ظهور حزب الله كقوة سياسية وعسكرية في لبنان ودوره في المقاومة ضد إسرائيل
المقدمة:
يعتبر حزب الله واحدًا من أبرز الحركات السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط، حيث ظهر في لبنان في أوائل الثمانينات، ليشكل قوة محورية في السياسة اللبنانية والإقليمية. منذ تأسيسه، لعب حزب الله دورًا رئيسيًا في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وتحول مع مرور الوقت إلى كيان سياسي مؤثر يمتلك قاعدة جماهيرية واسعة. تطور حزب الله بشكل ملحوظ من مجرد حركة مقاومة إلى قوة سياسية وعسكرية معقدة، مع تأثيرات تتجاوز حدود لبنان لتشمل المنطقة بأسرها. في هذه المقالة، سنستعرض تطور حزب الله كقوة سياسية وعسكرية في لبنان، ودوره الرئيسي في المقاومة ضد إسرائيل.
الخلفيات التاريخية لنشوء حزب الله:
ظهر حزب الله في عام 1982، في سياق متوتر نتيجة الاجتياح الإسرائيلي للبنان الذي بدأ في العام نفسه. كانت إسرائيل تهدف من هذا الاجتياح إلى القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت تتخذ من جنوب لبنان قاعدة لعملياتها. ومع ذلك، أدى هذا الاجتياح إلى خلق فراغ في الجنوب اللبناني بعد انسحاب منظمة التحرير، مما أتاح الفرصة لصعود قوى جديدة في تلك المنطقة.
تأسس حزب الله نتيجة لتلاقي عدة عوامل، منها الاحتلال الإسرائيلي للبنان، والثورة الإسلامية في إيران بقيادة آية الله الخميني عام 1979. حظي الحزب بدعم إيراني منذ البداية، حيث قدمت إيران الدعم المالي والتدريب العسكري لأعضائه. كما تلقت الحركة دعمًا من سوريا التي كانت تسعى إلى تعزيز نفوذها في لبنان بعد الحرب الأهلية.
الأيديولوجية والهيكل التنظيمي لحزب الله:
حزب الله هو حركة شيعية تتبنى أيديولوجية إسلامية قائمة على تعاليم الثورة الإيرانية، ويعتبر ولاءه للولي الفقيه في إيران جزءًا أساسيًا من هويته. يسعى الحزب إلى تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة من قبل إسرائيل، وإقامة نظام سياسي في لبنان يقوم على العدالة الاجتماعية والمقاومة ضد أي تدخل خارجي.
يتمتع الحزب بهيكل تنظيمي قوي، يتكون من جناحين رئيسيين: الجناح العسكري، والجناح السياسي. الجناح العسكري لحزب الله هو المسؤول عن تنفيذ العمليات المسلحة ضد إسرائيل، ويعتبر أحد أكثر الجيوش غير النظامية تطورًا في العالم. أما الجناح السياسي، فقد بدأ يأخذ دورًا أكبر منذ التسعينيات، حيث دخل الحزب المعترك السياسي اللبناني عبر الانتخابات والمشاركة في الحكومات.
المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي:
منذ تأسيسه، كان حزب الله في طليعة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان. بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، بدأ الحزب في تنفيذ هجمات متواصلة ضد القوات الإسرائيلية وقوات جيش لبنان الجنوبي الموالي لإسرائيل. كانت تكتيكات حزب الله تعتمد بشكل رئيسي على حرب العصابات والكمائن، إلى جانب الهجمات الصاروخية ضد المواقع الإسرائيلية.
أحد أهم مراحل الصراع بين حزب الله وإسرائيل كان تحرير جنوب لبنان في عام 2000، حين انسحبت القوات الإسرائيلية بشكل كامل من الأراضي اللبنانية المحتلة بعد 18 عامًا من الاحتلال. كان هذا الانسحاب يُعتبر نصرًا كبيرًا لحزب الله، إذ أثبت الحزب قدرته على مقاومة واحدة من أقوى جيوش العالم وإجبارها على التراجع.
التحول إلى قوة سياسية:
بعد تحرير الجنوب، تحول حزب الله من مجرد حركة مقاومة إلى لاعب سياسي بارز في الساحة اللبنانية. في عام 1992، شارك حزب الله لأول مرة في الانتخابات البرلمانية اللبنانية، وفاز بعدة مقاعد في البرلمان. منذ ذلك الحين، استمر الحزب في تعزيز وجوده السياسي، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من الحياة السياسية في لبنان.
استفاد حزب الله من قاعدته الشعبية الكبيرة، خاصة بين الطائفة الشيعية في لبنان، لدعم موقفه في الحكومة والبرلمان. كما أسس شبكة واسعة من المؤسسات الاجتماعية والخدمية التي تقدم الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية في المناطق الفقيرة، مما عزز من شعبيته ونفوذه.
حرب 2006:
تُعد حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل واحدة من أبرز المحطات في تاريخ الحزب. بدأت الحرب في 12 يوليو 2006، عندما قامت مجموعة من مقاتلي حزب الله بأسر جنديين إسرائيليين بالقرب من الحدود اللبنانية، مما دفع إسرائيل إلى شن هجوم شامل على لبنان.
استمرت الحرب لمدة 34 يومًا، وخلفت دمارًا واسعًا في لبنان، خاصة في الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب اللبناني. ورغم التفوق العسكري الإسرائيلي، تمكن حزب الله من الصمود وشن هجمات صاروخية مكثفة على المدن الإسرائيلية، بما في ذلك مدينة حيفا.
انتهت الحرب بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي دعا إلى وقف إطلاق النار ونشر قوات الأمم المتحدة في الجنوب اللبناني. رغم الدمار الكبير، اعتبر حزب الله الحرب نصرًا استراتيجيًا له، حيث نجح في الصمود أمام الجيش الإسرائيلي ومنع تحقيق أهدافه.
التداعيات الإقليمية والدولية:
لم يقتصر دور حزب الله على الساحة اللبنانية فقط، بل تجاوز إلى الساحة الإقليمية. يتمتع الحزب بعلاقات قوية مع إيران، التي تعتبره أحد أبرز أدواتها في تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط. كما أن الحزب يتمتع بعلاقات وثيقة مع سوريا، التي كانت تقدم له الدعم اللوجستي والسياسي.
في السنوات الأخيرة، تورط حزب الله في الصراع السوري، حيث أرسل قواته للقتال إلى جانب النظام السوري بقيادة بشار الأسد. هذا التدخل أثار الكثير من الجدل في لبنان والمنطقة، حيث رأى البعض أن الحزب يُسهم في تعقيد الأوضاع في سوريا ويعرض لبنان لمزيد من التوترات.
التحديات الداخلية والخارجية:
رغم قوته العسكرية والسياسية، يواجه حزب الله العديد من التحديات. داخليًا، يتعرض الحزب لانتقادات من بعض الأطراف اللبنانية التي ترى أنه يستخدم قوته العسكرية لتحقيق أهداف إقليمية على حساب المصلحة الوطنية. كما يعاني لبنان من أزمة اقتصادية خانقة، تفاقمت بعد الانفجار الكارثي الذي ضرب مرفأ بيروت في أغسطس 2020، مما زاد من الضغوط على حزب الله والحكومة اللبنانية.
خارجيًا، يواجه الحزب ضغوطًا دولية متزايدة، خاصة من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، التي تصنف الجناح العسكري للحزب كمنظمة إرهابية. كما أن إسرائيل تواصل تهديداتها بشن هجمات ضد الحزب، وتتهمه بتطوير قدراته الصاروخية بمساعدة إيران.
حزب الله ومستقبل المقاومة:
على الرغم من التحديات التي يواجهها، يبقى حزب الله قوة أساسية في المشهد اللبناني والإقليمي. يرى الحزب أن مقاومته ضد إسرائيل لم تنته بعد، خاصة في ظل استمرار النزاعات حول مزارع شبعا والتهديدات الإسرائيلية المستمرة. في الوقت نفسه، يسعى الحزب إلى تعزيز دوره السياسي والاجتماعي في لبنان، وتحقيق التوازن بين دوره العسكري والسياسي.
الخاتمة:
حزب الله هو بلا شك واحد من أبرز الفاعلين السياسيين والعسكريين في لبنان والمنطقة. تمكن الحزب من الجمع بين المقاومة المسلحة والعمل السياسي، ليصبح قوة لا يستهان بها في الساحة اللبنانية. دوره في المقاومة ضد إسرائيل أكسبه شعبية كبيرة، لكنه في الوقت نفسه يواجه تحديات داخلية وخارجية تجعل مستقبله غير مؤكد. ومع ذلك، يبقى الحزب قادرًا على التأقلم مع التغيرات في المشهد الإقليمي والدولي، مما يجعله جزءًا لا يتجزأ من المشهد السياسي والعسكري في لبنان والمنطقة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق