الأربعاء، 3 يوليو 2019

وحدة تاريخ المغرب الحديث السعديون المحاضرة التانية

الأسس المادية لقيام السعديين:
بعد بيعة محمد القائم بالله سنة 1510 م من طرف القبائل السوسية اشترط عليها ان تسلمه كل قبيلة عشرة اشخاص من ابنائها مجهزين باسلحة ، فاجتمع له 500 رجل و بعد بيعة ابنه احمد الاعرج بادر السعديون الى القيام بعمليات الجهاد لتحرير السواحل المغربية من الاحتلال الايبيري . و قد استغل احمد الاعرج مؤهلات المنطقة الزراعية و التجارية للحصول على الاموال اللازمة لشراء الاسلحة و تمويل الجيش الذي تزايد عدده و إضافة الى هذه الموارد اولى السعديون عناية كبيرة لمسألة الجباية كأحد و ابرز الاسس الاقتصادية لخلق توازن مالي للقيام بالجهاد اذ كان لا بد من البحث عن الموارد المالية لتمويل النفقات العسكرية و هذا ما فعله محمد القائم بامر الله بمجرد البيعة بادر الى جمع المال لتجنيد الجنود و ممارسة الجهاد الذي ظل حاضرا و مستمرا طيلة فترة حكمهم حتى بعد تمكنهم من السلطة فقد وظف هذا الشعار لتبرير الحصول على الاموال و اضفاء طابع المشروعية على النظام الجبائي.
تذكر أغلب المصادر أن الضرائب التي كان يحصل عليها محمد بن عبد الرحمان و ابنه احمد الاعرج كانت شرعية اي مقتصرة على الزكوات و الاعشار لكن بعد اتساع المجال الذي اصبح يتحكم فيه السعديون و ما يتطلبه هذا المجال من مصاريف ، جعل محمد الشيخ يفرض ضريبة النائبة على شريحة من المجتمع كانت معفاة منها و هي الاولياء و الصلحاء و الشرفاء . فضريبة النائبة ظهرت منذ عهد محمد بن عبد الرحمان ، فاول من من اداها له السوسيون بعد مبايعتهم له و كانت عبارة عن بيضة دجاجة لكل كانون(اسرة) ثم اصبح بديل البيضة درهم و بذلك ظهرت أول نائبة في الدولة السعدية حسب الناصري في الاستقصا، ج 5، ص8 .
و قد كانت تؤدى النائبة حسب عدد الافراد الذين يتكون منهم الكانون لا حسب ما ينتج الكانون اي لا تضع المحصول هو الاساس بل تعتبر فقط عدد الافراد.
إن الاجراء الذي اتخذه محمد الشيخ بفرض النائبة على فئة من المجتمع كانت معفاة (العلماء، الفقهاء، الشرفاء....) يدل على ان السعديين بدؤوا يبحثون على كل الوسائل لتقوية مركزية دولتهم خاصة بعد القضاء على آخر سلطان وطاسي سنة 1554 م هذا من جهة و من جهة اخرى يدخل فرض النائبة على الزوايا ضمن خوف محمد الشيخ من هذه الفئة التي اصبحت لها تاثيرات عميقة على المجتمع اضافة كما يقول الباحث الفقيه الادريسي ان الظرفية التي كان يعيشها المغرب جعلته لا يراعي التوافق بين الممارسة السياسية للدولة و مرجعيتها الدينية .
أما رد فعل الاولياء و المتصوفة فكان عنيفا ، إذ رفض البعض منهم أداء النائبة مما جعل محمد الشيخ يستعمل القوة لردع هؤلاء عن طريق التقتيل و الترحيل و تخريب الزوايا و يلاحظ ان حلفاء الامس من الاولياء و المشايخ و الزوايا هم من بادر الى اعلان الثورة و الخروج عن الطاعة حينما شعروا بخطورة الاجراءات الجبائية و ما لها من انعكاس على مواردهم الاقتصادية و الكل يعلم ان ممتلكات الزوايا و مصالحها كانت كبيرة و انها كانت تستفيد دون مقابل و أن السلاطين كانوا يصدرون اوامرهم لحماية هذه الاملاك بظهائر و توقيرات و رغم الصرامة التي اظهرها محمد الشيخ اتجاه الزوايا فانه لم يتمكن من الحد من ثوراتهم التي استمرت حتى بعد وفاته على عهد ابنه عبد الله الغالب . إلا ان هذا التوتر سيحل محله تقارب بين عبد الله الغالب و الزوايا و لكن ليس بسبب حذف النائبة و انما بسبب الجهاد ضد الاتراك الذين كانت لهم محاولة الهجوم على مدينة فاس ثم صد هجومات الاسبان و البرتغال و ان كان سيقع جفاء من جديد بين عبد الله الغالب و رجال الزوايا عندما تخلى للاسبان عن حجر باديس سنة 1564 م


3- الصراع الوطاسي السعدي:
تفيد الاشارات التاريخية على ان العلاقات الوطاسية السعدية في عهد محمد بن عبد الرحمان عرفت نوعا من الاستقرار و التعاون في مجال الجهاد ، و من المؤكد ان هذا التعايش استمر حتى بعد وفاة محمد بن عبد الرحمان فقد تمكن السعديون من الحصول على اذن من السلطان الوطاسي للقيام بالجهاد في جنوب المغرب و قد منحتهم هذه العملية قوة و مكانة و شعبية داخل المجتمع المغربي خاصة عندما حققوا مجموعة من الإنتصارات على المحتلين للسواحل المغربية الشيء الذي عجز عن تحقيقه الوطاسيون و نتيجة هذا الوضع اصبح السعديون يشكلون اقوى منافس للوطاسيين على المستوى الجهادي بل حتى على المستوى السياسي و هذا سيظهر من خلال الصراع و التوتر اللذين طبعا العلاقات بينهما .
إن الحدث السياسي الذي وتر العلاقات بين الوطاسيين و السعديين هو استيلاء هؤلاء على مراكش سنة 1521 م . إذ ابان ذلك عن طموحات السعديين السياسية . و قد دفعت هذه الحرب الطرفين الى التفاوض مع المحتل البرتغالي إما لطلب العون كما هو الشأن بالنسبة للوطاسيين أو لعقد هدنة لمدة ثلاثة اشهر بالنسبة للسعديين . بعد هذه الاحداث خرج السلطان الوطاسي محمد البرتغالي ( امه كانت برتغالية) نحو مراكش التي حاصرها مما جعل احمد الاعرج ينسحب من مراكش ما بين سنتي 1523-1524 م ثم يعود اليها بعد ان عزز جنده بقبائل اخرى هم قبائل: المغافرة و السباعيين و دخل مراكش و قتل حاكمها و حتى يتفرغ احمد الاعرج لتهدئة الاوضاع بالمدينة بعد حالة الاستياء التي خلفها اغتيال حاكمها و حتى لا يثير غضب السلطان الوطاسي فانه عقد معه هدنة و بعث له سفارة على فاس مخبرا اياه انه يستمر في ولائه و انه سيدفع له الضرائب مقابل الاعتراف بهم كامارة . الا ان هذه العلاقة لم تدم طويلا إذ سرعان ما توقف السعديون عن اداء الضرائب لحكام فاس تحت ذريعة انهم شرفاء و انهم احق بحكم المغرب و انهم يمارسون الجهاد .

السعديون
تاريخ المغرب الحديث

و على اثر ذلك اندلعت الحرب مرة اخرى بين السعديين و الوطاسيين اذ حاصر احمد الوطاسي مدينة مراكش سنة 1527 م لكن هذا الحصار لم يستمر طويلا لوصول مساعدات عسكرية من تارودانت قادها محمد الشيخ السعدي و لاندلاع ثورة بفاس ضد احمد الوطاسي مما اضطره الى فك حصاره عن مراكش و الرجوع الى فاس لتهدئة الاوضاع.
للرجوع الى المحاضرة الاولى اضغط هنا
لتتمة المحاضرة اضغط هنا


0 التعليقات:

إرسال تعليق