الأربعاء، 3 يوليو 2019

وحدة تاريخ المغرب الحديث السعديون المحاضرة الثالثة

تاريخ المغرب الحديث السعديون المحاضرة الثالثة

إن انشغال الوطاسيين بتهدئة الثورات التي كانت تندلع في فاس ساعدت السعديين على توسيع مجالهم الذي شمل عدة مناطق منها تارودانت و حاحا و سوس و درعة . و نظرا لتطلعات السعديين للاستيلاء على تادلة فان احمد الوطاسي جهز حملة عسكرية في سنة 1530 م لمحاصرة السعديين بمراكش و قد دارت الحرب بين الطرفين عند انماي ( تقع في طريق مراكش و تادلة على وادي تساوت احد روافد نهر ام الربيع) إلا أن تدخل العلماء و الصلحاء اوقف الحرب التي انتهت بعقد صلح بين الطرفين في سنة 1531 م و قد نص هذا الصلح على بندين هما :
أولا : قسمة البلاد على اساس ان ما كان من نهر ام الربيع الى سوس اضافة الى درعة فهو للسعديين و ما كان من نهر ام الربيع الى تادلة اضافة للسجلماسة فهو للوطاسيين.
ثانيا : ضمان حرية التجارة بين القسمين على اساس تعويض طرف لما يضيع من السلع و المال في دائرة حكمه ( مؤرخ مجهول : تاريخ الدولة السعدية ص 7 )
و بهذا الصلح حصل السعديون على مكسبين هما : 
أ- امتداد المجال الترابي
ب- اعتراف الوطاسيين و من معهم من العلماء بهم كقوة تحكم نصف البلاد .
لكن الملاحظ هو ان السعديين لم يحترموا بنود هذا الصلح اذ ظلوا يدعون الناس لبيعتهم و طاعتهم و يستقطبون القبائل و قادة الجيش الوطاسي كما ظلوا يطمعون في الاستيلاء على تادلة .
و كانت نتيجة هذه الخروقات أن قامت الحرب بين الطرفين سنة 1536م مني خلالها الوطاسيون بهزيمة في مشرع بوعقبة و انتهت المعركة بعقد صلح استفاد منه السعديون اذ ضموا اليهم منطقة تادلة . غير ان الصلح لم يستمر طويلا ، فأحمد الوطاسي ظل يشن هجمات لاسترجاع منطقة تادلة . و يلاحظ انه بعد معركة بوعقبة تمركز الصراع حول منطقتين حيويتين هما تادلة باعتبارها ممرا استراتيجيا نحو مراكش ، و منطقة تافيلالت باعتبارها محطة للقوافل التجارية الصحراوية .
ابتداء من سنة 1538م ازدادت الاحوال سوءا و توترا بمدينة فاس حيث انعدم الامن كما زادت تخوفات احمد الوطاسي بعد ان اصبح السعديون على مقربة من حاضرة فاس و امام تزايد قوتهم و ممارستهم الجهاد اضطر الوطاسي الى عقد هدنة مع البرتغال . و زادت شعبية السعديين عندما تمكنوا من تحرير حصن سانتا كروز ( اكادير حاليا ) في سنة 1541م ثم انسحاب البرتغاليين من نفس السنة من ازمور و اسفي.
بعد انتهاء الصراع بين احمد الاعرج و محمد الشيخ حول السلطة و ذلك بانتصار هذا الاخير ستندلع الحرب من جديد بين الوطاسيين و السعديين فعرفت سنة 1545م معركة بين الطرفين بوادي درنة ( احد روافد أم الربيع ) انتهت بهزيمة أحمد الوطاسي و سجنه و بقاءه رهينة عند محمد الشيخ الى غاية 1547م . و امام هذا النزاع السياسي بادر اهل فاس الى بيعة ابن احمد الوطاسي و هو محمد القصري و بعد معركة درنة بدأ السعديون يهددون مدينة مكناس التي تعرضت لهجوم سنة 1546م و كاد يسيطر عليها محمد الشيخ لولا ايقافه الحصار بعد ثورة اخيه احمد الاعرج عليه و سيطرته على مراكش مما جعله يتوجه الى الجنوب لانقاذ الموقف.
و قد حاول محمد الشيخ استغلال وجود احمد الوطاسي كرهينة لديه للحصول على مناطق متعددة من مملكة فاس . و بالفعل نجحت الخطة السعدية في الضغط على الوطاسيين فعقد اتفاق معهم في 22يوليوز 1547م و كانت نتيجة هذا الاتفاق حصول محمد الشيخ على مكناس و سلا و القصر الكبير و تطوان و شفشاون مقابل اطلاق سراح السلطان الذي احتفظ فقط بفاس و تازة . الا ان الوطاسي لم يحترم هذا الاتفاق و دخل في حرب مع محمد الشيخ على نهر سبو في سنة 1548م انتصر فيها على محمد الشيخ . و رغم هذا الانهزام فإن محمد الشيخ واصل حربه من اجل القضاء على الوطاسيين و الاستيلاء على فاس و فعلا تمكن من ذلك سنة 1549م بعد حصار المدينة و تجويعها و شراء ذمم بعض اهلها الذين يسروا له دخولها . فقبض على احمد الوطاسي و اسرته كما قام باغتيال المفتي عبد الواحد بن احمد الونشريسي الذي ظل متشبثا ببيعة الوطاسيين في حين فر ابو حسون الوطاسي الى باديس ( شمال المغرب على الساحل المتوسطي) و منها الى شبه الجزيرة الايبيرية ) لطلب النجدة و تمكن من الحصول على مساعدة برتغالية الا انه اثناء عودته تم القبض عليه من طرف الاتراك ( قرصنة بحرية ) الذين نقلوه الى الجزائر فدخل معهم ابو حسون في مفاوضات من اجل مساعدته لاسترجاع عرش اجداده .و قد وافقه السلطان سليمان القانوني على ذلك و خرجت الحملة التركية برفقة ابي حسون من تلمسان سنة 1553م و تمكنت من الدخول الى فاس في يناير 1554م الا ا ن ابا حسون لم يمكث بفاس الا ثمانية اشهر لان محمد الشيخ تمكن من الدخول اليها في شهر شتنبر من نفس السنة بعد قتل ابي حسون .


الاوضاع بالمغرب بعد وفاة احمد منصور السعدي
1- ازمة الحكم السعدي و تصارع ابناء احمد المنصور:
سنحاول في هذه الدراسة تحليل اوضاع المغرب في بداية القرن السابع عشر الميلادي ، اي بعد وفاة احمد المنصور و التساؤل حول بعض القضايا و الاسباب الجوهرية و العميقة التي ساهمت في هذه الازمة مثل مشكل البيعة و السياسة المتبعة من طرف السلاطين و دور العلماء كطرف في هذه الازمة و مدى تأثير الوضع السياسي على الاقتصاد و على المجتمع .
لقد عاش المغرب فترة استقرار و ازدهار خلال حكم الدولة السعدية التي تمكنت من استرجاع بعض الثغور من يد البرتغاليين و الاسبان و زاد الوضع تحسنا في عهد احمد المنصور الذي اخضع كل البلاد تحت حكمه بعد الانتصار في معركة وادي المخازن سنة 1578م هذا الانتصار الذي عزز مكانة المغرب بين الدول الاوربية فربطت معه علاقات ديبلوماسية و تجارية خاصة بعد غزو احمد المنصور بلاد السودان سنة 1591م لكن بعد وفاة هذا السلطان سنة 1603م بالطاعون دخل المغرب سلسلة من الاضطرابات دامت تقريبا 60 سنة من سنة 1603 الى 1666م اي سنة دخول المولى الرشيد الى مدينة فاس .
فأحمد المنصور لم يكن قد بت في مسألة ولاية العهد خاصة بعد ان ثار عليه ابنه الشيخ المامون الذي كان خليفته في مدينة فاس و ولي عهده ، فقبض عليه و سجنه بمكناسة و عين المولى زيدان على مدينة فاس . و بعد وفاة احمد المنصور بايع علماء فاس المولى زيدان و لما سمع المراكشيون بالخبر بايعوا ابا فارس الذي كان الخليفة الرسمي للسلطان بمراكش . و زاد من تأزم الوضع فتوى علماء فاس بوجوب قتال المراكشيين عملا بالحديث النبوي " اذا بويع لخليفتين فاقتلوا الاخر منهما " فالتقا الجيشان عند ضفة نهر ام الربيع و تمكن ابو فارس بمساعدة اخيه محمد الشيخ المامون بعد ان اخرجه من السجن من الانتصار على زيدان الذي فر عند الاتراك في تلمسان . أما الشيخ المامون و بعد ان احس بقوة جانبه اعلن نفسه خليفة و اخذ البيعة من علماء فاس و بعد احتدام الصراع بينه و بين إخوته حول السلطة و بعد انهزامه في فاس فر الى اسبانيا لطلب المساعدة من فيليب الثالث مقابل تسليم هذا الاخير مدينة العرائش سنة 1610م.
و تذكر المصادر انه كاتب علماء فاس يسألهم عن مشروعية ما فعل و يذكرها الافراني في كتابه " نزهة الحادي " لما وغل في بلاد العدو الكافر و اقتحمها كرها باولاده منعوه من الخروج من بلادهم حتى يعطيهم ثغر العرائش ، و انهم ما تركوه خرج بنفسه حتى ترك لهم أولاده رهنا على ذلك . فهل يجوز له ان يفدي أولاده من ايدي الكفار بهذا الثغر أم لا ؟ فأجاب جلهم بالقبول و بأن فداء المسلمين سيما أولاد أمير المؤمنين سيما أولاد سيد المرسلين صلى الله عليه و سلم من يد العدو الكافر باعطاء بلد من بلاد الاسلام له جائز و إنا موافقون على ذلك . فوافقه بعض العلماء خوفا على انفسهم في حين فر عدد منهم من فاس لعدم قبولهم لهذه الفتوى و إلتجأ البعض منهم الى زاوية الدلاء و هناك من العلماء الذين انكروا ذلك علانية على المامون و هو الشيخ محمد بن علي الأغصاوي ، فكان رد فعل المامون عنيفا عندما ارسل اليه اعوانه فقتلوه ضربا . و قد كان تسليم العرائش للاسبان سببا في قيام موجة من الغضب الشعبي انتهت بقتل الشيخ المامون سنة 1613م من طرف محمد بن ابي الليف بضواحي مدينة تطوان كما ان اخاه ابا فارس قتل قبله خنقا.
يلاحظ أن انقسام العلماء بين مؤيد و معارض ساهم في تكاثر الاضطرابات كما ان العامة اصبحوا لا يأخذون ببعض فتاويهم خاصة في المواقف السياسية ، يقول الحسن اليوسي في محاضراته ص :121 " أما الزمان فلا تسأل عنه ، في الحديث النبوي : سيفان إذا أصلحا أصلح الناس و إذا فسدا فسد الناس : الامراء و العلماء ، و قد فسدا معا ، و الى الله المشتكى " . و كان نتيجة هذا الصراع أن انقسم المغرب الى مملكتين . مملكة فاس يحكمها عبد الله بن الشيخ المامون و منافسوه من الثوار الى ان انقرض امر السعديين بهذه المدينة بموت عبد الملك بن الشيخ المامون أواخر سنة 1627م . و مملكة مراكش التي كان يحكمها زيدان و أبناؤه من بعده الى ان قتل اخرهم و هو احمد بن الشيخ بن زيدان سنة 1658م . فانتهى أمر السعديين و استولى عرب الشبانات على مراكش الى ان استولى عليها المولى رشيد سنة 1668م.
يلاحظ ان حكم السعديين اصبح يتقلص شيئا فشيئا الى ان اقتصر على مدينتي فاس و مراكش و ما يحيط بهما . مما أدى الى ظهور بعض الزعامات المحلية مثل المجاهد العياشي و بعض ارباب الزوايا الذين كانت لهم طموحات سياسية كابي حسون السملالي و ابو زكريا الحاحي و محمد الحاج الدلائي و ابن ابي محلي.
المحاضرة الاولى هنا
المحاضرة التانية هنا
المحاضرة الرابعة هنا
 تاريخ المغرب الحديث السعديون
 تاريخ المغرب الحديث السعديون

هناك تعليق واحد: