الأربعاء، 13 مارس 2019

المحاضرة الخامسة الدولة المرينية

المحاضرة الخامسة الدولة المرينية

الصحة
ساهمت السلطات المرينية في إحداث مؤسسات خيرية متعددة، استفادت منها جميع طبقات المجتمع من فقراء ومعوقين وحتى الأجانب، ويصف علي الجزنائي كيف خُصص للمرضى مستشفى خارج باب الخوخة لإبعاد ضرر الماء المستعمل، وكانت توفر للمرضى الأغذية والأشربة، ووظف الأطباء لتفقد أحوالهم مرتين كل يوم. ويذكر ابن جزي تشييد السلطان أبو عنان للمارستانات في كل أقاليمه، كتازة ومكناس وسلا وآسفي وفاس ومراكش والرباط وغيرها، خصصت لها أوقاف لتغطية مؤن المرضى، ويعد مارستان سيدي فرج أهم مارستان في تاريخ المغرب، أمر ببنائه السلطان المريني أبو يعقوب يوسف، سنة 685هـ / 1286م وجدده السلطان أبو عنان عام 766هـ وأدخل عليه زيادات مهمة، وكان تلقى في هذا المستشفى دروس فيه الطب، وقد عمل الحسن الوزان ككاتب في هذا المارستان، ويحتمل أن يكون هذا المارستان قد اتخذ كنموذج لبناء أول مستشفى للأمراض النفسية في العالم الغربي، بلنسية بإسبانيا سنة 1410م. واستمر مارستان سيدي فرج في أداء دوره إلى حدود منتصف القرن العشرين وبالتحديد سنة 1364هـ / 1944م، ويصفه الكتاني في سلوة الأنفاس:
«بالقرب من سوق العطارين وسوق الحناء بفاس، مكان يقيم به المرضى الذين بعقولهم مرض وهم المجانين ويسمى ذلك المكان سيدي فرج، على أنه لم يدفن به أي شخص كان يسمى بهذا الاسم، وليس به قبر وإنما بنى هذا المكان أحد السلاطين ليضم مرضى المسلمين الذين لا ملجأ لهم أو مأوى يأوون إليه، وسمي باب الفرج لأن المرضى كانوا يجدون فيه ما يفرج كربهم وقد حبست عليه الحبوس التي كانت تصرف غلتها عليه.»
وعرفت هذه المستشفيات انتكاسة حقيقية على عهد السلطان المريني أبي سعيد الثاني إذ استصدر فتوى تجيز له اقتراض أموال أوقاف المارستانات بفاس لتغطية نفقات الحرب وإدارة باقي شؤون الدولة، وقد عرفت هذه الفتوى معارضة شديدة داخل الأوساط الفاسية، وتوفي أبي سعيد قبل أداء السلف فتراجع دور هذه المستشفيات. وبلغ الرقي الحضاري في هذا العصر في مجال التعاطي مع ذوي الاحتياجات الخاصة بل وفي العناية بالحيوانات كذلك، حيث كانت هذه المستشفيات ملجأ للطيور، خصوصا اللقلاق، الذي كانت تعالجه إذا انكسر أو أصيب بأذى. وذكر الحسن الوزان عند وصفه لمدينة فاس:

«توجد مستشفيات ومدارس نهاية في الرونق والإتقان وكل غريب دخل المدينة له أن يقيم بهذه المستشفيات مدة ثلاثة أيام، وتوجد خارج المدينة عدة 
مستشفيات لا تقل إتقانا عن التي بداخلها، وكانت لها قبل مداخيل قارة»
. كما بادر السلطان أبو الحسن، ببناء محكم يستر المستحمين بحمة خولان (حمة سيدي حرازم)، لا يزال محتفظا به في قبو ينفصل فيه مغتسل الرجال عن النساء.
الثقافة
«يجمع الدارسون على أن العهد المريني –الحفصي- الزياني يمثل ذروة الثقافة العربية الإسلامية في بلاد المغرب، لأنها لم تعد كما كانت من قبل محصورة في منطقة معربة دون سواها، بل شاركت كل المناطق بنصيبها في حفظها ونشرها تبدو لنا ثقافة القرن 8هـ في بلاد المغرب غنية متنوعة، فننسى أنها لا تعبر عن تجربة المغرب التاريخية، بل تمثل، شكلا ومحتوى، آخر بريق سطعت به الأندلس قبل أن تغيب من الأفق وإن بقيت ماثلة في الوجدان. عبد الله العروي»
الأدب
عرفت حركة التأليف نشاطاً كبيرا في ميدان الدراسات الفقهية المالكية، نظرا لتشجيع الدولة المرينية للفقهاء، فكثرت بذلك التآليف الفقهية، واهتم الفقهاء كثيرا بشرح أمهات الفقه المالكي “كالمدونة الكبرى” حيث خصوها بعناية خاصة ورجحوها على غيرها من سائر المصنفات في المذهب المالكي، ويتجلى ذلك في كثرة الشروح والاختصارات والطرر التي وضعت عليها والتي تذكرها كتب الطبقات والتراجم بالتفصيل الدقيق، ويذكر الإمام المقري كيف كان وزراء بني مرين «لا يسمحون للقاضي تولي القضاء حتى يكون مستظهرا للمدونة، كما لم يكن مسموحا للفقيه بصعود المنبر إذا لم يكن حافظا للمدونة». وظلت كتب النحو الأساسية التي ألفت في عهد المرينيين تدرس حتى القرن العشرين. من العوامل التي ساعدت على التلاقح الثقافي مع المشرق حرص المرينيين أكثر من الموحدين على تمتين الوحدة الإسلامية مع المشرق حيث تضاعف الاتصال بهذا القطاع عن طريق السفارات، وبواسطة ركب الحجاج، مما كان له دخل - إلى حد ما - في التمهيد لأدب الرحلات إلى الحج. ونبغ العديد من العلماء والفقهاء في العصر المريني، كابن البناء المراكشي الذي ألف في النقد والمنطق والرياضيات، والفقيه والمؤرخ ابن جزي الكلبي الكاتب بالحضرة المرينية لأبي عنان. ويذكر المقّري الأبيات التي كانت مكتوبة على دواة السلطان أبو عنان فارس:
الدولة المرينية أَنا دَوَاةُ فارس
أَبِي عِنان المعتمد
حَلَّفْتُ من يكتب بي بالواحد الفَرْدِ الصمد
أن لا يَمُدَّ مَدَّةً فِي قَطْعِ رِزْقٍ لِأَحد. 

0 التعليقات:

إرسال تعليق