تاريخ المماليك

تاريخ المماليك
المحاور:
تقديم: أصل الممالك ومسألة التسمية 
- أصل تسمية الممالك
المحور الأول: نشأة الدولة المملوكية البحرية وأهم الأحداث السياسية التي عرفتها
المحور الثاني: إنتقال الحكم إلى الدولة المملوكية البرجية (الجركسية) 
المحور الثالث: جوانب من التاريخ الحضاري المملوكي 
ـ نظام الحكم
ـ الأسلوب الإداري 
ـ جوانب الحياة الاجتماعية
المراجع والمصادر:
- عبد الرحمان جبارتي: تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار الجزء الأول 
- طقوش محمد سهيل: تاريخ الممالك في مصر وبلاد الشام 
- عاشور سعيد عبد الفتاح: مصر والشام في عصر الأيوبيين والممالك.
العبادي أحمد المختار: قيام دولة الممالك الأولى في مصر والشام.
- هايد فيرناند: تاريخ التجارة في الشرق الأدنى في العصور الوسطى (ترجمة أحمد محمد رضى)
- (مقال) زيادة محمد مصطفى: نهاية السلاطين الممالك في مصر (مجلة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية العدد الرابع 1951)
عروض في المواضيع التالية:
دور المماليك في رد خطر الصليبي. 
دور المماليك في مواجهة خطر التتار والمغول.
مسألة الإستخلاف السياسي عند المماليك.
العلم، الفن والعمارة عند المماليك.
 تقديم: أصل المماليك
عصر المماليك في بلاد مصر والشام: 
الفترة ما بين 1517/ 1250م.
المماليك جغرافيا: 
بلاد مصر الى بلاد الشام في الشمال والشرق الى بلاد الحجاز واليمن في الجنوب والجنوب الغربي.
المماليك زمنيا: 
امتدت دولة المماليك لقرنين ونصف من الزمن على مرحلتين مفصليتين:
المرحلة الاولى: غزو الماغول لبغداد مركز الخلافة العباسية سنة 1258م    
المرحلة الثانية: ظهور الدولة العثمانية في العالم العربي سنة  1517م  
أصل المماليك:
أ- التسمية: 

تشير الى العبيد البيض الذين كانوا فرسانا ومحاربون يؤسرون في الحروب أو أطفالا صغارا يخطفون في غارات لصوصية أو كسبايا حروب، ويتم جلبهم الى الدولة الأيوبية وقبلها الدولة العباسية ويتم تعليمهم على تعاليم الاسلام وتدريبهم في مدارس عسكرية خاصة ليتخرجوا منها قادة وفرسان وجنود مؤهلين.
ب- تربية المماليك: 
يقول لمقريزي: "إن أول المراحل في حياة المملوك هي تعلم اللغة العربية كتابة وقراءة، ثم بعد ذلك يدفع الى من يعلمه القرآن الكريم، ثم يبدأ في تعلم مبادئ الفقه الإسلامي، ولآداب الريعة الاسلامية. ويتم الاهتمام جدا بتدريبه على الصلاة  والأذكار النبوية، ويراقب المملوك  مراقبة شديدة من مؤذبيه ومعلميه".
ثم إذا وصل المملوك الى سن البلوغ، تعلم الفروسية وكل أنواع فنون حرب، كما يتدرب المملوك على أمور القيادة والإدارة ووضع الخطط الحربية والتصرف في الأمور الصعبة. إذا أظهر نبوغا عسكريا ودينيا، فإنه يرقى في المناصب، من رتبة الى رتبة، فيصبح قائدا لغييره من المماليك، ثم إذا نبغ أكثر، منحت له بعض الاقطاعات في الدولة فيمتلكها، وقد يصل الى درجة أمير.
ج- انتساب المماليك:
ينتسب المماليك الى السيد الذي افتداهم بماله ف:
ـ المماليك الصالحية أو البحرية: نسبة الى الملك الصالح أيوب وكانوا يشتهرون بالمماليك البحرية (لانهم يسكنون بجوار البحر) حيث كان النيل يعرف بالبحر. 
ـ المماليك الكاملية: نسبة الى الملك الكامل 
د- مميزات المماليك: 

حُسن الطلعة وجمال الشكل والقوة والشجاعة.
المحور الأول: نشأة الدولة المملوكية وأهم الأحداث السياسية
دولة المماليك البحرية (الدولة الاولى 1250 م/ 1381م) 
الظروف العامة لنشاة الدولة المملوكية الاولى:
ظهرت اول دولة مملوكية في بلاد مصر نتيجة للفوضى وصراع الأمراء الأيوبيين على السلطة، وتدخل المماليك في النزاع القائم بين الأمراء والسلاطين الأيوبيين تبعا لمصالحهم الشخصية ودبروا المؤامرات لعزل الامراء، وقد تأسست هذه المجموعة على يد السلطان الصالح نجم الدين أيوب بعد ان أحس بخطورة المؤامرات على سلطنته، ومعظمهم من الأتراك من بلاد القفجاق وبلاد القوقاز قرب قزوين. كما ساهم انتصارهم على الصليبيين في مدينتي المنصورة وفارسكورد الى تقوية نفوذهم واحساسهم بالتفوق في مصر وفي الوقت الذي وصل فيه ابن السلطان الصالح نجم الدين أيوب المسمى توران شاه الى الحكم أحس بخطورة المماليك على حكمه وقام بإبعادهم وتخلص من كل منافسيه، كما ساءت علاقته بزوجة ابيه شجرة الدر، فطالبها باستيراد أموال أبيه الصالح، مما دفع شجرة الدر الى الاتفاق مع المماليك للتخلص منه وقتل على يد بيبرس البندقداري احد المماليك البحرية وبموت هذا الامير انتهى عهد الدولة الأيوبية في مصر.
1ـ شجرة الدر "أول من ملك مصر من ملوك المماليك" (المقريزي)

اجتمع رأي المماليك على تولية شجرة الدر السلطة،  نظرا للدور القيادي الهام الذي قامت به في الحملة الصليبية السابعة على مصر من طرف الفرنسيين، ولإضفاء الشرعية على حكمها، كانت تصك النقود باسمها والخطباء يدعون لها باسم المستعصمية الصالحية. لكنها لم تسطع الصمود في السلطة اكثر من 80 يوما بسبب رفض أمراء الشام الايوبيين الاعتراف بسلطانها وامتنعوا عن الخضوع للمماليك وأقروا بأنهم اصحاب الحق الشرعي في حكم مصر، وأدت ثورة الامراء الايوبيين في الشام  ضد المماليك الى إدراك المماليك لصعوبة الوضع عليهم وتخوفوا من زوال سلطتهم في مصر فاقترحوا زواج شجرة الدر من الأمير عز الدين اتابك وأن تترك له السلطة.
2- المعز أيبك:
(أيبك: مصطلح يطلق على القائد العام للجيش في الدولة المملوكية)
تولى سلطة الحكم سنة 1250م في ظل تواصل رفض أمراء الشام اغتصاب سلطتهم في مصر، وجرت معركة مهمة بين الطرفين قرب مدينة العباسية الشرقية انهزم فيها الايوبيين، وتميز عصر ايبك بظهور المغول في الشرق واصبح يشكل خطرا على الأيوبيين والمماليك معا مما دفعهما الى توحيد القوى لمواجهته وتم الصلح بين الطرفين سنة 1253م بمبادرة من الخليفة العباسي المعتصم بالله على أساس أن يكون للمماليك أراضي  مصر حتى نهر الاردن اما الأيوبيين فلهم ما وراء ذلك من بلاد الشام.
بروز المماليك البحرية: 
برز المماليك البحرية بشكل قوي بعد معركة المنصورة والعباسية وزاد طموحهم السياسي والعسكري وشكلوا بذلك تهديدا لحكم عز الدين ايبك اضطره معه الى استعمال القوة وقتل اميرهم ، كما واجهته مشكلة زوجته شجرة الدر التي شعرت بالندم على تنازلها عن العرش لصالحه، فحاولت التخلص من ايبك فأرسلت الى الناصر يوسف الايوبي) أمير في الشام ( تخبره عن عزمها التخلص من زوجها والزواج منه ليصبح سلطانا على مصر والشام ، لكن الناصر يوسف امتنع عن عرضها، لكن ذلك لم يمنعها من تنفيذ خطتها للقضاء على ايبك وحرضت الخدم على قتله خاصة بعد ان علمت عزمه الزواج من ابنة بدر الدين  لؤلؤ صاحب الموصل، وقد تم لها تحقيق ذلك وتخلصت من ايبك، الا ان مماليكه لم يسكتوا وانتقموا لسلطانهم وقتلوا شجرة الدر عام 1257م واصبحت بذلك مصر بدون سلطان  يحكمها. 
3- علي بن أيبك:

ادت وفاة ايبك وشجرة الدر الى احداث فراغ سياسي في الدولة المملوكية، الى ان توصل المماليك الى اختيار علي بن ايبك عام 655 هـ 1257م وتلقب بالمنصور وعمره لا يتجاوز 15 سنة، واختير سيف الدين قطز اتابكا له.
استيلاء المغول على عاصمة الخلافة العباسية
غزى المغول العراق سنة 656هـ/1258م وقتلوا الخليفة العباسي المستعصم بالله ومارسوا القتل والسلب وكل اشكال التدمير الحضاري ونتيجة لهذا الحدث البارز تطلع المغول الى الزحف شمالا وغربا على ابواب الشام، وحاول الناصر يوسف (ملك ايوبي في الشام) التحالف مع هولاكو قصد نزع بلاد مصر من يد المماليك،  فكان لابد من سلطان قوي يقود دولة المماليك في ظل التحديات الصعبة التي تواجهها فاستغل قطز هذا الوضع وعزل الملك علي بن ايبك عام 1269م بحجة صغر سنه وعجزه عن قيادة المماليك في ظل الاخطار التي تحدق بها.
4- فترة حكم قطز
عرفت فترة سيف الدين قطز من تاريخ المماليك احداث عديدة تميزت بمواجهات عسكرية بين المماليك والمغول الذين توغلوا في بلاد الشام واحتلوا بكر ثم مدينة حلب ومن تم مدينة دمشق الى غيرها من مدن الشام،  فمارسوا كل انواع النهب والقتل والسبي، كما قام هولاكو بإرسال خطاب يهدد فيه سيف الدين قطز ويطلب منه الاستسلام لكن قطز رفض ورد عليه بقتل رسله وتعليق رؤوسهم بباب زويلد بالقاهرة، ثم أرسل قائد جيشه بيبرس الى غزة فدخلها وهرب المغول منها وزحفوا الى الساحل  نحو طبرية، واستغل سيف الدين قطز مغادرة هولاكو نحو اسيا الصغرى، وتحرك والتقى المغول قرب بيسان في فلسطين حيث دارت احدى اشهر معارك تاريخ الاسلام (عين جالوت) سنة 658هـ/ 1260م التي انتهت بانتصار المماليك على المغول  بقيادة قطز، وكان لنتائج هذه المعركة ان انقدت  مصر من والعالم الاسلام من المغول وجعلتهم يقفون عند حدود العراق، وتميزت فترة حكم قطز بضم بلاد الشام الى دولة المماليك ودان له بالولاء الامراء هناك.
5- فترة حكم الظاهر بيبرس
ظروف وصول الظاهر بيبرس الى الحكم: 
تمكن القائد بيبرس من القضاء على قطز بعد ايام من معركة عين جالوت بعد ان رفض هذا الاخير تسليم بيبرس مدينة حلب كما سبق ان وعده بذلك تقديرا لجهوده ضد المغول، وبويع الظاهر بيبرس من قبل الامراء وعلى رأسهم الامير فارس الدين اقطاي قرب مدينة الصالحية اثناء عودة الجيش المملوكي الى القاهرة.
واتجه بيبرس الى القاهرة واطلق على نفسه لقب الظاهر وفي اولى قراراته قام بتخفيف الضرائب على شعبه وأعلن العفو عن السجناء وارسل الى الامصار للاعتراف بسلطته، ورغم سيطرته على الاوضاع فقد واجهته ثورة الامير عز الدين سنجر الحلبي (والي دمشق زمن السلطان قطز) لكن بيبرس بعث بحملة عسكرية نجحت في القضاء على ثورة سنجر، وضم دمشق من جديد الى دولة المماليك سنة 659هـ/1261م، كما قام بيبرس بإخماد ثورة الكوراني الذي كان يهدف الى احياء الخلافة الفاطمية في مصر.
احياء الظاهر بيبرس للخلافة العباسية: 

ارسل بيبرس في طلب ابو القاسم احمد بن الظاهر بامر الله وهو أحد أمراء البيت العباسي، ووصل الى القاهرة 659هـ / 1261م وتم عقد اجتماع على شرفه حضره العلماء والقضاة والأمراء الكبار، ثم قام السلطان بيبرس بمبايعة الأمير العباسي أمام الجميع باعتباره خليفة السلطة الشرعية في العالم الاسلامي ولُقب بالمستنصر بالله على أن يفوض للظاهر بيبرس مقاليد سلطة حكم الدولة المملوكية، وبذلك نجح الظاهر في تأكيد شرعية حكمه أمام المماليك البحرية أولا والشعب المصري ثانيا. وبعد أن تمكن بيبرس من مراده واكتسب الصفة الشرعية أقدم على تدبير مكيدة للخليفة العباسي أدت بمقتله بعد ان أحس بأن الخليفة العباسي ينافسه على السلطة، ولإضفاء شرعية جديدة على حكمه قام باستقدام أميرا عباسيا آخر يدعى احمد بن الحسن وبايعه على أن يفوض له إدارة الشؤون العامة للدولة المملوكية.
الظاهر بيبرس وعلاقته بالصلبيين
تحولت علاقة المماليك والصليبيين في عهد الظاهر بيبرس من مهادنة الى عنف نتيجة تعاون الصليبيين مع مغول فارس ضد السلطة المملوكية مستغلين وضعهم الجغرافي الذي أتاح لهم معرفة تحركات الجيش المملوكي في مصر والشام وابلاغ المغول بها، اغضب هذا التصرف الظاهر بيبرس ودفعه الى اعلان الحرب على الصليبيين سنة 1268م والاستلاء على عدة مناطق وتحطيم معنويات الصليبيين وطالبوا بهدنة، شأنهم شأن الملكة ايزلبيلا حاكمة بيروت التي طالبت بهدنة لمدة 10 سنوات بدء من سنة 1268م، وفي سنة 1270م استولى الظاهر بيبرس على مدينة طرابلس أهم إمارة صليبية قبل ان يجبر على الخروج منها والعودة الى مصر بعد حملة لويس التاسع ملك فرنسا التي هددت مصرمعقل المماليك، وقد عرفت مدينة طرابلس فيما بعد هجمات متعددة من  بيبرس  نظرا لأهميتها من الناحية الاستراتيجية.
بيبرس ومملكة النوبة المسيحية في النيل: 
كانت هذه المملكة خاضعة لمصر الا انها بدأت تهاجم المماليك على الاراضي المصرية مستغلة انشغال بيبرس في حروبه على المغول والصليبيين، وفي سنة 1273م أرسل بيبرس حملتين الى بلاد النوبة نجحتا في دحر وأسر ملكها داوود وأسره وفرض الجزية عليه، وبذلك استطاع المماليك بسط سيطرتهم في البحر الأحمر.
الظاهر بيبرس والمغول:

استمر الصراع على النفوذ بين بيبرس ومغول فارس منذ موقعة عين جالوت، ورغم هزيمة المغول في هذه المعركة فان تحالفهم مع الصليبيين بات يهدد استقرار دولة المماليك من جديد، ما دفع الظاهر بيبرس الى التحالف مع مغول القفجاق في شخص قائدها بركة خان الذي دخل الاسلام، ورغم وفاة هولاكو سنة 1265م لم يمنع هذا مغول فارس بقيادة الخان الجديد ابغا من الاستمرار في سياستهم التوسعية على حساب المماليك ومحاولة الاستيلاء على القدس بمساعدة الصليبيين، لكن الخان الجديد انهزم واضطر لعقد الصلح والخضوع لبيبرس. وفي سنة 1272م لاحق بيبرس المغول عبر الفرات وانتصر عليهم وقتل حاكم بلاد اسيا الصغرى في الشمال، ثم دخل قيصرية عاصمة سلاجقة الروم وجلس على عرشها.
نظام البريد في عهد بيبرس: 
عرفت مرحلة بيبرس نظاما بريديا متكاملا سمح له بالاطلاع على احوال مملكته الممتدة من الفرات الى النوبة ،وعرف هذا النظام بدرجة عالية من الفاعلية حيث كانت الرسالة تصل من القاهرة الى دمشق في ظرف ثلاثة أيام فقط.
القوة العسكرية لبيبرس:
أنشا بيبرس دور(جمع دار) لصناعة السفن في الفسفاط وجزيرة الروضة في نيل القاهرة وفي الاسكندرية ودمياط ، وتمكن من توفير اسطول قوي لضمان النجاح لعملياته العسكرية البرية من ناحية ، ولحماية شواطئ  البلاد من غارات الصليبيين المحتملة، وقد حرص  بيبرس على الاكثار من شراء المماليك من بني جنسه القفجاق وذلك لتعزيز جيشه حتى بلغ 40 الف فارس وهو عدد ضخم بمقاييس ذلك الزمن، الشيء الذي ساعده في تحقيق تلك الانتصارات كما تم تفصيله.
 المحور الثاني: انتقال الحكم الى الدولة المملوكية البرجية (الجركسية):
دولة المماليك البرجية: (1382م/1517م)
1ـ ظهور المماليك الجراكسة وظروف وصولهم الى السلطة:

ينتمي المماليك البرجية الى العنصر الجركسي من المنطقة الواقعة شمال أرمينية بين البحر الاسود وبحر الخزر وتعرف اليوم بدولة جورجيا في منطقة القوقاز. وقام السلطان المنصور سيف الذين قلاوون (1279 م/ 1293م) بالإكثار من شرائهم والاعتماد عليهم وأسكنهم في أبراج القلعة في القاهرة، ولذا عرفوا بالبرجية. وسار الأشرف خليل بن قلاوون على نهج أبيه في الاستكثار من الجراكسة وألزمهم بالنظام والطاعة فكان يسمح لهم بالنزول من القلعة نهارا قصد الإختلاط بالمصريين وحياتهم والطوائف الاخرى من المماليك، ويلزمهم بالمبيت في القلعة، وسار اعتماد السلاطين من ذرية قلاوون على جلب الجراكسة وخاصة محمد الناصر الذي جعل عدد كبير منهم يرتقي الى درجة أمير، وهذا ما زاد من نفوذهم وطمعهم في السلطة، وحين فشل في صد أطماعهم تنازل عن العرش وفر الى حصن الكرك، وعلى إثر ذلك اعتلى بيبرس الجاشنكير عرش السلطنة ليكون أول سلاطين الدولة المملوكية الجركسية، التي استمرت في حكم البلاد 134 عاما توالى فيها على عرش البلاد 25 سلطانا في ظروف اتسمت باهتزاز مكانة السلطان وأصبحت بيد الأمراء الذين يولون السلاطين ويعزلونهم أو يقتلونهم في أغلب الأحوال.
2- فساد النظام السياسي في عهد الجراكسة: 
تجلى هذا الفساد في مبدأ (الحكم لمن غلب) مما أدى الى ضعف الأسس التي قام عليها النظام السياسي الملوكي واستعاضة السلاطين والأمراء عن المماليك الأطفال الذين كانوا يخضعون لنظام صارم من التربية والتدريب بمماليك من الشباب اليافع (الجلبان او الاجلاب) وكان لهذا التطور ان أضعف الرابطة الاستاذية التي كانت تربط المماليك وسيدهم، كما تخلخلت أواصر الخشداشية، أي الزمالة التي تجمع بين المماليك في طائفة بعينها من طوائف المماليك، وقد أدى هذا التغيير في تربية المماليك الى الكثير من حوادث الشغب والاضطراب وحروب الشوارع التي كانت طرقات القاهرة وأزقتها مسرحا لها وقلت فرص السيطرة على حركتهم، ونتج عن هذه الاوضاع تدهورا سياسيا وأمنيا.
3 ـ سلاطين الدولة المملوكية البرجية وخطر المغول:
واصل المغول تهديداتهم للدولة المملوكية في عهد الدولة البرجية  بقيادة  قائدهم تيمور لنك الذي انطلق من مدينة سمرقند وجعلها قاعدة لعماليته العسكرية، وسيطر على بلاد ما وراء النهر وخرسان وطبرستان الى مدينة تبرير في ايران سنة 1368م ثم استولى على بغداد سنة 1394م واقترب كثيرا من حدود الدولة المملوكية، وارسل تيمور لنك رسالة يهدد فيها سلطان المماليك برقوق الذي بادر بقتل الرسل واستعد للقتال (حدى حدو قطز) وتمكن برقوق من طرد المغول من بغداد وأعلن بذلك حاكم بغداد تبعيته لسلطان مصر، لاكن تيمور لنك استعاد بغداد مرة اخرى سنة 1399م عقب وفاة السلطان برقوق واستمر الصراع مع المغول في عهد ابنه الناصر فرج الذي كان في العاشرة من عمره، وهزمه المغول في معركتين كبيرتين في حلب ودمشق سنة 1400م واستمر هذا الوضع الى ان توفي تيمور لنك في سمرقند سنة 1405م. 
4ـ سلاطين الدولة المملوكية البرجية (الجراكسة) والصليبيون:
عرفت مرحلة السلطان الأشرف بربساي (1422/1438م) أهم حدث على هذا المستوى، حيث ان طول مدة حكم هذا السلطان مكنته من القيام بمشروع عسكري كبير، وهو غزو جزيرة قبرص بعد ان كانت قاعدة عسكرية بحرية للصليبيين ضد المسلمين حين قام ملكهم لوزحنان من الاستيلاء مركبين من مراكب المسلمين، وعلى الفور شن الاسطول المصري ثلاث حملات 1424ـ 1425ـ 1426م على التوالي مكنت بربساي من اخضاع قبرص، أسر ملكهم وتخلص نهائيا من المتاعب التي كان يسببها بقايا الصليبيين في هذه الجزيرة. وقد حقق هذا الانتصار نجاحا سياسيا للسلطان برسباي على المستوى الخارجي يعوضه عن الفشل السياسي في الداخل حيث كانت أحوال البلاد والعباد في تدهور مستمر بسبب كثرة الضرائب وانتشار الأوبئة والمجاعات. 

وفي عهد السلطان الظاهر جقمق (1438 ـ 1453م) تم غزو جزيرة رودس التي كانت مركزا هاما للصليبيين بعد ان طردوا من فلسطين، الى ان تعهد الاسبتارية بعدم العدوان على السفن التجارية الاسلامية العاملة في البحر المتوسط.
5ـ انحطاط الدولة المملوكية ونهايتها على يد العثمانيين:
عرفت المراحل الأخيرة من عصر الدولة المملوكية تعاقب عدد من السلاطين على عرش البلاد، مما يعكس تدهور واضطراب البلاد في شتى المجالات، وانتهت حياة معظم السلاطين بالقتل او السجن، وبات كرسي السلطنة خطرا يتهرب منه الجميع وأدل على ذلك ان قونصوه الغوري (اقوى أمراء زمانه) رفض العرش حين عرضه الامراء عليه سنة 1501م (سحبوه واجلسوه وهو يمتنع من ذلك ويبكي وحين ألحوا عليه اشترط عليهم الا يقتلوه، وان يصرفوه بالمعروف ان ارادوا عزله "ابن ياسين بدائع الزهور")، وعلى الرغم من قوة وصلابة شخصية قونصوه الغوري وطول مدة حكمه فإن ذلك لم يمنع دولة السلاطين ان تمضي الى مصيرها المحتوم في ظل التدهور الداخلي والأخطار الخارجية، التي تمثلت في البرتغاليون الذي اكتشفوا طريق رأس الرجاء الصالح سنة 1497م، وشكلوا خطرا على البحر الاحمر وتوسعوا في الهند سنة 1500م مما قلل من الدور العالمي للتجار المسلمين ودولة المماليك التي كانت تستفيد كثيرا من تجارة العبور عبر مصر، وكان إقدام قنصوه الغوري على إرسال أسطول بحري لمساعدة قوات مسلمي الهند لصد البرتغاليين وانهزامهم في معركة ديو البحرية أثر كبير في انهيار قوة المماليك، وبدأ التغلغل الأوروبي يصل مداه حين هاجم البرتغاليون عند مدخل البحر الاحمر سنة 1513م.
وفي الشمال بدأ العثمانيون في الظهور على مسرح الأحداث في المنطقة منذ النصف الاول من القرن 14م، بعد ان أخرجتهم غزوات تيمور لنك من خرسان الى آسيا الصغرى، وانشئوا بها دولتهم واتخذوا مدينة بروسة عاصمة لهم، وتمكنت الدولة العثمانية من بسط سيطرتها على آسيا الصغرى بأكملها والاستيلاء على القسطنطينية سنة 1453م لكي تضع بذلك نهاية لتاريخ الامبراطورية البيزنطية، وبذلك اقتربت حدود الدولة العثمانية من حدود الدولة المملوكية مما أوجد نقطة احتكاك بين الطرفين، لكن ذلك لم يمنع تحالفهما ضد الخطر البرتغالي وصد غارات تيمور لنك على حدود الدولتين وصد غارات الصليبيين ومشاريع أوروبا لإحياء الحركة الصليبية. من ناحية أخرى، بدأ تنافس بين الدولتين بسبب حدودهما المشتركة.

 المحور الثالث: جوانب من التاريخ الحضاري المملوكي
المماليك

تعليقات