الأربعاء، 13 مارس 2019

الدولة المرينية المحاضرة الرابعة

المحاضرة الرابعة الدولة المرينية

الخروج من الأندلس
في يوم 7 جمادى الثانية 741 هـ / 28 نوفمبر 1340م، جرت أحداث معركة طريف عند ريو سالادو أسفرت عن مذبحة للمسلمين، وأسر عدد من الجنود، ومن بينهم أحد أبناء السلطان أبي الحسن، ووفاة زوجة السلطان الحفصية التي قتلت مع زوجة أخرى، وهروب السلطان بنفسه نحو سبتة، ووصف ابن الخطيب هذا الحدث: «فهذه الواقعة من الدواهي المعضلة الداء والأرزاء، التي تضعضع لها ركن الدين بالمغرب، وقرت بذلك عيون الأعداء» وتعتبر آخر معركة يشارك فيها المغاربة بشكل رسمي ومباشر في الأندلس. واكتفى السلطان المريني بمساعدة الأندلسيين من بعيد. فعند حصار الجزيرة الخضراء بداية سنة 743 هـ/ يوليوز 1342م اكتفى أبو الحسن بمساعدة المحاصرين من مدينة سبتة، وأرسل المؤونة لهم بحراً.
وبعد سقوط الجزيرة الخضراء في بداية شوال 743 هـ/ مارس 1344 م فقد المغرب المريني نقطة هامة للعمليات العسكرية ولانتقال الجيوش، وأصبح ألفونسو الحادي عشر سيد بحر الزقاق بدون منازع.
وبقي موقعان تحت الإدارة المغربية على أرض الأندلس، وهما رندة، التي تنازلوا عنها للنصريين سنة 1361م، وجبل طارق الذي تنازلوا عنه سنة 1374 م، وبذلك لم يعد هناك وجود مريني بأرض الأندلس. ودخل المغرب مرحلة الانحلال والضعف، ولم يسلم بعدها من تدخل ودسائس بنو الأحمر في شؤونه الداخلية. وأدى انقطاع العبور المغربي إلى الأندلس لترك الأندلسيين يواجهون وحدهم زحف حركة الاسترداد. كانت هزيمة طريف منعطفاً فاصلاً في تاريخ الحضور المغربي بالأندلس وبالمضيق، رغم محاولة أبو عنان في التدخل بالمنطقة، التي وصفها مؤرخون معاصرون له، مثل ابن بطوطة وابن الحاج النميري، فلا يبدو أنه أضاف مكاسب حاسمة للحضور المغربي بالأندلس وبالمضيق. لأن اهتمامات أبي عنان كانت مركزة على السودان الغربي وبلاد المغرب في المقام الأول، أما الشؤون الأندلسية، فكانت تأتي في مرتبة ثانوية ضمن اهتماماته. وقد استطاع السلطان أبو فارس عبد العزيز استرجع الجزيرة الخضراء سنة 770 هـ ولو مؤقتاً، فإن المرينيين فيما بعد أبي عنان، لم يتمكنوا من تهديد الممالك المسيحية الأوربية بالأندلس وبالمضيق. وقد تأكد ضعف الحضور المغربي بهذه المنطقة بعد أن سقطت سبتة بيد البرتغاليين سنة 818 ه/ 1415 م. وتقلص التدخل المريني بالأندلس تم انقطاعه نهائيا كان سببه عدة عوامل، أبرزها الحروب مع جيرانهم بني عبد الواد، والفتن الداخلية بالمغرب، والصراع على السلطة، والاختلافات والصدامات المستمرة بين سلاطين بنو مرين وحكام مملكة غرناطة، وعدم توفر المرينيين على أسطول كبير، واختلال التوازن بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط بصفة عامة. ورغم استطاع المغرب المريني «أن يؤخر كارثة الأندلس بنحو قرنين من الزمن،[كما يعتبر بعض الباحثين سقوط سبتة 1415 م هو الحدث الأنسب لبداية التحول إلى العصر الحديث، عوض تاريخ سقوط القسطنطينية سنة 1453 م.
