة عسكرية للجيش ومطالبته بدستور، كان مآلها القمع على يد الجيش الفرنسي.
- الثورة اليونانية 1829م: ثورة قومية تحررية ضد النظام العثماني بدعم من فرنسا وبروسيا وبريطانيا. كان مآلها استقلال اليونان عن العثمانيين.
- الثورة البلجيكية 1830م: ثورة الأيام الثلاثة المجيدة بباريس، ثورة بورجوازية ليبيرالية ضد الملك شارل 10 الذي انحاز الى التيار المحافظ كان مآلها اجهاض نجاح الثورة بعد تواطؤ البرجوازية الكبرى مع الملك لويس فيليب.
- الثورة البولونية 1831م: ثورة قومية ضد السيطرة الروسية كان مآلها القمع من طرف الجيش القيصري الروسي. 
خلاصات ونتائج:
- لم يستطع مؤتمر فيينا القضاء على الفكر الليبيرالي والحركات التحررية.
- الثورة القومية هي ثورة تستهدف بالأساس التحرر من الامبراطوريات المشكلة من مجموعة قوميات مختلفة.
- الثورة الليبيرالية هي ثورة تستهدف مناهضة الاستبداد وإقامة حكم ديمقراطي.
- مؤتمر فيينا غير خريطة أوربا السياسية.
- ثورات 1815م و1831م: ثورات قومية استمدت أفكارها ومبادئها من روح أفكار الثورة الفرنسية.
- أسهمت مقررات المؤتمر في تنامي النزعة القومية بأروبا.
- من نتائج ثورات 1831-1815:
- صراع البرجوازية والاقطاع.
صاحب هذه الثورات العديد من المؤتمرات الدولية التي سعت الى افشالها:
- مؤتمر إكس لاشابيل 1818م
- مؤتمر تروباو 1820ممؤتمر 
- فيرونا 1822م
بعد 1815-1813م، اتسعت الأوضاع الداخلية بأوربا بالتوتر والحذر. وشهدت تحولات وازمات سياسية واقتصادية واجتماعية. ولم تكن الشعوب الاوربية راضية عن هذا الوضع والجمود السياسي والاقتصادي الحاصل، فاندلعت ثورات مختلفة بأرجاء أوربا.
المحور الرابع: الثورات بأوروبا والوحدتين الألمانية والإيطالية: (1848م-1871م)
1- ثورات 1848م
- أسباب الاندلاع
- أزمة الإنتاج الفلاحي وارتفاع الأسعار
- انخراط الطبقة العاملة
- معارضة التيار الليبيرالي
- نموذج لثورة الألمانيتين
2- الوحدة الإيطالية والألمانية.
- الوحدة الإيطالية (1847-1870م)
- الوحدة الألمانية وانشاء الإمبراطورية الألمانية
- المقارنة بين الوحدتين
تحليل المحور:
الوحدتين الألمانية والإيطالية: (1848م-1871م). 
- السياق التاريخي:
ظلت كل من إيطاليا وألمانيا الى حدود منتصف القرن 19م تعرف انقسامات سياسية بالرغم من عناصر الوحدة التي تجمع بين شعوبها. فايطاليا كانت مجزأة الى عدة إمارات بعضها خاضع للاحتلال النمساوي والبعض الاخر تابع للاحتلال الجرماني. وتعتبر بييمونتي (بيدمونت) وسردينيا أهم قوة عسكرية في البلاد.
أما المانيا فقد كانت مقسمة الى عدة دويلات بعضها كان خاضعا للنفوذ النمساوي. وتشكل فيها بروسيا أهم قوة ستتمكن لاحقا من تحقيق الوحدة الأمانية.
أسهمت التحولات السياسية والاقتصادية التي عرفتها أوربا في النصف الأول من القرن 19م في سعي البلدين للخوج من هذا الوضع وتحقيق وحدتيهما، خاصة أنهما تعرضتا للحيف والضغط خلال حملات نابوليون وحتى إبان عقد مؤتمر فيينا من خلال تأثير مقرراته على مصالح الدولتين ومعارضته لمبادئ الليبيرالية والقومية. أسهم هذا الوضع في تنامي الوعي بضرورة تحقيق الوحدة فتجسد هذا الامر في ثورات 1817- 1830م التي مهدت الطريق للوحدتين.
ثورات 1848م: 
انطلقت من باريس نتيجة للأزمة الاقتصادية التي عرفتها فرنسا، فامتدت من باريس نحو روما وفيينا ثم انتقلت الى إيطاليا وألمانيا ووصلت بذلك القوميات الخاضعة للحكم النمساوي.
- فرنسا: عرفت ثورتين هما ثورة فبراير وثورة يونيو
كانت نتيجة للازمة الاقتصادية ورفض الحكومة إصلاح نظام الانتخابات مما أدى الى صراع بين الأحزاب. فتم اسقاط حكم لويس فيليب وإعلان الجمهورية سنة 1851م.
- إيطاليا: تم طرد القوات النمساوية من المدن التي كانت تحتلها وطبقت فيها دساتير محلية قبل أن تتدخل النمسا وتقمع الثورة.
- ألمانيا: رفعت الثورة مطالب قومية أهمها توحيد البلاد، غير أنها فشلت بسبب رفض ملك بروسيا الانضمام إليها خوفا من الاصطدام مع النمسا وروسيا.
-  النمسا: كان قيام الثورة كنتيجة ورد فعل لسياسة المستشار مترنيخ الاستبدادية. تأثرت بثورة باريس، وتم قمعها بشدة رغم تحقيقها لبعض المكاسب.
نتائج وخلاصات:
- لم تستطع ثورات 1848م تحقيق جميع النتائج المرجوة وأخفقت في تحقيق كل أهدافها.
- استطاعت هذه الثورات وضع بدور الوحدتين الألمانية والإيطالية.
1- الوحدة الإيطالية 1818-1870م.
آليات تحقيق الوحدة:
- الجمعيات والأحزاب: 
لم تستطع مقررات مؤتمر فيينا القضاء على الفكر الليبيرالي والحركات التحررية، وساهمت مقرراته التعسفية على إيطاليا من بناء تحالف بين البورجوازية والمثقفون، نتج عنه لاحقا تأسيس جمعية سرية تناهض الفكر الاستبدادي القائم بأوربا عامة (جمعية الكاربوناري) التي ستعمل على تبني الفكر القومي عبر الدعوة الى الوحدة. وما كانت ثورات 1830و 1848م سوى طريقا للوصول الى الوحدة القومية. وساهمت هذه الجمعية في قيام ورة 1830، لكن لم تنجح بالشكل الكافي لتحقيق أهدافها الثورية بسبب محدودية انتشار افكارها في صفوف الشعب وطبقاته، ولعدم وضوح الأفكار التي تبنتها.
بعد ذلك ستظهر في إيطاليا جمعية أخرى تدعى (جمعية إيطاليا الفتاة) على يد أحد الأعضاء السابقين في جمعية الكاربوناري وهو جوزيف ماتزيني، وأسسها سنة 1831م في منفاه بمرسيليا. كان هدفه هو إقامة جمهورية في إيطاليا الموحدة، واستطاع بفضل حماسة خطابه، التأثير على المواطنين وأكد على أن الوحدة لن تتحقق إلا إذا أقدم قدم الايطاليون أرواحهم فداء للوطن. وامتدت أفكاره في كل أرجاء يطاليا وسمي بروح الثورة الإيطالية ونبي وحدة إيطاليا.
عملت أخرى في نفس مسار تحقيق وحدة إيطاليا كالحزب البابوي الاتحادي الذي تزعمه البابا ديبوسي التاسع من خلال مساهمته في إقرار بعض الإصلاحات منها:
- إطلاق المعتقلين السياسيين في إيطاليا.
- انشاء مجلس استشاري يضم شخصيات علمانية.
- انشاء نظام للمساواة بين افراد المجتمع والكنيسة.
- بناء جيش جديد وقوي.
وكذا الحزب الملكي الذي أسس سنة 1831م وتزعمه الملك شارل وبدأ يتجاوب مع مطالب الحركات التحررية، وأعلن استعداده الدخول في حرب مع النمسا. وقد أقر هو الآخر مجموعة من المواقف والإجراءات منها:
- التجاوب مع كل الحركات التحررية في إيطاليا.
- المساهمة في مراجعة القانون الجنائي في البلاد
- المساهمة في تعديلات وإجراءات أخرى شملت جميع القطاعات.
- اعلان استعداده للدخول في حرب ضد النمسا.
تخوف متريخت من التطورات التي أضحت تشهدها إيطاليا نحو الثورة والانفصال عن النمسا. وقام بإجراءات مستعجلة للحد منها قبل أن تتفاقم فيما بعد.
حروب الوحدة:
ثورة 1840 والحرب ضد النمسا: بعد اندلاع ثورة 1848م، حاولت مملكة ساردينيا استغلال ما يبدو لحظة هوائية، فاعلنت الحرب ضد النمسا، واستمر هذا الصراع طويلا ولم تستطع هزيمة النمسا لوحدها فدخلت في تحالف مع فرنسا سنة 1859م ومع بروسيا سنة 1866م وتمكنت من انهاء الوجود النمساوي في الجزء الشمالي من إيطاليا. وساعد هذه المملكة التي عملت على تحقيق وحدة إيطاليا القومية عوامل عدة منها:
جيش منظم
دستور قائم على مبادئ حرة.
اعتمادها على شخصية كافور الذي بذل جهودا اقتصاديو وعسكرية وسياسية عززت من قوتها بالدخول في تحالفات مع فرنسا وانجلترا خاصة مع نابليون الثالث بعد مؤتمر الصلح 1856م.
بقيت البندقية وروما في وضعها تحت النفوذ النمساوي بعد استرجاع نابولي وباليرمو، وانتظرتا التغييرات التي تطرأ على التوازن الدولي أوربيا، واستغل قيام الحرب بين النمسا وبروسيا عام 1866 في استرجاع البندقية بناء على اتفاق براغ بعد الهزيمة التي الحقها بسمارك بالنمسا. واستعيدت روما بعد الحرب التي دارت بين فرنسا وبروسيا سنة 1870 وتم تحويلها عاصمة للجمهورية الإيطالية الذي كان مطلبا شعبيا وبذلك تحققت الووحدة الإيطالية بعد مسار طويل من الاحداث.
بعد أن تقوى نفوذ كافور على مستوى إيطاليا وتحالفه مع بلدان خارجية، أعلنت النمسا الحرب ضده سنة 1859م، لكن دعم فرنسا لإيطاليا سيؤدي الى توالي هزائم النمسا. أدى هذا الامر الى توقيع صلح زوريخ الذي أقر:
تنازل النمسا على بعض المقاطعات الإيطالية.
استطاع هذا الرجل بعد ذلك من توحيد جنوب إيطاليا ويستميل حركة سياسية متمركزة هنالك تدعى غاريبالدي وقام بدعمها بالسلاح وحققت بالفعل نجاحات مهمة في تحقيق الوحدة.
2- الوحدة الألمانية 1819-1871م.
وسائل ومسار تحقيق الوحدة
حاول ماتريخت من خلال مقررات مؤتمر فيينا جعل المانيا ضعيفة حتى تتمكن النمسا في فرض سيطرتها عليها، وفرضت النمسا إيجاد اتحاد ضعيف من الامراء حتى تتحكم فيها بالشكل الذي يساير مصالحها.
الاتحاد الجمركي (الزولفرين): تعتبر هذه الخطة أولى المراحل في سبيل تحقيق الوحدة عبر إنشاء نظام الزولفرين الجمركي واستطاعت توحيد الجمارك بين أقاليم البلاد الألمانية بدعوة من رجال الفكر والمال عام 1819م. نص هذا النظام الجمركي على:
إلغاء المناطق الجمركية ببروسيا واعتبارها مناطق جمركية واحدة.
إعفاء المواد الأولية من الرسوم لتشجيع الصناعة.
وضع تعريفة جمركية منخفضة على المصنوعات وأخرى عالية على المواد الكمالية المستوردة (البن، السكر، الشاي...)
أدى اعتماد هذا النظام الجمركي في المحصلة الى نجاح ساهم في تزعم بروسيا للاقتصاد والسياسة في المانيا.
سياسة الملك ويليام والمستشار بسمارك في تحقيق الوحدة: بعد اندلاع اثورة 1848م، انتخب وليام الرابع امبراطورا على المانيا. لكنه رفض خوفا من الاصطدام مع النمسا وبعض الامراء المعارضين وخلفه وليام الأول الذي كان يكن عداء للنمسا، فاستعان بمستشاره بيسمارك في مشروع تحقيق الوحدة الألمانية عمل في سبيل تحقيق ذلك:
جعل الزعامة لبروسيا في إقامة وحدة ألمانيا.
رفض تدخل النمسا في شؤون المانيا واحبارها على التخلي عن معاداة وحدة المانيا.
رفض التدخل الفرنسي في شؤون ألمانيا.
تطوير الجيش وتسليحه إذ اعتبر بسمارك أهم أداة لتحقيق الوحدة.
حروب الوحدة: 
لقد كان المستشار بسمارك يؤمن بأن تحقيق وحدة المانيا لن يتأتى إلا بسياسة الحديد والدم. وجاء على لسانه في خطاب ألقاه قي 30 شتنبر 1860م: "... بروسيا لاتهتم بالليبيرالية، لكنها تهتم بقوتها، فيلزمها أن توحد قواها وأن تكون مستعدة للوقت الملائم وأن حدود المملكة (البروسية) كما حددها مؤتمر فيينا لا تتلاءم والحياة السياسية السليمة... وأن مشكلة ألمانيا (الوحدة) لن تحل بالخطب ومصادقات الأغلبية - كما اعتقد ذلك رحال ثورة 1848-1849م – وإنما تحل بالحديد والدم..."
- الحرب ضد الدنمارك 1866م، استطاع خلالها السيطرة على الدوقية شيلزفيك في حين سيطرت النمسا بعد تدخلها على الدوقة هولشتاي وانتهت بذلك الهيمنة الدانماركية عليها سنة 1866م.
- الحرب ضد النمسا 1866م: لقد سعى المستشار بيسمارك الى عزل النمسا دوليا وبدأ في التقرب من فرنسا وروسيا ودخل في حرب مع النمسا سنة 1866م وانتصر عليها في معركة تسدوا وفرض عليها توقيع صلح براغ الذي التزمت فيه بمقررات تخدم مصالح المانيا وإيطاليا. واتسع بذلك مجال بروسيا وتحول ميزان القوى اليها في وسط أوربا. ومن مقررات عقد الصلح أيضا:
ضم مقاطعات فرانكفورت وهانوفر الى بروسيا.
تنازل النمسا عن البندقية لإيطاليا.
- الحرب ضد النمسا 1870م: كانت أزمة العرش في اسبانيا ومعاداة فرنسا للوحدة الألمانية لأنها تحتل منطقة الألزاس واللورين السبب في اعلان فرنسا الحرب على المانيا، ونظرا للفوارق وتباين المستوى العسكري، انهزمت فرنسا في معركة سيدان 1871م وكانت كل مقرراته في صالح المانيا:
عودة منطقتي الالزاس واللورين لسيادة ألمانيا
دفع فرنسا لـ 500 مليون فرنك فرنسي. ولتحقيق هذا الامر، قامت بتركيز جيوشها داخل الأراضي الفرنسية.
- استمر بعد ذلك بسمارك في تحقيق الوحدة والمحافظة على استمرارها عبر ضم ولايات الجنوب وتم إنشاء الاتحاد الألماتي وتوج الملك امبراطورا لألمانيا بقصر فيرساي عام 1871م.
3- مقارنات – خلاصات – امتدادات.
- ساهم في تحقيق الوحدتين الإيطالية والألمانية في بروز النزعة القومية المستمدة من الوعي بشعور الوحدة والمبني على الهوية واللغة والتاريخ المشترك، وهي نتاج مسار من كفاح الحركات الليبيرالية والقومية.
- ساهم في تأسيس وبناء مسار الوحدتين وتحقيقها:
على مستوى إيطاليا:
جمعيات وأحزاب وحركات سياسية.
شخصيات سياسية بارزة. 
خوض حروب خارجية.
على مستوى ألمانيا:
نظام جمركي اقتصادي.
شخصيات عسكرية وسياسية قوية
قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية.
- ساهمت الوحدة في اقلاع اقتصادي وديمغرافي وعسكري، عزز لاحقا في تنامي رغبة الامبراطوريات في إحداث توسعات على مناطق أخرى ونتج عن ذلك بروز الامبريالية والظاهرة الاستعمارية.
- وحدة المانيا وإيطاليا على مستوى أوربا مقابل بروز بروسيا وتعاظم بريطانيا أمام قوة فرنسا وبعض البلدان الأوربية الأخرى صاحبها تراجع كبير للإمبراطورية العثمانية.
- شكلت الوحدة فصلا جديدا ومفصليا في تاريخ بناء الدولة الوطنية الحديثة في أوربا والعالم.
مفاهيم ومصطلحات وأعلام:
- إيطاليا الفتاة (لاجيوفوني): حركة سياسية واجتماعية، أسست بإيطاليا 1831م من قبل ماتزيني. كانت تهدف الى تحقيق وحدة جمهورية إيطاليا، ساهمت في ثورات 1848-1849م كما كان لها دور في ظهور حركة أوربا الفتاة التي أنشأت سنة 1835م.
- مازيني: رجل سياسي وفيلسوف إيطالي، لقب بروح ثورة إيطاليا ونبي الوحدة لجهوده في الحراك السياسي لتحقيق وحدة إيطاليا الحديثة. يعتبر أيضا من مؤسسي حركة إيطاليا الفتاة، وقد ولد عام 1805 وتوفي سنة 1872م.
- بسمارك: مستشار ألمانيا الأول، ولد عام 1815م وتوفي عام 1898م. رجل دولة وسياسي بروسي ألماني، أشرف على توحيد الولايات الألمانية ومؤسس إمبراطورتيها. أثر بأفكاره على السياسة الداخلية والخارجية للبلد. كما خاض حروب الوحدة الألمانية مع النمسا وفرنسا ونجح في تحقيقها.
- كافور: رئيس وزراء إيطاليا سنة 1861م. كان قبل ذلك رئيس وزراء مملكة ساردينيا، ساهم في تحقيق مشروع جمهورية وحدة إيطاليا. نهج سياسة اقتصادية فريدة وعمل على تقوية الجانب العسكري مستفيدا من تجربته كوزير للحرب سابقا. استطاع أن يوفر بفعل سياسته بعض المقومات التي ستساهم في تحقيق الوجدة منها:
الاهتمام بالجانب الاقتصادي وتطوير الصناعة.
فرض الضرائب على الكنيسة.
تحرير القوانين من التقاليد الدينية.
اصلاح الطرق والسكك الحديدية.
ابرام اتفاقيات تجارية مع الخارج.
الاهتمام بالجانب العسكري وتطويره.
إقامة تحالفات مع فرنسا وانجلترا.
التقرب من نابليون الثالث خاصة بعد مؤتمر الصلح 1856 وموافقة هذا الأخير على دعمه في حربه ضد النمسا فكانت هذه الموافقة بناء على شروط معينة راعت فيها فرنسا تحديدا مصلحة البابا بإيطاليا. 
www.ekourt.com
اوروبا في القرنين 19و20