السعديون
الاوضاع الاقتصادية :
إن أسباب الازمة التي ادت الى انهيار الحكم السعدي عميقة و متعددة الجوانب ، فالمغرب فقد مكانته المرموقة التي اكتسبها على اثر معركة وادي المخازن و غزو بلاد السودان . فبموت احمد المنصور أصبح المغرب يعرف عدة صعوبات اقتصادية منها ما له علاقة بالكوارث الطبيعية التي اجتاحته كقلة الامطار و غلاء المعيشة و انتشار الوباء و منها ماله علاقة بالوضع الاقتصادي العام الذي كان يعيشه المغرب و التحولات الدولية التي عرفتها بداية القرن السابع عشر . فالاسس التي كان يقوم عليها الاقتصاد المغربي في عهد احمد المنصور انهارت نسبيا و هي تجارة السكر و الذهب. فمادة السكر كانت معروفة منذ العهد المرابطي حسب ما جاء عند الادريسي في كتابه نزهة المشتاق و سيعرف توسعا اكثر مع السعديين لدرجة ان عبد العزيز الفشتالي في كتابه " مناهل الصفا " شبهها بأهرام مصر ( زراعة قصب السكر) فصناعة السكر كانت تمثل % 33 من مداخيل بيت مال السعديين الا ان الاضطرابات التي عرفها المغرب في ق.17 و منافسة دول امريكا اللاتينية و جزر الانتيل زحزحت المغرب عن مركز الزعامة في الاقتصاد و اصبحت هذه الدول تستقي مادة السكر من هذه المناطق .
أما مادة الذهب فظل المغرب لعدة قرون يلعب فيها دور الوسيط بين افريقيا و اوربا الغربية الا ان الوضع عرف تغيرا في اواخر الدولة المرينية عندما استولى السعديون على الحكم أصبح على عاتقهم فك الحصار الاقتصادي المضروب على المغرب و لم يتمكنوا من ذلك الا بعد انتصارهم في معركة وادي المخازن و غزو بلاد السودان . إذ اصبح الاتصال مضمونا من جديد لكن بعد وفاة أحمد المنصور نقصت كمية الذهب و اخذت القوافل تتجه نحو ايليغ اوالى سجلماسة ( يوجد بها العلويون ) و اصبح المغرب يستقبل قافلة كل ثلاث سنوات . و قد كان للاوربيين دور في ذلك إذ عملوا على احتكار جزء مهم من تجارة السودان عبر السواحل الافريقية بانشاء مراكز هامة مثل مركز سان لوي بالسنغال من طرف الفرنسيين . و هكذا استغنى الاوربيون عن الوساطة المغربية و وصلوا الى مناجم الذهب كما اهتموا بتجارة العبيد لبيعهم بأمريكا و مقابل ذلك كانوا يبيعون للسكان المحليين الاسلحة مما زاد من تدهور التجارة المغربية بالسودان .
الزوايا و الزعامات المحلية :
لقد مر المغرب من ازمة خانقة لم تبق فيها النزاعات منحصرة في القصر (البلاط) بل نقلها ابناء احمد المنصور الى المجتمع . هذه الازمة شاركت فيها اطراف متعددة فانقسمت البلاد الى وحدات سياسية ، يقول الزياني في كتابه " البستان الظريف " ص: 7 "
بعد موت زيدان تطاولت ايدي و رؤساء القبائل و عمالها الى الاستبداد على الدولة لمرضها و هرمها و شارك من له شوكة قوية و ساروا كملوك الطوائف بالاندلس " .
و امام تفاقم الاوضاع سقطت عن السعديين الصلاحية الشرعية لقيادة المغاربة في شؤونهم الدينية و الدنيوية و منها الجهاد .
ابن ابي محلي : كان يزعم انه من نسل العباسيين ، تلقى العلم بمدينة فاس و بقي فيها عدة سنين . الف عدة كتب تدور كلها حول البدع كانت له مواقف من المنحرفين من الدين كما عرف بتصوفه . استقر مدة بالزاوية الدلائية ثم اتجه الى واحة الساورة و اخذ يدعو لنفسه باعتباره المهدي المنتظر ، و اعتمد في دعوته على المراسلة و الاتباع خاصة بعد تسليم محمد الشيخ المامون مدينة العرائش للإسبان فأصبح يدعو الناس للجهاد و توجه الى مدينة مراكش و طرد منها زيدان بن احمد المنصور و استقر بقصر الخلافة و ضرب السكة ( النقود ) باسمه الا ان تجربة ابن ابي محلي لم تدم الا 3 سنوات و سرعان ما استنجد زيدان بابن ابي زكريا الحاحي الذي تمكن من القضاء على ابن ابي محلي سنة 1614م و احتز (قطع) راسه و علقه على سور مدينة مراكش مع رؤوس جماعة من اصحابه مدة 12 سنة .
و يبقى السؤال المطروح كما يقول الاستاذ عبد المجيد القدوري في كتابه " المغرب و اوربا في القرنين 16و 17 "
هل كانت ثورته مجرد مغامرة و اندفاع ؟
أم كانت تعبر في عمقها عن سخط و انزعاج طائفة من علماء المغرب الذين تذمروا مما اصاب المغرب من خروج عن الاسلام الصحيح وان الوضع لن يصحح الا بوجود امام منقذ ؟
و قد عرفت منطقة سوس عدة محاولات للاستقلال عن السلطة الا ان اهم هذه الحركات هي تلك التي تزعمها ابو زكريا الحاحي و ابو حسون السملالي .
ابو زكريا الحاحي : عرف بالعلم و الصلاح . درس بمدينة فاس و بعد وفاة والده تولى أمور زاويتهم التي توجد بالزداغة شمال مدينة تارودانت سنة 1603م و كما سبق الذكر كان ابو زكريا مساندا للامير زيدان اذ سانده في حروبه ضد ابي محلي و بعد القضاء على هذا الاخير ظل ابو زكريا مقيما بمراكش في حين كان الامير زيدان بمدينة آسفي . و عندما دام مقامه بمراكش كاتبه زيدان " رسالة زيدان الى زكريا " : " اما بعد فإن كنت جئت لنصرتي و كف يد ذلك الثائر فقد ابلغت المراد و شفيت الفؤاد ، و ان كنت انما رمت ان تجر النار لقرصك و تجعل الملك من قنصك ، اقر الله عينك به "
فاضطر ابو زكريا الى مغادرة مراكش و بعد رجوعه الى بلده اعلن ثورته و اظهر اطماعه في الحكم مدعيا حماية الدين و جمع كلمة المسلمين فانتزع تارودانت من يد ابي حسون السملالي و اتخذها عاصمة الا حركته لم تتجاوز كثيرا مدينة تارودانت الى ان توفي سنة 1626م.
ابو حسون السملالي : يعرف بعدة القاب منها ابو الحسن و بودميعة و صاحب الساحل و امير سوس و شيخ إليغ و هو من أحفاد الشيخ الشهير احمد بن موسى السملالي ، اعلن ثورته سنة 1613م اسس مدينة إليغ و اتخذها عاصمة لامارته و خضعت له كل منطقة سوس بعد وفاة ابي زكريا الحاحي . كانت له طموحات سياسية كبيرة فقد امتد نفوذه الى درعة و سجلماسة سنة 1630م . أقام ابو حسون علاقات تجارية مع الدول الاوربية التي كانت لها مصالح في المغرب . فعقدت معه معاهدات تجارية و اصبحت تتفاوض معه باعتباره صاحب الساحل . كانت هذه العلاقات التجارية الخارجية من اهم الاسباب التي دعمت نفوذ ابي حسون بمنطقة سوس الا ان نفوذه سيتراجع عندما دخل في صراع مع العلويين و الدلائيين و وقعت حروب كثيرة بينهم ادت الى انكماش امارة ابي حسون و اقصائه عن سجلماسة و درعة حوالي 1640م على يد محمد بن الشريف و بقي نفوذه مقتصرا على سوس الى أن توفي سنة 1655م فخلفه ابنه محمد الى ان استولى المولى الرشيد على الزاوية السملالية سنة 1670م فهدمها و شتت اهلها .
الزاوية الدلائية : اسست سنة 1566م و لم يكن لشيخها محمد بن ابي بكر اطماع سياسية و ظلت هذه الزاوية تهتم بما هو ديني و علمي معترفة بالسلطة السعدية بمراكش . و رغم ان نفوذها وصل الى تادلة و الغرب و كانت مؤهلة لتوحيد البلاد لتوفرها على قاعدة مادية . إذ كانت تراقب الطريق الصحراوي و كانت صلة وصل بين الجبال و السهول . و فتحت لها بابا على المحيط عندما استولت على مدينة سلا .
و رغم ذلك فقد نهجت الزاوية الدلائية اسلوب الحذر و الاحتياط و قد رأى المفكر جاك بيرك في هذا السلوك بعدا وطنيا ضائعا لان الزاوية كانت مؤهلة لبناء دولة .
فلماذا لم يحاول الدلائيون توحيد المغرب ؟ هل هذا راجع الى انعدام الطموحات السياسية لديهم ام لاسباب اخرى ؟
في حين هناك كتابات اخرى خاصة الاوربية تؤكد على الطموحات السياسية للزاوية و التي اوقفها المولى الرشيد بالاستيلاء عليها سنة 1668م و اخذه كل ما تملكه هذه الزاوية و ترحيل شيوخها و تخريب كل مدينتهم . فكان الدمار المادي اوهن من الدمار النفسي الذي هو الاغتراب و النفي .
المجاهد العياشي : هو محمد بن احمد المالكي الزياني السلاوي اصله من قبيلة بني مالك من العرب الهلالية المستوطنة ببلاد الغرب و فصيلته القربى بنو زيان القاطنون اليوم باحد ولاد جلول بدائرة القنيطرة و سوق الاربعاء الغرب ، و هو من تلامذة عبد الله بن حسون و هو الذي اشار عليه بالجهاد . بدأ عملياته الجهادية منذ اوائل القرن السابع عشر في بلاد دكالة حيث قاتل البرتغاليين في الجديدة و قد كافأه السعديون بعمالة ازمور حيث ظل يضايق البرتغاليين بهذه المناطق مما جعلهم يتضايقون منه فعمدوا الى الحيلة و الخديعة الى ان جهز زيدان جيشا لمحاربته (ايقاع الخلاف بين العياشي و السعديين –زيدان-) الا ان قائد الحملة محمد السنوسي اخبر العياشي بالامر فرحل هذا الاخير الى بلاد الغرب و رجع بعدها الى مدينة سلا حيث ظل يجاهد . و قد تمكن من ضبط الامور بمنطقة الغرب و قاد عمليات عسكرية ضد المستعمر بدأت بسيطة ثم تزايد عددها الى ان بلغت اوجها سنة 1631م عندما قاد اربع عمليات عسكرية ضد مناطق المعمورة و العرائش .
و على العموم فالحركة العياشية كانت حركة جهادية تعبر عن رد فعل وطني ازاء الاحتلال الاجنبي و بهذه العمليات العسكرية كسب العياشي شهرة واسعة حتى و ان لم يستطع تحقيق الهدف المحدد و هو تحرير الثغور المحتلة . فالحركة العياشية حركة حاولت ان تسد الفراغ و ان تبعد الخطر عن المناطق المهددة الى الا انها لم تقدر الظرف العام للبلاد التقدير الحقيقي و بقيت تصرفاتها و تحركاتها جزئية محلية . فساعدت بذلك على خلق الظروف المناهضة لها و بتكاثف هذه السلبيات و ظهور عناصر منافسة لها كانت نهاية هذه الحركة في ظرف لم يكن منتظرا .
و من المتناقضات المحيرة في حياة المجاهد العياشي حسب الاستاذ محمد حجي في كتاب : جولات تاريخية ج2 ص :620 :" تمرد قبائل الغرب و هم اهل عصبيته ، و عصيان اهل الاندلس في الرباط و القصبة (الوادية) و هم جيرانه و انصاره و مهاجمة الدلائيين له بعد ان اتخذوا من الدعاء له بالنصر و التأييد و اغتياله في النهاية على يد عشيرته الاقربين " و هكذا كانت نهاية العياشي على يد قبيلة الخلط حيث اغتالوه و ذلك في 21ابريل 1641م و بموت العياشي خلا الجو للدلائيين الذين دخلت تحت نفوذهم كثير من المدن منها مدينة فاس و سلا و تطوان و سائر بلاد المغرب .
المحاضرة الاولى هنا
المحاضرة التانية هنا
المحاضرة الثالثة هنا
|
تاريخ المغرب دولة السعديين |