الثلاثاء، 27 نوفمبر 2018

كتاب الغرب الاسلامي الفصل الثالث (الغرايب)

الفصل الثالث
عصر الامارات المستقلة 
القرنان 2 - 3 هـ
يعتبر القرن الثاني الهجري فترة تحول في تاريخ المغرب من الناحية السياسية، فبعد التبعية قبل الاسلام لقوى اجنبية اوربية، خضع المغرب منذ الفتح الاسلامي للخلافة المشرقية التي نجحت۔ في إيصال الإسلام إلى المنطقة وفي بداية تعريبها، ولكنها لم تنجح في الحفاظ على ارتباطه بها سياسيا، فحلت محلها كيانات سياسية منفصلة عن بعضها ومتباينة من الناحية المذهبية وقد مرت هذه الكيانات بمراحل متشابهة
فبالنسبة لظروف نشأتها فإنها كانت نتيجة ثورات الخوارج بعد فشلها في المشرق، وكان مؤسسو هذه الإمارات المغربية غالبا من غير العنصر المحلي، وهو ما يدحظ اتجاه المستشرقين الذين اعتبروا ثورات البربر كانت ضد العرب والإسلام
وبالنسبة لظروف تطورها، فإنها مرت من مرحلة توازن في القوى في فترة مشتركة خاصة بين الثلث الأخير من القرن الثاني والنصف الأول من القرن الثالث، فلم تستطع اي منها إقصاء غيرها من الخريطة السياسية، فكان في عصور إدريس الأول والثاني ومحمد بن إدريس (172- 221) أمراء أقوياء في جهات أخرى مثل الأمير اليسع الأول المدراري في سجلماسة (174- 208)، والإمام أفلح (208258) في تاهرت، وزيادة الله الأول في القيروان (201- 223، وفي الأندلس الحكم بن هشام وعبد الرحمن الثاني (180- 238)...
وبالنسبة لمرحلة الضعف في النصف الثاني من القرن الثالث كان هناك أيضا توازن فيما بين هذه الإمارات، حيث انشغلت كل منها بمشاكلها الداخلية، خاصة النزاعات القبلية والعرقية والصراع على السلطة، وظهر بمشاكلها الداخلية، خاصة النزاعات القبلية والعرقية والصراع على السلطة، وظهر في الاندلس ما عرف بعصر الطوانف الأول. وكانت نهاية الإمارات المغربية متشابهة بالوقوع تحت تقود العبيديين الشيعة في نهاية القرن الثالث ومطلع الرابع، وأصبح ما بقي منها يعاني من الصراع بين هؤلاء والقوة الأموية الأندلسية بعد تجدد قوتها وانتقالها إلى مرحلة الخلافة.

ونعالج فيما يلي بشيء من التفصيل تاريخ كل إمارة على حدة:



1- الامارة خلال القرنين التاني والثالث 
ظهرت امارة نكور على اساس المذهب السني خلافا لبقية الامارات المغربية، ولعلها كانت اول امارة مستقلة بالمغرب بعد ثورة البربر في نهاية الربع الاول من القرن الثاني الهجري ويظهر من تحديد البكري لمجالها انها كانت تمتد من اقصى امتدادها شرقا الى نهر ملوية ( ان لم يقع خلط مع مليلية ) حيث كانت مرسى ملوية تابعة لنكوار اي ان امارة جراوة الادريسية هي حدودها الشرقية، وتحذها غربا قبائل مسطاسة وغمارة، وفي حدودها الجنوبية يذكر البكري اوربة وصاع والكدية المعروفة بتاوريرت .... ونظرا لبناء نكور على اميال من البحر فيبدو ان المزمة هي التي كانت مرساها. اما عمرها السياسي فيمتد من سنة 123 على الارجح الى سنة 305 عند هجوم العبيدين عليها، ثم اصبحت غالبا تحت نفود امويي الاندلس خلال القرن الرابع. ومع اوائل القرن الخامس انتقل حكم نكور الى قبيلة ازداجة الوناتية الى ان قضى عليها المرابطون.
جد بني صالح الحميريين وهو صالح بن منصور نزل مرسى نمسامان على على البحر بموضع يقال له بدكون بوادي البقر استقر بهذه الجهة خلال مرحلة الفتح زمن الوليد بن عبد الملك، فأسلم اهلها على يديه، ثم ارتدو بزعامة داود النفزي المعروف بالرندي
وأخرجو صالحا من بلدهم، ثم تابو واستعادوه اليهم. قال البكري: " وقد كان صالح بن منصور انزل نفرا من البربر موضعا يحاذي مدينة نكور في الضفة الثانية من النهر وكانو يقيمون هناك سوقا " وعندما مات صالح " بأرض تامسامان دفن بقرية يقال لها الافطى على شاطئ البحر" ( البكري)، وقبره معروف بقبر العبد الصالح 
ترك صالح ولدين احدهما المعتصم وقد توفي بعد مدة يسيرة من حكمه، والثاني ادريس ين صالح وقد ملك ثلاث سنين. وبعد وفاته خلفه ابنه سعيد بن ادريس، وهو الذي ينسب اليه بناء مدينة نكور سنة 123 " ومدينة نكور بين رواب منها جبل يقابل المدينة يعرف بالمصلى ...
وهي بين نهرين احدهما نكور ومخرجه من بلاد كزنابة من جبل بني كوبن، والثاني نهر غيس منبعته من بلاد بني ورباغل ... ويجتمع نهر نكور وغيس بموضع يقال له اكدال، ثم يتشعب هناك جداول ... وعلى نهر غيس بنى سعيد بن صالح مسجدا على صفة مسجد الاسكندرية بمحارسه وجميع منافعه ... وبين مدينة نكور والحر خمسة اميال وهو حوفيها[ شمالها ] هذه المدينة تزايدت اهميتها حتى وصفت فيما بعد بكونها " مدينة عظيمة حافلة اهله، تقصدها مرافق البحر من مرسى المربة " بالتجارب.
استمر حكم الامير سعيد لمدة سبع وثلاثين سنة، وقد ذكر البكري أن البرانس قامو عليه، ثم تغلب عليهم وقتل زعيمهم، فعادوا الى الطاعة
ويظهر ان انتصاره كان بسبب التفاف اهل نكور حوله واعتماده على جنده من الصقالبة. وذكر الن خلدون محاولة من طرف غمارة لخلع الامير سعيد، لكنه تغلب عليهم وقتل من قدموه عليهم وذكر كل من ابن عذاري وابن الخطيب انه في عهد الامير سعيد ومنهم عبد الرحمان الشهيد الذي عاصر ثورة ابن حفصون في جنوب الاندلس، مما يرجح وجود خلل في تحديد شخص الامير سعيد المذكور، خصوصا وان الحميري يقول عن نكور انها " مدينة ازلية افتتحها سعيد بن ادريس بن صالح الحميري او بناها " حيث يظهر ان هناك اميريين يحملان نفس الاسم احدهما هو باني نكور سنة 123، وثانيهما تولى الامارة سنة 215 وتعرضت المدينة في عصره لهجوم المجوس (النورمان) سنة 244، وربما هو الذي ثار عليه البرانس الى ان تغلب عليهم واعادهم الى الطاعة قد يكون اقدمهما حكم مدة 37 سنة! كما عند ابن الخطيب . واذا صح هذا الافتراض فان بترا وقع في تاريخ الامارة يمتد ما يقرب من ثلثي قرن، ونفترض خلال الفترة مابين الربع الاخير من القرن الثاني والثلث الاول من القرن الثالث ان تكون نكور خضعت لأمراء فاس من الادارسة، وتجددت بعد هذا في عهد اميرها سعيد الثاني الذي وقع في عهد هجوم المجوس على نكور سنة 244 كما ذكرنا.
بعد موت الامير سعيد خلفه ابنه صالح، ومن الاحداث في عهده ثورة اخيه ادريس مدعما ببني ورياغل من غربي الامارة وكزيانة من جنوبيتها، وبعدما تغلب على الثائر امر بقتله بنصيحة والحاح من قاسم الوسناني صاحب مدينة صاع والكدية اي تاوريرت. حيث نجا من الوقوع في يد ابن حفصون الثائر على امير قرطبة في الجنوب ، ثم استشهد في احدى الغزوات فعرف بالشهيد.
كذلك امتنع قبيل مكناسة من دفع مغارمهم الى الامير، ثم تراجعو عن ذلك وارسلو اليه مغارمهم، وكانت مواطن مكناسة في حوض نهر ملوية اي في الجنوب الشرقي من الامارة، ربما في المجال الموجود غرب مدينة صا ( تاوريرت)، اما بقية مكناسة جنوب هذا المجال خصوصا في اعالي ملوية فكانت ضمن نفود امارة سجلماسة المدرارية على الارجح. هذه الاشارات قد تثبت امتداد امارة نكور في النصف التاني من القرن الثالث الى قرب ممر تازة حيث يلتقي نفوذها مع نفود الامراء الادارسة جنوبا ويلتقي نفوذها معهم غربا عند حدود قبيلة غمارة الى الغرب من مجال بني ورياغل، اما الحدود الشرقية فيظهر انها كانت تتمدد او تتقلص حسب قوة او ضعف جيرانها الادارسة امراء جراوة الذين كانو يحاولون بدورهم مد نفوذهم نحو تلمسان شرقا ومليلية غربا وصا وما شرقها جنوبا.
بعد ملك دام 28 سنة توفي الامير صالح بن سعيد وخلفه ابنه الاصغر سنا وهو الامير سعيد، مما هيأ التمرد عليه من طرف اخيه عبيد الله واحد اعمامه بدعم الجند الصقالبة الذين ساءت علاقتهم مع الامير، لكنه تغلب على المحاولة بدعم اهل المدينة الذين اخرجو الجند منها الى قلعة تحصنو بها عرفت بقلعة الصقالية. كما قام احد قرابة الامير بتحريض بني يصلاتن ( او بني يصيلتين ) ضده، اكنه انهزم بعد حصاره لنكور، وتراجع شرقا الى بطوية وبني ورتدي، ثم وقعت المصالحة بين الاميرين وانقادت القبائل الى الامير سعيد، الى ان وصل الشيعة الى تيهرت في نهاية القرن الثالث، فأصبح الخطر يهدد الامارات المغربية ومنها امارة نكور
2_ الامارة بين التبعية للعبيديين والامويين والاستقلال 
بعث عبيد الله الشيعي ( المهدي ) الى سعيد امير نكور يدعوه للدخول في طاعته، ولما رفض كلف عامله على تيهرت مصالة بن
حبوس بمهاجمة نكور، فاستولى عليها بسهولة في محرم 305 وانتهى الامر بقتل الامير سعيد، وفرار ابنائه واهله الى مدينة مالقة الاموية الى ان تيسرت لهم ظروف العودة. والملاحظ ان اهل نكور ظلو متمسكين باستقلالهم رغم ضربات العبيدين المتكررة، فاضطرو لتقديم بيعتهم تحت امرائهم من بني صالح للامويين الذين كانو مثلهم على مذهب السنة والمالية ومعادين للعبيديين الشيعة.
وهكذا عندما انصرف مصالة نحو افريقية تاركا عاملا على المدينة، تمكن صالح ( اليتيم ) اصغر ابناء الامير سعيد من العودة من الاندلس والنزول بمرسى تمسامان ( مرسى ) البقر، فالتف الناس حوله وبايعوه ودخلو به مدينة نكور، وقتلو العامل الشيعي، وارسل صالح بيعته للامير عبد الرحمان الناصر الاموي ليجد منه الدعم المادي والمعنوي











الاثنين، 26 نوفمبر 2018

تاريخ الاسلام

تحميل كتاب تاريخ الاسلام
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن سار على منهجه
و بعد
فإن لكل أمة تاريخ تسجله من منطلق عقيدتها وواقع حياتها، وتحرص على تنقيته من كل ما يخالف تلك العقيدة حتى يكون ناصعة منسجمة مع ما تصبو إليه نفوس أبنائها، وما تريد أن تنشأ عليه الأجيال في المستقبل، هذا بالنسبة إلى كل أمم الأرض، إلا الأمة المسلمة فإن تاريخها قد لعبت فيه الأيدي المنحرفة في الماضي، وحفته أقلام المستعمرين وأنصارهم في الحاضر، حتى غدا تبعا لتاريخ الانحراف في الأدوار التي مرت، وشبيها بتاريخ أوربا في العصر الحديث، يتماشى معه، ويتممه على أرضنا التي نحيا عليها، ومع هذا فلم تبدأ الأقلام الحرة بعد تخط التاريخ الإسلامي بشكله النقي.
إن الأمة القوية تحاول أن تفرض لغتها وتاريخها على الأمم الضعيفة أو التي أخضعتها بالسيف، ولقد طغت الدول الأوربية على البلدان الإسلامية خلال القرون القليلة الماضية، وفرضت تاریخها عليها، وحاولت فرض لغتها أيضا، إلا أن وجود القرآن الكريم قد حال دون ذلك بالنسبة إلى اللغة، أما التاريخ فقد بقي يدرس حتى بعد زوال الاستعمار في البلدان الإسلامية، بل ويعلم في أكثر بلدان العالم، يدرس تاريخا أوربية خالصة، وحتى التاريخ المحلي، فإنه يعطى من وجهة نظر أوربا، ذلك لأن الأوربيين كانوا يسيطرون على أكثر أجزاء الكرة الأرضية، وأصبح تاريخهم عالمية حسب مصطلحهم، لأن أكثر الدارسين كانوا يتجهون إلى أوربا يتلقون فيها العلم، ويأخذون منها التوجيه، ومن بين ذلك مادة التاريخ التي حرص عليها الأوربيون حرصا شديدة، وعملوا على توجيهها حسب وجهة نظرهم ومنطلقهم الخاص، وعندما يعود الدارسون إلى مناطقهم التي خرجوا منها، فإنهم يسجلون ما تعلموا، ويدرسون ما أخذوا وما نهلوا، وينشأ الجيل بعد الجيل على هذا التوجيه، وتسطر الكتب، وتصبح مراجع ومصادر لكل باحث جدید .