نظام الحكم
اتخذ المرينيون من مدينة فاس مركزا لهم، وانتقلوا منها بعد بناء مدينة البيضاء بفاس الجديد، واتخذت منذ عهد حكم يعقوب بن عبد الحق مقرا للنظام المركزي. واتسمت سلطة المرينيين بحكم فردي وراثي وكان الأولون منهم يتسمون بأمراء المسلمين، على نفس نهج المرابطين، حتى جاء السلطان أبو عنان الذي غير التسمية إلى أمير المؤمنين. وكان السلاطين المرينيين يسيرون شؤون الدولة بأنفسهم في مجالس خاصة حسب القضايا التي كانت تباشر فيها، ومن هذه المجالس «مجلس الفصل» الذي يترأسه السلطان للنظر في القضايا المهمة وسماع الشكايات، «ومجلس الخاصة وأهل الشورى» وفيه يجتمع السلطان بأهل المشورة من أجل استشارتهم في القضايا الكبرى. و«مجلس العرض» الذي يترأسه كذلك السلطان، وكان يعقد يومي الخميس والإثنين لعرض الجيوش والفصل بين الناس، وتقدم له الهدايا ويستقبل سفراء الملوك. وأنشأ أبو الحسن «مجلس العدل» بسبتة وتلمسان لسماع الشكايات حينما يكون بإحدى المدينتين. وكانت السلطة المركزية تتكون من الوزير الذي تتوزع صلاحياته في ترأس الجيش والمحافظة على الأمن وله سلطة على الولاة والجباة ويرفع الشكايات إلى السلطان وينظر في بعضها. ومنصب «المزوار» أو صاحب الشرطة العليا كان يرأس الحرس السلطاني وينفذ عقوبات السلطان وينظم المقابلات السلطانية، ووصف ابن خلدون ومنصب لمزوار كأنه وزارة صغرى، وقد تقلد عدد من اليهود هذا المنصب. وكان منصب «صاحب العلامة» هو الكاتب الخاص الذي يكتب نيابة عن السلطان، وفي الغالب يختار من العائلات الأندلسية، يكتب قضايا الجند والمالية، ومن أهم الكتاب هو «كاتب السرد» الذي يوقع المراسيم.
«وأما زناتة بالمغرب وأعظمها دولة بني مرين فلا أثر لاسم الحاجب عندهم وأما رآسة الحرب والعساكر فهي للوزير ورتبة القلم في الحسان والرسائل راجعة إلى من يحسنها من أهلها وإن اختصت ببعض آلبيوت المصطنعين في دولتهم وأما باب السلطان وحجبه عن العامة فهي رتبة عندهم يسمى صاحبها الزوار ومعناه المقدم في تنفيذ أوامره وتصريف عقوباته وإنزال سطوا ته وحفظ المعتقلين في سجونه والعريف عليهم غي ذلك.مقدمة ابن خلدون»
وفي تسيير الشؤون الجهوية اعتمد السلاطين المرينيون على جهاز مخزني، الذي كان يتكون من «صاحب القصبة» وهو الذي يشرف على السلطة المحلية وهو الواسطة بينها وبين السلطة العليا، ومنصب «صاحب الشرطة» أو «القائد» الذي يحارب الجريمة ويقيم الحد. ومنصب الوالي المختص بجباية الضرائب ويشرف على الحرس المحلي بالتعاون مع صاحب القصبة. والقاضي يفصل بين الخصوم وينظر في أموال المحجور عليهم ويحكم في مصالح الأوقاف والأبنية. ومنصب المحتسب الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويراقب الغش في الأسواق. وتميزت سياسية المرينيين عند تعيين المناصب الإدارية بإستشارة السكان بخصوص منصب إمام الصلاة والخطبة والقاضي والمحتسب.
الجيش
خَلَّفَ انكسار الموحدين حالة من الضعف في البر والبحر، فقام بنو مرين بإعادة بناء الأسطول على عهد السلطان أبي الحسن، ووصل عدد قطعه نحو 600 سفينة حربية. لم يستطع المرينيون أن يستعيدوا عظمة القوة البحرية، فكان الأسطول المريني بعد تجديده في موقف الدفاع أكثر منه في موقف الهجوم، خصوصا ضد أعمال القرصنة المسيحية التي نشطت في تلك المدة على طول السواحل المغربية، الأمر الذي دفع المرينيين إلى إقامة الأربطة والمحارس من آسفي حتى تونس، فكانت بمثابة مراكز دائمة للمراقبة ضد القراصنة المسيحيين الذين اعتادوا الهجوم على شواطئ شمال أفريقيا لسلب ما تصل إليه أيديهم وبخاصة اختطاف أطفال البدو ونسائهم ليبيعوهم أرقاء في أوروبا.
تميزت هذه المحارس البحرية بطريقة الإشعار السريع والاستنفار عند ظهور العدو، ففي كل محرس رجال مرتبون في أبراج لاستطلاع البحر، فما أن تظهر سفينة غريبة تقترب من الشواطئ المغربية حتى يوقدوا النار في أعلى البرج فيراها البرج القريب ويوقد النار بدوره وهكذا فيتم الإنذار بالخطر في ليلة أو في بعضها في مسافة تسير فيها القوافل شهرين، وبذلك يتأهب الجيش ولا يؤخذ على غرة.
العلاقات الخارجية
مع نهاية حكم السلالة المرينية ورثت بلاد المغرب الحدود التي نعرفها اليوم نتيجة الصراع المرير والمتجدد بين فرعي زناتة، بني مرين وبني زيان، وهو صراع لم يحسم، وترك على وجه الأرض خطاً فاصلا بين سلطتين وولائين، لم يكن تابثا أول الأمر بل كان يتغير باستمرار، فضاق تدريجيا مجال حركاته حتى أضحى من المسلمات أنه يمر حتما بين تلمسان ووجدة.
اقتصاد
بعد أن فرض المرينيون سيطرتهم على مدن وقبائل بلاد المغرب، تم فرض ضريبة الخراج على القبائل وعين عليها الجباة. كما كانت تؤخذ ضريبة الجزية من أهل الذمة، وذكر ابن مرزوق أن السلطان أبو الحسن قام باعفائهم منها لحسن سلوكهم. وفرضت الدولة ضرائب محلية على سكان المدن والبوادي، فضلاً عن ضريبة العشر التي كانت تفرض على بضائع التجار القادمين إلى المغرب. بالإضافة لضريبة الخمس التي استعملت في بدايات ظهور بني مرين عندما انتصروا في معاركهم، خيث أخرجوا الخمس من غنائم الحرب لبيت المال وقسموا الباقي على المجاهدين. كما خصصت ضريبة المكوس التي كانت تُنفق على فرقة الروم القشتاليين الذين كانوا ضمن صفوف الجند المغربي. وأنفقت الدولة ميزانيتها في المجالات الاقتصادية والدينية والثقافية والاجتماعية، خصوصا أثناء الأزمات الاقتصادية، كالقحط والمجاعة والوباء، حيث كانت توزع الأموال على المتضرِّرين وترمم المساجد والجوامع وبناء الأسواق وتجديدها. ومولت الدولة المؤسسات الصحية وشيدت مراكزها وتكفلت بمصاريف الأطباء والأدوية وخصصت رواتب للعاملين عليها. كما كان يُصرف جزء كبير من الميزانية على الجيش وتقديم المساعدات العسكرية للدول الإسلامية المجاورة، خصوصا في الأندلس حيث أسست الدولة مشيخة الغزاة وهي قواعد عسكرية لصد هجمات القشتاليين. وكل هذه الأموال المصروفة كان لها أبوابُها الشرعية، وكانت تخضع للتدقيق.
اتخذ المرينيون سياسة توزيع الأراضي على القبائل الموالية لهم وتسهيل استغلالهم لهذه الأراضي والسكن فيها، بالإضافة إلى اهتمامهم بالمشاريع الإروائية كبناء القناطر والرحى الصناعية؛ وتنوعت في فاس عدة صناعات نتيجة توافر المواد الأولية، وخصوصاً تلك التي تعتمد على بعض المحاصيل الزراعية، وكان هذا التطور الذي شهده العصر المريني في بعض الصناعات هو الخبرة المتوارثة والمتراكمة عن العهود التي سبقتهم. وتم استدعاء الصناع والمهندسين من الأقاليم المجاورة، كما هو حال ديوان السلطان يعقوب بن عبد الحق عندما استدعى مهندسا من الأندلس وهو محمد بن علي بن الحاج الإشبيليّ (ت. 714 هـ/ 1314 م) لإنشاء دار الصناعة في مدينة سلا وكانت هذه الصناعة ترتكز على صناعة القوارب والسفن الصغيرة؛ كما اعتنت الدولة المرينية بالصناعات اليدوية وأصحاب المهن، فأنشأت لهم المحلات والأسواق الخاصة. ففي عهد السلطان أبو سعيد عثمان بن يعقوب جددت الأسواق والحوانيت بعد أن أصابها الحريق، ومنها سوق الصباغين وسوق العطارين والرصيف. كما اشتهرت بعض مناطق المغرب الأقصى، خاصة مدينة فاس، بوجود ثروة معدنية كالمعادن والأملاح، كما اشتهرت بالحمامات كـحمة خولان. وعرفت الحواضر الكبرى حركة تجارية مهمة، فكثرت الفنادق المخصصة والمعدة للتجار والمسافرين والغرباء حتى وصل عددها 467 في حاضرة فاس وحدها. وأبرمت الدولة المرينية عدة اتفاقيات تجارية مع الدول المجاورة، كالاتفاقية التجارية القائمة بين السلطان يعقوب بن عبد الحق وسانشو الرابع ملك قشتالة، التي أعطت الحق للمغاربة الاتجار في أرض قشتالة:
«وأن يكون المسلمون يسيرون في بلادك لتجارتهم وطلب معاشهم بالليل والنهار لا يتعرض لهم بشر ولا يلزمهم درهم ولا دينار.»
العملات
ضربت الدولة المرينية نقودها من الذهب والفضة، وكان شكلها مماثلا لدنانير الموحدين، تميزت بوجود ثلاثة مربعات متداخلة حول كتابات مركزية الوجه والظهر، بينما انحصرت كتابات الهامش في الوجه والظهر داخل المناطق الاربع المحصورة بين محيط القطعة النقدية واضلاع المربع الخارجي. ولم يذكر تاريخ السك على الدنانير، واكتفت بذكر اسم دار الضرب، وفئات العملة هي أجزاء الدينار كالنصف والربع والدينار المفرد، ثم الدينار المضاعف. وفي نقودهم الأولى لم يسجلوا عليها اسم الحاكم المريني، حيث كانوا يرفعون في بداية دولتهم شعارات الحفصيين، لذا جاءت كتابات النقود المرينية كصدى لمثيلاتها الحفصية، ففي نقود هاتين الدولتين يوجد شعار دولة الموحدين: وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. وبعد أن اتخذ الحكام المرينيون لأنفسهم لقب أمير المسلمين، بدأت تظهر اسمائهم مسجلة على مركز الظهر في الاصدارات الذهبية، كما هو حال عهد أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق 656 -685هـ حيث جاءت على هذا النحو امير المسلمين وناصر/ الدين القائم لله/ باعلاء دين الحق/ عبدالله يعقوب/ ابن عبدالحق. وعندما نجح السلطان أبي الحسن علي في هزيمة الدولة الحفصية ودولة بني زيان والاستيلاء على مدنهم تونس وتلمسان حرص على تسجيل على دنانيره أسماء المدن التي كانت بحوزة هاتين الدولتين مثل تونس وتلمسان والجزائر، إضافة إلى بجاية وسجلماسة.
الدين
لم تتأسس دولة بني مرين في بدايتها على مشروع سياسي واضح يقوم على مذهب من المذاهب، فأطلقوا للناس حرية الاعتقاد والتمذهب. حيث لم تتدخل السلطة المرينية في توجيه الفكر المغربي توجيهاً معاكساً، فكان لهذا الموقف أثره في نهضة الفقه المالكي. لكن السلطة وجدت في المالكية الدعم المعنوي، لأن التجربة التاريخية السابقة برهنت أن مصلحة البلاد في ذلك سواء على المستوى السياسي والديني، فالمرابطون انطلقوا من الوحدة المذهبية من أجل تحقيق وحدة سياسية واقتصادية، فسارع المرينيون إلى تقريب فقهاء المالكية وإلى دعم جهودهم، فراجت من جديد المدونات المالكية، وأقبل الطلبة عليها. فتوطد مذهب أهل السنة منذ هذا العصر في المغرب. فكان قيام دولة بني مرين في القرن السابع الهجري انتصاراً للمالكية على سائر الفرق والطوائف في الغرب الإسلامي، فلم تقم لفرقة أو مذهب قائمة في المنطقة كلها منذ أن بسط حكم المرينيون على بلدان المغرب وعلى قسم من الأندلس.
وعندما دخل المرينيون مدينة فاس سنة 646هـ، كان الأعيان يشرفون على إدارة المساجد الجامعة بالمدينة كالقرويين، ويعينون الخطباء بعد ضعف الموحدين ، ولم يستطع المرينيون في بدايتهم الإشراف على هذه المساجد الجامعة ومراقبتها ، إلا ابتداءً من سنة 689هـ ، حين عينوا لأول مرة الخطيب أبي الصبر أيوب، أي بعد أزيد من 40 سنة على دخولهم لفاس. وقد مهدوا لهذا الإشراف والمراقبة بإصلاح هذه المساجد.
التصوف
كان المغرب الأقصى في العصر المريني مالكي المذهب، أشعري العقيدة متخذاً من التصوف السني شعاراً له. واشتهرت في الفترة المرينية مدرستان صوفيتان أساسيتان ، الأولى طريقة أبي مدين شعيب، والثانية طريقة أبي الحسن الشاذلي، وتفرعت عن طريقة أبي مدين طريقتان مغربيتان: طريقة الشيخ أبي محمد صالح الماجري بآسفي، التي وصل عدد زواياها ستاً وأربعين انتشرت فيما بين المغرب ومصر، لتيسير رحلة الحجاج إلى مكة. وطريقة أبي زكريا الحاحي الذي كان يعرف أتباعها بالحاحيين.
كما ظهر التصوف الشعبي المتغدي بالشعوذة والأساطير، لكن انتشاره كان محدودا نظرا للحملات التي شنها عليها الفقهاء، ويقول ابن الحاج العبدري حول ذلك وهو الذي عايش تلك الفترة:
««وبسبب وجودهم (أي العلماء) وتصرفهم بالسنة المطهرة على ما تقدم ذكره ارتدع كثير من أهل البدع وقل ظهورها وأهلها، ونزلت البركات وجاءت الخيرات وبقي الناس في أرغد عيش».»
كان مؤسس الدولة المرينية السلطان يعقوب بن عبد الحق هو أول من احتفل بهذه المناسبة من بني مرين بفاس ، وقام ابنه يوسف بن يعقوب بتعميم ظاهرة الاحتفالات بالمولد النبوي في جميع أنحاء البلاد سنة 691هـ/1292م، وبدأت مراسيم الاحتفالات في نفس تلك السنة بإشراف خطيب جامع القرويين في فاس محمد بن أيوب بن أبي الصبر. فتحول يوم 12 ربيع الأول إلى عيد مولد رسمي بالمغرب. وكانت تربط في عصر الدولة المرينية مسألة الجهاد دائماً بمناسبة المولد النبوي. واتخذت ذكرى المولد النبوي منذ عهد أبي الحسن وأبي عنان طابعا خاصا، حيث تحمّلت الدولة نفقات هذه الاحتفالات في سائر جهات البلاد.
المجتمع
بنو مرين انفسهم كانوا بدوا جندوا لخدمة الموحدين، ومع اتساع نفوذهم، انتهج المرينيون نفس السياسة الموحدية في نشر الجموع القبلية العربية في جميع تراب المغرب وخاصة ضواحي المدن المعروفة آنذاك في الوسط والجنوب والشرق، وبهذه العملية تم "تعريب المغرب الأقصى" تعريبا سلاليا ولغويا وحضاريا خصوصا بعد أن انظمت معظم القبائل العربية حول السلطان يعقوب بن عبد الحق، فأصبح العرب ضلع في تركيز الحياة السياسة والاجتماعية، والسيطرة على الكتل الأمازيغية الخارجة عن ناطق بني مرين، فأصبحوا عماد جهاز المخزن.
« وَأما لهَذَا الْعَهْد وَهُوَ آخر الْمِائَة الثَّامِنَة فقد انقلبت أَحْوَال الْمغرب الَّذِي نَحن شاهدوه وتبدلت بِالْجُمْلَةِ واعتاض من أجيال البربر أَهله على الْقدَم بِمن طَرَأَ فِيهِ من لدن الْمِائَة الْخَامِسَة من أجيال الْعَرَب بِمَا كثروهم وغلبوهم وانتزعوا مِنْهُم عَامَّة الأوطان وشاركوهم فِيمَا بَقِي من الْبلدَانِ بملكتهم وبأسهم. ابن خلدون.»
صار لبني هلال نفوذ وقوة في كل بلاد المغرب، وانتشرت قبائل معقل في منطقة سجلماسة الحدودية والإستراتيجية بين المملكة الزيانية والمرينية، ولم يستطع الأمراء الاستغناء عن قوتهم، لقمع وارهاب السكان في الداخل. ولئن تخصص بنو هلال في شؤون السيف، فإن الأندلسيين استقلوا بأمور القلم. وتقاطروا على مدن مثل فاس وتلمسان ومراكش، وحيثما حلوا أدخلوا النظام والمراسيم والتراتيب والآداب ، أي الهيبة التي تحفظ نظام الملك.
لكن تأثير الأندلسيين على شكل المخزن المريني لم يكن كبيرا، حيث ورثت الدولة شكل مخزن الموحدين، بينما كان تأثيرهم كبيرا على دولة بني زيان بسبب انعدام التقاليد الملوكية.
