دخلنا المطار، وانتظرنا في البهو الدائر الذي كان يزخر بالناس، بين رائح وغاد، وبين جالس يحزم أمتعته ومقبل على الميزان، يستوفي اجراءات السفر، ثم سمعنا مضخم الصوت يقول: القاصدون أثينا يتقدمون ! فاجمع الشمل، وتقدمنا، وصعدنا في الدرج ندخل الطائرة، وغبنا في جوفها، وقصدت أحد المقاعد، فتهالكت عليه. ثم سمعت صوت الباب يدفع بشدة، فاذا هو يفصل بيننا وبين عالم ألارض...
وتراءت لأعيننا جملة مكتوبة بأحرف من نور... ( التدخين غير مباح، ليشد كل منكم حزامه )، وسرعان ماشاهذت شابة طلقة المحيا في حلة رمادية، فدنت مني في تلطف، وأخذت تعينني على عقد النطاق حولي، فأصبحت الى مقعدي مشدودا، وبدأت المحركات تدوي، وأحسست الطائرة تتحرك ... وماهي الا أن رفعت هامتها، فاذا نحن بعد لحظات نشق الاجواء، صعدا الى السماء، تحيينا نسمات السحر.
وكانت أصوات المحركات تطن وتدوي، والطائرة تخترق أرجاء الفضاء مروق السهم، وأنا متمدد على مقعدي الفسيح، ذلك المقعد الطيع الوديع، فانك بلمسة واحدة تحيله سريرا ممهدا، وبحركة خفيفة تعيده مقعدا كما كان.
وشعرت بجفني يتثاقلان، فأنفذت بصري في جهد الى الطاق المجاور قبل أن أستسلم للسبات، فلم يطالعني الا ظلام بدأ يشف، ولمحت ابتسامة الفجر تلوح من وراء الأفق...
وأخذ الكرى يغالبني، وأحسست بقشعريرة البرد، فتجمعت على مقعدي، أتلفف بالدثار، وأسلمت نفسي لنوم عميق... وأيقظني صوت يقول: أثينا بعد دقائق! واستمر الصوت يردد قوله وقتا. ووجدت أشعة الشمس قد تسللت من الطاقات، فنظرت في ساعتي فاذا هي الثامنة.
لقد عبرنا سماء بحر الروم، في ثلاث ساعات ونصف ! يا سبحان الله ! هذا البحر العظيم تعبره البواخر في أربعة أيام، وكانت مراكب الأقدمين تعبره في أربعة أسابيع. فها هو ذا الاسبوع ينطوي في يوم وها هو ذا اليوم ينطوي في ساعة ! ...
وماهي الا أن حطت الطائرة، تصافح الارض.