الأربعاء، 13 مارس 2019

المحاضرة السادسة الدولة المرينية

المحاضرة السادسة الدولة المرينية

التعليم
اهتمت الدولة المرينية منذ عهد مؤسسها السلطان يعقوب بن عبد الحق بالحركة العلمية من خلال بناء المدارس وتخصيص الرواتب والمؤن للمدرسين؛ فضلاً عن وضع الوقف لهذه المنشآت العلمية لغرض استمراريتها، كما كان السلطان يحتضن الأدباء. ويظهر اهتمام بنو مرين بالكتب في الاتفاقيات والمعاهدات التي أبرموها مع الإسبان، ويذكر المؤرخ ابن أبي زرع كيف اشترط يعقوب بن عبد الحق على وفد حاكم قشتالة سانشو الرابع:
«أن يبعث إليه ما يجده في بلاده بأيدي النصارى واليهود من كتب المسلمين ومصاحفهم، فبعث إليه منها ثلاثة عشر حملاً، ككتب الحديث والأصول والأدب واللغة العربية وغيرها.»
أنشأ سلاطين بنو مرين مؤسسات تعليمية، بها إقامات مخصصة لطلبة العلم ومركز تكوين نخبة الدولة الحاكمة، كما وظفوها في الدعاية السياسية ولتدعيم مشروعيتهم الدينية. وانتشرت هذه المؤسسات بالأندلس تأكيداً لسيرورة «أسْلَمة» مملكة غرناطة النصريّة و«مَغْرَبَتها» خلال عهد السلطان محمد الخامس النَّصْري. ومن أبرز المعاهد التعليمية المرينية المدرسة الجديدة التي بناها السلطان أبو الحسن علي المريني سنة 747 هـ/ 1347 م بمدينة سبتة، وسُميت بالمدرسة الجديدة تمييزاً لها عن المدرسة القديمة أو المدرسة الشاريّة. وكانت سبتة أحد مراكز الثقافة العربية الإسلامية الكبرى في الغرب الإسلامي، وكان لهذه المدرسة تأثيرها المحتمل في تأسيس المدرسة اليوسفيّة بغرناطة. وتم تحويل »المدرسة الجديدة« عقب الاحتلال البرتغالي للمدينة إلى دير للرهبان الفرانسيسكيين، وظلت صامدة في مكانها حتى سنة 1891م، عندما هدمها الاستعمار الأوروبي.
وتحول المغرب المريني إلى نقطة استقطاب فكري، حيث تردد طلاب إمبراطورية مالي على المراكز الفكرية المرينية، نتيجة لسيادة المذهب المالكي في كلا البلدين. واتجه اختيار الطلبة المالنكيين لمركز فاس بين المراكز العديدة التي وصل عددها في المدن إلى ثلاثة عشر، زيادة على المراكز الواقعة في الأرياف، ويرجع تميز مدارس فاس للأسبقية التي أعطاها بنو مرين على باقي المدن، من حيث بناء المدارس وإحداث المكتبات والإنفاق على العلماء والطلبة، ما دفع الكثير من الباحثين اعتبار بنو مرين "المؤسسين الحقيقيين لجامعة فاس". وتمركزت باقي المادرس بتازة ومكناسة، وسلا، وسبتة، وأنفا، وأزمور، وأسفي، وأغمات، ومراكش، والقصر الكبير، وتلمسان، والجزائر، وثلاث بتونس
العمارة
اهتم السلطان يعقوب بن عبد الحق بتشييد الأبنية كالمدارس والمارستانات للمرضى والمجانين. ومن إنجازاته الأخرى بناء دار للصناعة الحربية في سلا، وشروعه ببناء فاس الجديد سنة 674 هـ/ 1275م. وشرع السلطان يوسف سنة 696 هـ/ 1299 م بإعادة بناء مدينة وجدة حيث بنى قصبة وداراً للإمارة وجامعا وحماماً.. وفي عهد السلطان سليمان أبي الربيع تطور البناء واهتم بالأناقة والرقي، فأدخل الرخام والنقوش فيه؛ فوصلت أسعار الدور إلى مبالغ كبيرة؛ وقد قدر سعر الدار الواحدة بألف دينار من الذهب.
واتبع المرينيون سياسة عمرانية تقوم على "ثنائية المدينة" أو "المدن المزدوجة" مثل: فاس الجديد بفاس البالي، والمنصورة قرب تلمسان، وأفراك قرب سبتة، - والرباط وسلا، وانتهج نفس السياسية عند قرار بناء البنية بشهر يوليو 1279م عقب نجاح المرينيين في فك حصار الجزيرة الخضراء. والغاية من هذه السياسة العمرانية ترسيخ رموز السلطة المرينية، وإبراز قوتها أمام منافسيها وأعدائها على حد سواء. فكانت الغاية من مدينة الْبُنَيَّة «تقوية الوجود المريني بالأندلس عن طريق استخدام المنشآت المعمارية كعناصر دعائية، ورموز لقوة السلطة السياسية، فجاء البناء من خلال ضخامة المنشآت، وقوة الأسوار، ومناعة العناصر الدفاعية، لا ليظهر عظمة المملكة وقوتها ومقدرتها الاقتصادية والعسكرية فحسب، وإنما لإبراز حضور سلطة الأمير، وقدرة دولته التنظيمية والمادية.»
الموسيقى
نجم عن معركة طريف نزوح عدد كبير من الأندلسيين، الذين كانوا سابقا قد لاجؤا واستقروا بمدينة طريف آتين من مختلف جهات إسبانيا بسبب حروب الاسترداد، فنزحوا مرة أخرى بعد هذه المعركة نحو عدوة المغرب، خاصة البلنسيون الذين هاجروا نحو فاس، فتلقى المغرب أولا أسلوب التأليف البلنسي، الذي ظل سائدا طيلة حكم المرينيين، وعقب سقوط غرناطة على عهد الوطاسيين حدث التمازج بين الأسلوبين البلنسي والغرناطي، وقد أصبح عماد المدرسة المغربية في طرب الآلة. فترعرعت الآلة بجميع طبوعها خلال هذا العصر حتى كان للجيش المريني نفسه في عهد أبي عنان موسيقاه الخاصة به كما كان للأسطول موسيقاه. وكان لليهود ضلع في الاقتباس من الآلة الغرناطية في العهد المريني.
ومن علامات ازدهار الموسيقى في عهد المرينيين ، استخدام الموسيقى لعلاج الأمراض العقلية والنفسية، حيث كان يطلب الأطباء من الموسيقيين الحضور مرة أو مرتين في كل أسبوع، «لأن ذلك يفيد في انشراح الصدر وإنعاش الروح، فتقوى ضربات القلب، وتعود الأعضاء الجسمية لتأدية وظائفها». وسادت هذه الظاهرة في العديد من المدن، كمراكش وسلا وفاس، التي حبست فيها أملاك، خصصت مداخيلها لأداء أجرة جوق الموسيقى الأندلسية المغربية، عند عزفهم بالمستشفيات.

0 التعليقات:

إرسال تعليق