اليهود
حافظ يهود المغرب على مكانتهم ضمن الجهاز المخزني المريني، إذ قرَّبهم وأَجَلَّهم المرينيون، نظرا إلى المصلحة المشتركة التي كانت تجمع بين الطرفين؛ حيث كان يرغب حكام بني مرين تنشيط القطاعات الاقتصادية؛ كقطاع الأسلحة النارية والمعادن النفيسة وضرب السكة، في حين كان اليهود من جهتهم يطمحون في المزيد من الانتشار والتغلغل داخل الأجهزة المخزنية لإثبات وجودهم ودعم نفوذهم اقتصاديا واجتماعيا وحماية مصالحهم سياسيا. فأصبح اليهود سفراء للدولة المرينية لدى الدول الأجنبية، فربطوا العديد من المناطق المغربية بالعالم الخارجي وأعادوها إلى واجهة الأحداث؛ خصوصا إقليم سجلماسة ومدينته الأثرية في القرن الرابع عشر الميلادي / الثامن الهجري، والتي كانت ستفقد بريقها التجاري نهائيا لولا العنصر اليهودي النشيط، الذي جعل لها علاقات متميزة داخليا مع المناطق القبائلية المجاورة؛ مثل تلمسان، وخارجيا مع المدن الإسبانية والأندلسية كبرشلونة ومايوركا وقرطبة وغرناطة وغيرها. وألغى بعض سلاطين بنو مرين الجزية عن اليهود لحسن سلوكهم، حسب ما ذكر ابن مرزوق. كما تمتع اليهود بحماية الدولة لهم، خصوصا من استفزازات بعض العامة، فصدرت في حقهم العديد من الظهائر لتوقيرهم، كما هو حال أوامر السلطان أبو يوسف يعقوب والسلطان أبي الحسن المريني بالكف عن اليهود، ووصل هذا التسامح أوجه في عهد السلطان أبي سعيد عثمان، الذي أمر هو الآخر بالكف عنهم، ولحمايتهم خصص لهم حي خاص بهم في فاس الجديد، وأصبح هذا الحي يعرف بالملاح، كونه موجود بموقع تجمع فيه مادة الملح قبل توزيعها، فتحول إلى أول تجمع خاص باليهود ومنذ ذلك الحين تم تعميم مصطلح الملاح ليتم تداوله بين الأوساط المسلمة واليهودية كحي محاط بأسوار عالية له بابان في غالب الأحيان يقطنه اليهود، وتم تعميم الكلمة بعد ذلك ليشمل كل تجمع سكاني لليهود في المغرب.
المسيحيون
استفاد المرينيون من الخبرة العسكرية للعنصر المسيحي المقيم في المغرب. فعند دخول بني مرين لمراكش كانت بها كنيسة سمح ببنائها الموحدون زمن عبد الواحد الرشيد. وكانت السلطة الدينية للكاثوليك في روما على تواصل دائم مع سلاطين المغرب لحماية رعايها، منها رسائل البابا إنوسنت الرابع إلى سلطان المغرب سنتي 1246م و1251 م يطلب منه منح المسيحيين أماكن يحتمون بها عند الخطر، وتواصل قبله البابا غريغوري التاسع مع الخليفة الموحدي عبد الواحد الرشيد سنة 1233م ، حيث شكره على العناية التي يبديها نحو النصارى. وفي سنة 1308م عندما كان جل المغرب خاضعا للمرينيين، اعتدت عصابة على نصارى مراكش واستولت على أموالهم وهربت لأغمات، فكان رد قائد حامية مراكش أبو ثابت المريني بتتبعهم وقتله مئات من أتباع العصابة، وعلقت رؤوسهم على أبواب مراكش، انتقاما من قتلهم النصارى. وبسبب تصاعد الغارات الإسبانية والبرتغالية، وكذا نفوذ النصارى في الجيش المغربي، كانت العامة تلجأ إلى الانتقام من النصارى، فيضطر القادة الملوك المرينيون إلى حمايتهم. وعند اتخاذ فاس عاصمة للدولة المرينية صحبوا معهم معظم القوة النصرانية من مراكش، وتركوا عددا منها بمراكش، وقد بلغ عددهم بمراكش في عهد المنصور المريني حوالي خمسمائة، وكانوا يؤدون طقوسهم إلى جانب أولادهم ونسائهم في الكنيسة المسيحية بمراكش التي كانت موجودة جنوب جامع المنصور بالقصبة. وبحلول سنة 1390م طلبت الحامية النصرانية المؤلفة من 50 فارسا الدخول إلى إسبانيا لخدمة خوان الأول ملك قشتالة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق