الخميس، 16 يناير 2020

وحدة تاريخ المغرب وافريقيا جنوب الصحراء الى القرن 19


تاريخ المغرب وافريقيا جنوب الصحراء الى القرن 19

البيبليوغرافية:
1. المصادر: الجغرافيا:ابن حوقل: صورة الأرض الادريسي: نزهة المشتاق.ابو عبيد الله البكري: المسالك والممالك التاريخ العام: ابن خلدون: العبر.الفشتالي: مناهل الصفا. الافراني: نزهة الحادي الرحلات: ابن بطوطة: تحقة النظار. الوزان: وصف اقريقيا.الناصيري: الإستقصا. محمود كعت: تاريخ الفتاش.
عبد الرحمان السعدي: تاريخ السودان.
الفتاوي:
أحمد بابا التمبكتي: معراج الصعود.
محمد بلو: إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور
2. المراجع:
عبد العزيز العلوي: تأثيرات بلاد المغرب على حضارة السودان خلال العصر الوسيط - الدين والفكر-
سامي سعيد: العلماء السودان الغربي خلال العصر الاساكي 1943-1591م
عبد الله العروي: علاقة المغرب بإفريقيا - ملاحظات أولية –
عبد الهادي الداري: التاريخ السياسي والاقتصادي لإفريقيا فيما وراء الصحراء.
مدخل:
الكتابات التاريخية حول السودان الغربي:
يعود الفضل للإخباريين والجغرافيين العرب في التأريخ لحضارة السودان الغربي بين الاسلام وبعده، حيث نقلوا معلومات قيمة كما ونوعا عن جغرافية السودان وتنظيماته السياسية والاجتماعية، اذ طغى البعد الغرائبي على هذه الاخبار وركزت على عجائب السودان الغربي وثرواته، فتحدثت عن اساليب التجارة الصحراوية وترجمت هذه الكتابة تطور الكتابات تاريخية حول افريقيا، بالموازاة مع تطور العلاقات المغربية الافريقية وعملية الأسلمة والتعريب التي توجت بإدماج السودان الغربي في الحضارة الإسلامية.
لقد أسست كتب الجغرافيا للكتابة التاريخية حول المنطقة ابتداء من صورة الارض لابن حوقل (ق3هـ/8م) وصولا لكتاب المسالك والمماليك للبكري خلال (ق 5هـ/11م)، حيث ركزت كتب الجغرافيا على وصف مسالك التجارة الصحراوية وما تخترقه هذه المسالك من آبار وصحاري ومناجم وغيرها، الى جانب كتب التاريخ مثل العبر لابن خلدون، ومناهل الصفا للفشتالي، ونزهة الحادي للافراني، وكتب الرحلات مثل رحلة ابن بطوطة، ووصف افريقيا للوزان... وقد اعتمدت الكتابة التاريخية حول السودان الغربي على الرواية الشفوية التي نقلها التجار، وشكلت مصدرا اساسيا في كتابة تاريخ السودان الغربي الذي تنتمي حضارته الى الحضارات المتسمة بضعف تقاليد التدوين، الى جانب احتفاظ الافارقة بتقليد عريض في كل الاساطير العلمية والدينية والتي تأتي في صيغة تركيبات خيالية، وتفسيرات لظواهر غير معروفة، مما يفسر تبلور اتجاه جديد يسعى الى كتابة تاريخ افريقيا انطلاقا من هذا التاريخ الخاص المتميز بالطابع الشفهي والاسطورة.

أدى تطور الأسلمة والتعريب الى تحول الأفارقة الى التدوين كنتيجة مباشرة للإشعاع العلمي والديني الذي حققته حواضر السودان الغربي كـ: تومبكتو وغاو وجيني وغيرها، وفي هذا الإطار ظهر تاريخ الفتاش لمحمد كعت وكتاب (تاريخ السودان) للسعدي، وقد ارتبطت هذه التجربة بالتأريخ لأنظمة سياسية خاصة كدولة سنغاي. والى جانب كتب التاريخ تميز السودان الغربي بظهور كتب الفتاوي، حيث عرف أحمد بابا بتفوقه في مجال الفتاوي وكذا التراجم وغيرها. وبالموازاة مع الكتب العربية، عرف السودان الغربي ظهور كتابات أجنبية ابتداء من القرن 15م بفعل الكشوفات الجغرافية التي توجت بوصول الأوروبيين الى افريقيا الغربية، والاتصال المباشر بمناجم الذهب. في هذا الإطار ظهرت كتابات مثل وصف افريقيا لـ: مارمول كرفخال ورحلات زورارا. 
تميز القرن 19م بتراكم كبير للكتابات الاجنبية حول افريقيا الغربية في سياق حركة امبريالية قادتها فرنسا بهدف تحقيق الهيمنة الاستعمارية ومكاسب اقتصادية، فتوجت هذه السياسة الاستعمارية بظهور عدد كبير من الكتابات ذات الطابع الانثربولوجي مثل كتابات بورماتي ...
مفهوم السودان:
كان العرب اول من أطلق مصطلح السودان للدلالة على الأقوام والشعوب التي تستقر جنوب الصحراء الكبرى، فاتخذ هذا المصطلح دلالة أكثر شمولية، حيت كان يحيل على كل ما هو أسود البشرة كما يتضح في الرسالة التي كتبها الجاحظ وسماها (كتاب فخر السودان على البيضان). وقد أطلق البكري كلمة السودان على ذلك الجزء من افريقيا الغربية التي يمتد من المحيط الاطلسي غربا الى مشارف بلاد النوبة شرقا، ومن الصحراء الكبرى شمالا إلى الغابة الاستوائية جنوبا، كما ميز ابن خلدون بين السودان الشرقي الذي توجد به شعوب النوبة والزنج والحبشة والسودان الغربي الذي تستوطنه عدة شعوب أبرزها غانة ومالي والصوصو والتكرور... 
لقد عرف الاسم بالنسبة للسودان الغربي حركية ارتبطت بالتحولات التاريخية التي عرفها المجال، فاستعمل المصطلح على المنطقة قبل ان يظهر مصطلح بلاد التكرور الذي استعمله المشارقة للدلالة على المنطقة، وعلى ركب الحجاج القادم منها (ركب التكرور)، خاصة خلال القرن 18م إلى حدود القرن 19م حيث انتشر مصطلح افريقيا الغربية، وتم تداوله في الكتابات الأجنبية.
 المحور الأول: التاريخ السياسي للسودان قبل القرن 19م:
عرف السودان الغربي بروز تنظيمات سياسية مختلفة، تدرجت من القبيلة الى الدولة التي استفادت في نشأتها من مقومات مختلفة ارتبطت بالتجارة الصحراوية والدين، حيث وظفت هذه الدول المقومات المادية الاقتصادية المتمثلة في الاشراف على المسالك التجارية والاسواق والمناجم، الى جانب المقومات الدينية المتمثلة في الاسلام الذي تحول إلى أساس المشروعية السياسية في السودان، مما أدى إلى تعاقب أنظمة سياسية مختلفة ابتداء من مملكة غانة، مرورا بدولة مالي ووصولا إلى مملكة سنغاي.
1- مملكة غانة:
تعاقبت على السودان الغربي، إمبراطوريات ومماليك، عكست التطور السياسي الذي عرفته المنطقة. ويمكن تقسيم التاريخ السياسي لمملكة غانة الى مرحلتين: 
  المرحلة الاولى: حكم البيضان. 
     المرحلة الثانية: حكم الشوننكٌ/المانينغ.
مملكة غانة الوثنية التي استمر قيامها الى القرن 7هـ/13م، فبلغت ذروة المجد والعظمة ما بين القرن 3هـ و5هـ/8م و 11م عندما اتسعت رقعتها من نهر النيجر الى المحيط الأطلسي غربا إلى الصحراء الكبرى شمالا. وقد عرفت غانة بهذا الاسم نسبة إلى عاصمتها حاضرة غانة، ويمكن تقسيم التاريخ السياسي لمملكة غانة إلى مرحلتين: 
حكم البيض:
تذهب روايات عدد من المؤرخين إلى أن أول أسرة حكمت غانة كانت من البيض المهاجرين من الشمال الإفريقي، والذين استقروا في منطقة أوكار، حيث اتسع نفوذ هذه الإمبراطورية الزراعية والإقطاعية، التي استفادت كذلك من أنشطتها التجارية، خاصة استغلال الذهب حتى أطلق على ملكهم " كيمع" التي تعني ملك الذهب حسب محمود كعت. 
حكم الشوننك/المانينغ:
تمكنت هذه الأسرة مع نهاية القرن 8م من طرد أسرة البيض الحاكمة وتوسيع نفوذ غانة شمالا بضم مناطق هامة مثل أداغوست التي تحولت إلى عاصمة لمملكة غانة إلى جانب ولاتة وكوغة...حيث امتدت في عهد الشوننك ما بين نهر النيجر والمحيط الأطلسي، وخضعت لها معظم قبائل الصحراء الكبرى وتوسعت شرقا إلى تومبكتو. 
- الوضعية نظام الحكم الادارة في غانة:
كان نظام الحكم كما هو الشأن في الممالك الأخرى نظاما ملكيا مستبدا، سواء في العهد الوثني أو الإسلامي ويقوم النظام المتبع في وراثة عرش الإمبراطورية على توريث ابن الأخت قبل أن ينتشر الإسلام وتتراجع هذه الظاهرة منذ القرن 11م، حيث سيبدأ الملوك في تعيين أبنائهم. لقد اعتمدت مملكة غانة على تنظيم ضريبي وإداري محكم، إذ قسمت الإمبراطورية إلى ولايات أو ممالك فكان لكل ولاية حاكم يسيرها، حيث ظل الحكم وراثيا داخل أسرة معينة بهذه المقاطعات مثل أداغوست وأوكار وأبادو. كان ذلك سببا في المحاولات المتكررة للانفصال والتمردات الناتجة عن ضعف الحكم المركزي. 
- الوضعية الدينية بغانة:
تميزت غانة بتعايش الديانات الوثنية والمجوسية مع الإسلام الذي بدأ يتسرب خاصة عبر التجار، حيث تحدث البكري عن انتشار الإسلام ووجود عدد من المسلمين داخل مدينة غانة، وإسلام حاكم منطقة ملل (مالي) الذي أطلق على نفسه اسم "المسلماني". فكان تجار المسلمين يحضون بالأمن والاستقرار، ومكانة خاصة لدى حاكم غانة بالنظر لأدوارهم في تنشيط التجارة الصحراوية، واقناع ملوك غانة بأهمية هذه التجارة في تزويد الإمبراطورية بمقوماتها المادية التي تضمن الاستمرارية للدولة. وإلى جانب بوادر عملية الأسلمة، شكلت الوثنية المعروفة بـ(الأرواحية) ديانة رسمية لملوك غانة، حيث كانت الأرواحية تقوم على تقديس الأرواح والأسلاف، وانتشار السحر والشعوذة وعبادة الدكاكير(الأصنام)، إلى جانب عبادة الحيوانات (الطوماطية). لقد استمرت الارواحية ديانة رسمية إلى ان أسلم الملك وارجابي بن رابيس الذي أقام شرائع الإسلام وحمل قومه عليها إلى ان توفي سنة 1040م. 

- عوامل انهيار مملكة غانة:
ساهمت عدة عوامل في انهيار مملكة غانة وقيام مملكة مالي على انقاضها، فإلى جانب العوامل الطبيعية كالجفاف الذي حمل الناس على الهجرة، هناك عوامل سياسية مرتبطة بالحركة الجهادية التي قادها المرابطين بهدف نشر الإسلام، والقضاء على الوثنية، حيت تم السيطرة على منطقة كومبي صالح أو (أداغوست) عاصمة غانة، التي أصبحت تحت رحمة المرابطين مما أدى إلى تدعيم العقيدة الإسلامية بالسودان الغربي، وإضعاف مملكة غانة. وبذلك فقد كان للحركة المرابطية دور كبير في القضاء على مملكة غانة التي دخلت مرحلة الانهيار بفعل تدهور اوضاعها الداخلية في الوقت الذي كانت فيه الدولة المرابطية حديثة النشأة، وتدعم مرتكزاتها على أساس الجهاد قبل أن ينشغل المرابطون بالمغرب الأقصى، حيث مهدت هذه العمليات الجهادية لانهيار غانة على يد قبائل الصوصو الذين أسسوا مملكة مالي. 
2- مملكة مالي:
- ابتداء من القرن 11م من طرف قبائل الماندجو بقيادة سندياتا كيتا. 
- الامتداد: من تخوم المغرب الأقصى (الصحراء الكبرى) شمالا إلى حدود بلاد برنو...
في هذه الفترة عرف السودان الغربي انفتاحا على العالم الإسلامي، لقد ارتكزت مالي على الجهاد لتوسيع رقعة الإمبراطورية، ونشر الإسلام الذي تحول الى دين رسمي للدولة، وإخضاع الشعوب والقبائل الوثنية. كما حرص ملوك مالي على إدماج السودان الغربي داخل العالم الإسلامي، وخلق علاقات سياسية مع الدول الإسلامية كالمرينيين، الى جانب أداء فريضة الحج التي تكتمل بفعلها مشروعية ملوك مالي. وفي هذا الإطار اشتهرت الرحلة الحجية لـ منسا موسى سنة 724هـ بفعل ما حملته من الذهب الذي قدره ابن خلدون بـ 80 ناقة، إلى جانب عدد كبير من العبيد ثم منسا سليمان. وبذلك عمل ملوك مالي على تجسيد الحكم الإسلامي، والاتصاف بالعدل وقيادة الجهاد، إلى جانب الاعتماد على المسلمين في الإدارة والقضاء. 
3- إمبراطورية سنغاي (سنغي/ صنغي):
بلغت امبراطورية سنغاي أوج قوتها خلال القرن 9 و10هـ/15 و16م. مر التاريخ السياسي لدولة سنغاي عبر ثلاث مراحل: 
   مرحلة التأسيس في عهد أسرة زا 
   مرحلة حكم أسرة سني
   مرحلة حكم الاساكي
مرحلة التأسيس والتبعية لمملكة مالي:
تأسست مملكة سنغاي خلال القرن 7هـ من طرف قبائل سنغاي المقيمة على ضفاف نهر النيجر الأوسط. تلقب أمرائها بلقب "زا" إلى غاية 1335م. تذهب الرواية إلى أن تأسيس سنغاي تم على يد زا الأيمن الذي وفد على المنطقة بمعية أسرته قادما من اليمن مستقرا بأرض كوكيا، ثم اتخذت هذه الأسرة من كاغ عاصمة لها. وقد خضعت سنغاي لسيطرة مالي منذ عهد منسا علي، وظلت علاقتها تتأرجح بين التبعية والانفصال إلى غاية القرن 14م، حيث استغلت سنغاي ضعف مملكة مالي للتخلص بشكل نهائي من سيطرتها. 
 مرحلة حكم سني:
بدأت فترة حكم هذه الأسرة عندما أصبحت سنغاي تحت حكم سني علي كولون الذي وضع أسس دولة سنغاي، وعمل على بناء قوتها العسكرية. لقد شكلت سنغاي جزء من ممتلكات دولة مالي التي كان من عادة حكامها كلما فتحوا منطقة أن يتركوا إدارتها لملوكها القدامى ويأخذوا أبنائهم رهائن لتجنب ثورة هذه المناطق وشعوبها، وقد أخد ملك مالي عند احتلاله سنغاي رهائن من بينهم علي بن كولون، الذي استطاع الهرب وأعلن نفسه ملكا على سنغاي متخذا لقب "سني" سنة 1335م، وامتنع عن دفع الجزية لملوك مالي. وتمكنت دولة سنغاي من صد هجمات قبائل الموسي من الجنوب و"الطوارق" من الشمال، وبدأت دولة سنغاي تتقوى مع وصول سني علي إلى الحكم سنة 1465م بعد توسيع نفوذ الإمبراطورية وإخضاع حواضر تومبوكتو وجيني. وبذلك يمكن القول أن سني علي هو المؤسس الحقيقي لدولة سنغاي التي حققت في عهده تطورا سياسيا وتجاريا...غير أن علاقته بالعلماء، كانت على الصورة التي نقلتها الكتابات عن علي سني الذي تم تخصيصه بعدد من الأوصاف مثل الكفر والظلم والاستبداد كنتيجة لتسلطه على علماء تومبوكتو. 
مرحة حكم الأساكي 1493-1592م (التطور والازدهار):
استطاع محمد بن ابي بكر التومي، بعد استيلائه على الحكم سنة 898هـ/1493م، أن ينظم مملكة سنغاي بتقسيمها إلى عدة مقاطعات أو مناطق إدارية جعل عليها ولاة تابعين له. كما عين جبات للضرائب وقضاة للنظر في المظالم حيث نال هذا التنظيم إعجاب محمود كعت الذي قال (أن الاسكية محمد يصلح لحكم دولة بني العباس وكل دولة أخرى غيرها). وتمكنت مدن السودان الغربي بفعل هذا التنظيم من تحقيق تطور على المستوى الخارجي، أفضى إلى تحقيق أرباح مهمة، ضمها الإسكية محمد إلى خزائن سني علي، وظهر هذا الغنى بمناسبة الرحلة الحجية التي قام بها الإسكية محمد، والتي حمل خلالها كميات كبيرة من الذهب والعبيد، فتصدق بنسبة كبيرة منه، واشترى بعض الأراضي ووضعها وقفا على أهل التكرور.
أسس محمد الإسكية حكمه على أساس النموذج الإسلامي، فحرص على استيعاب مقومات المشروعية الدينية. فكانت فريضة الحج مناسبة للحصول على اعتراف بعض علماء المسلمين مثل الأسيوطي وأبو العباس، وحصوله على خليفة المسلمين ببلاد التكرور، وهو الأمر الذي عبر عنه محمود كعت في كتابة (تاريخ الفتاش) في قوله: أن الإسكية محمد لقي في تلك الأراضي المباركة الشريف العباسي وطلب منه أن يجعله خليفته في سنغاي فرضي بذلك... {} فجعله خليفته. كما رفع محمد الإسكية راية الجهاد استنادا إلى مشروعيته الدينية، لتتأتى له توسيع امتدادات دولة سنغاي عبر التوسعات على حساب الشعوب الوثنية، خاصة قبائل الموسي الذين شكلوا تهديدا لمجموع بلاد السودان الغربي، فاستطاع ما بين 1497 و1498م تخريب الكثير من حقولهم، وسبي العديد منهم رغم انه عجز عن إخضاع هذه القبائل. وغربا، عمل الإسكية محمد على ضم ما تبقى من أراضي مالي ما بين سنتي 1506 و1516م، غير أن أهم حملاته كانت شرقا ضد بلاد الهوسة، ما بين نهر النيجر وبحيرة التشاد، كما استطاع وضع حد لهجمات قبائل الطوارق وطردها. وبذلك بلغت مملكة سنغاي في عهد الإسكية محمد من القوة والاتساع والتنظيم ما لم تبلغه الممالك التي سبقتها. فأدى ذلك إلى ازدهار التجارة والثقافة الإسلامية في مدن كاو وتمبكتو...بفعل عناية محمد الإسكية بهذه المدن، قبل أن تدخل دولة سنغاي مرحلة الضعف بعد انقلاب الابن الاكبر للإسكية محمد على أبيه سنة 1528م، وبداية الصراع داخل الأسرة الحاكمة. فكان هذا الصراع سببا في ضعف مملكة سنغاي، وبداية الصراع مع دولة الأشراف السعديين بالمغرب.
لقد عجزت القوى السياسية المتعاقبة على حكم السودان الغربي، من تحقيق وحدته السياسية من خلال بسط سيطرتها على المنطقة، ذلك أنه بالموازاة مع هذه الأنظمة، ظلت القوى الأخرى فاعلة في التاريخ السياسي للسودان والمتمثلة في بعض القبائل، كالطوارق والفلان والموسى.
حملة المنصور الذهبي على بلاد السودان الغربي:
توسع حكم إمبراطورية سنغاي، وازداد انتشار الإسلام حتى بلغ فروع النيجر الشرقية خاصة في عهد الإسكية الاكبر (المتوفى سنة 1529) الذي ظفر بلقب الإمام وأمير المؤمنين، فحصل ملوك سنغاي بذلك على مشروعية دينية جعلتهم يظهرون كمنافسين لملوك الدولة السعدية، التي عرفت أوج قوتها في عهد أحمد المنصور خاصة على إثر انتصارها في معركة وادي المخازن سنة 1578م. حيث ستتجه اطماعها الى الجنوب بعد انغلاق الجبهة الشرقية بفعل الهيمنة العثمانية، فاصطدم السعديون بملوك سنغاي واشتد الصراع على ملاحة تغازة بفعل مطالبة أحمد المنصور بهذه الملاحة ورفض الاسكيا إسحاق. مما اضطر أحمد المنصور الى استشارة العلماء واهل الحل والعقد في المسألة، فكان جوابهم بان هذا الامر المتمثل في الحملة المراد ارسالها الى السودان "غير داخل في حيز الإمكان ولا يتصور خياله الا في الاذهان محتجين باعتراض المفاوز البيد والمجاهل القفار دونها التي لا تشقها الرفاق القلائل الا بعد عصب الريق والافلات من مخالب الهلكة".
غير أن ذلك لم يحول دون إرسال السلطان أحمد المنصور حملته الى السودان بقيادة باشا جؤدر رفقة عدد من القياد العلوج والاندلسيبن ومحلة قدرها السعدي بثلاثة آلاف جندي من الرماة من أصحاب الخيل والرجل، التقوا بجيش كبير قرب تندبي بقيادة الاسكية إسحاق ويضم اثنا عشر ألف وخمس مائة من الخيل وثلاثون الف من المشاة في معركة غير متكافئة على المستوى التقني، حيث استعمل جيش الاسكيا أسلحة تقليدية وبدائية في مواجهة جيش نظامي يستعمل السلاح الناري الذي لا عهد للافارقة به، مما أدى الى انتصار كاسح وسريع لجيش المنصور الذهبي سنة 1603م واستقلت المنطقة تحت حكم الرماة (باشوات الدولة السعدية).
المحور الثاني: علاقات المغرب بإفريقيا الغربية الى غاية القرن 19م:
1- العلاقات التجارية بين المغرب وافريقيا الغربية
أولت الاستغرافيا العربية عناية خاصة لثروات وموارد السودان الغربي واسواقه (حواضره) ومناجمه ومسالك التجارة الصحراوية التي تربطه بشمال افريقيا، وهو ما يفسر مكانة كتاب "المسالك والممالك" في التأريخ للسودان الغربي، حيث تشكل التجارة المعطى المادي المفسر لشروط نشأة العلاقات المغربية الافريقية واستمراريتها حيث تشكل التجارة مدخل لدراسة هذه العلاقات وتحولاتها التاريخية ومنطلقا لدراسة تاريخ شمال وجنوب الصحراء سياسيا وحضاريا، إذ حضي التحكم في هذه الطرق بالأولوية لدى الأنظمة السياسية في افريقيا والمغرب بالنظر الى أهميتها في تزويد هذه الدول بمقوماتها المادية. كما لعبت التجارة أدورا بارزة في نقل المؤثرات المغربية الى السودان وتشكل الهوية الثقافية والحضارية للسودان، كما تفسر هذه الأهمية عناية العرب ومن بعدهم الأوروبيين خلال بداية الحقبة الحديثة بإفريقيا وثرواتها، حيث اتخذت هذه العناية تجليات مختلفة أبرزها الاهتمام بمعرفة مسالك التجارة العابرة للصحراء والتي حددها البكري فيما يلي:
طرق تادكمة أودغست: أورد البكري وصفا لهذه الطرق بمراحله الخمسين وعرفه بحركيته التجارية النشيطة ويتمز بوجود الآبار التي حفرها عبد الرحمان بن حبيب.
طريق سجلماسة أودغست التي تحدث عنها البكري وذكر أنها على طريقين، أحدهما يمر على تادكمة والثاني يتجه رأسا الى غانة على مسيرة شهرين.
طريق وادي درعة الى بلاد السودان ويتسم بقلة الماء.
طريق تغازة السودان.
عرفت مسالك التجارة الصحراوية حركية ناتجة عن الاعتبارات الأمنية والطبيعية التي أفضت الى تراجع مكانة طرق وظهور أخرى. وتبعا لهذا التحول تتغير خريطة الحواضر التي تنهار بفقدانها لأدوارها كسوق لمنتجات التجارة الصحراوية وتظهر بتحول المسالك حواضر جديدة تستفيد من هذه الدينامية، كما أثر هذا التحول على التاريخ السياسي للسودان الغربي، حيث اسهم في انهيار دول وظهور أخرى، وهو المعطى الذي يفسر انهيار غانة وظهور دولة مالي.
وتتنوع السلع المجلوبة من السودان الغربي، فإلى جانب الذهب والعاج والجلود، كان السودان الغربي مصدرا لتجارة الرقيق، وتتم مقايضة هذه السلع بأخرى يستوردها السودان الغربي عن طريق القوافل التجارية. جزء من هذه السلع مجلوب من البحر الأبيض المتوسط وبعضها من الشمال الافريقي والصحراء حيث تنقل القوافل الى السودان سلع مختلفة مثل التمر والاحجار الكريمة والنحاس والخيول والمنسوجات والملح بشكل خاص الذي كانت له أهمية بالغة عند أهالي السودان الغربي منذ عهد التجارة الصامتة، إذ كان يجلب من منجم تغازة.
وقد غلبت على التجارة الصحراوية المقايضة كأداة للتعامل التجاري، حيث تقوم على استبدال سلعة بأخرى، غير ان تطور الرواج التجاري أدى الى ظهور عملات ذهبية وأخرى نحاسية، فقد كانت عملة اهل تادمكة تسمى الصلع نظرا لكونها من الذهب الخالص وغير مختومة.
لقد خلقت التجارة العابرة للصحراء الشرط المادي لتشكل حضارة غنية بإفريقيا الغربية كما بالمغرب، مما حولها الى مدخل لدراسة تاريخ المنطقة، حيث زودت التجارة الدول في السودان الغربي بمقوماتها المادية، فأسهمت في تشكل وتطول هذه الدول وتحقيق الرخاء الاقتصادي، كما تحكمت التجارة الصحراوية في نشأة وازدهار الحواضر بالمغرب والسودان الغربي، مما يفسر ارتباط هذه الحواضر بطرق التجارة الصحراوية واتخذت شكل أسواق تجارية يرتبط اشعاعها بهذه الأنشطة التجارية، حيث اشتهرت بلعب هذه الأدوار عدة حواضر في المغرب مثل سجلماسة وفاس وتوات وغدامس ... كما أدت التجارة الى تطور واشعاع حواضر السودان مثل جيني وتنبوكتو وتغازة وجاو وتادمكة واوداغست وغيرها، حيث ان تراجع الطرق الصحراوية وظهور أخرى كان يؤدي الى تراجع الرواج بالمدن وانهيارها وتغير خريطة الحواضر التي تشكل قواعد لانطلاق القوافل أو محطات لتوقفها. كما أدت التجارة الصحراوية التي تنقل السلع بين المغرب والسودان الى انتقال المؤثرات الفكرية والروحية وتطور العلاقات الفكرية والروحية بين المغرب الأقصى والسودان الغربي.
جسدت التجارة الصحراوية العلاقات الاقتصادية بين المغرب وافريقيا الغربية، وهذا ما يفسر تراجع هذه العلاقات ابتداء من القرن 15م بفعل نتائج الكشوفات الجغرافية التي توجت بوصول الإيبيريين (الاسبان والبرتغال) الى سواحل إفريقيا الغربية وخلق مراكز للتعامل التجاري مع الأفارقة رغبة في تجاوز الوساطة العربية، مما افضى الى تراجع التجارة الصحراوية وفقدان الصحراء الكبرى والجنوب المغربي (سوس والصحراء) تدريجيا لأدوارهما التاريخية في ربط شمال افريقيا بجنوبها، وبداية انهيار الحواضر الكبرى مثل سجلماسة.


2- الدين في افريقيا الغربية:
أ- الأسلمة: انتشار الإسلام وتأثيره السياسي بافريقيا الغربية
يرجع دخول الإسلام في بلاد غرب افريقيا الى القرن الأول الهجري، حيث تحدث البكري وأحمد بابا التنمبكتي مؤرخ سنغاي عن وجود حي من المسلمين بمدينة غانا عاصمة مملكة غانا، ويضم اثنا عشر مسجدا. قد تحدث البكري عن هذا العدد من المساجد الى جانب عدد من المدارس القرآنية والإسلامية بالقسم الإسلامي. كما ذكر القلقشندي أن أهل غانة اسلموا أول الفتح بعد ان أسلم أحد ملوك غانة في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) وهو تلوتان بن تكلان عام 837م. ويقال أنه شن حربا دينية ضد جيرانه الوثنيين.
وبغض النظر عن وصول الفاتحين من عدمه الى السودان الغربي، فقد أسهمت هذه الفترة في وصول الإسلام لمجال صنهاجة بالصحراء ومهدت لأسلمة السودان الغربي. كما تنسب بعض الكتابات مجهودا مهما للخوارج الاباضية الصفرية في أسلمة السودان الغربي استنادا على مؤشرات تاريخية ترتبط بإقامة الخوارج لإمارات صحراوية بتاهرات وسجلماسة وإقبال الخوارج على التجارة الصحراوية مما شكل مدخلا لافتراض مساهمة الخوارج في أسلمة المجال قبل القرن 5هـ/11م.
ومن بعدهم، كان للمرابطين أو الملثمين دور مهم في أسلمة السودان الغربي، حيث بدأت الحركة المرابطية في نشر الدعوة الإسلامية بين قبائل صنهاجة أولا ثم انطلقوا جنوبا عبر الصحراء الى بلاد السودان. وكان القطب الروحي لحركة المرابطين عبد الله بن ياسين الجزولي (المتوفى سنة 451هـ-1059م) قد بدأ بنشر الدعوة بين سكان غانة حيث تحمست قبائل السوننك وعملت على بث الدعوة الإسلامية بين القبائل الافريقية الأخرى فيما بعد. كما تجلى دور المرابطين في نشر الإسلام بغرب افريقيا في ارسال الدعاة والعلماء للقبائل السودانية، وبفضل حركتهم، ازداد انتشار الإسلام كما ازداد الاتصال التجاري والثقافي بالبلاد الإسلامية عامة.
أما المرحلة الثالثة من مراحل انتشار الإسلام في غرب افريقيا، فكانت على يد سادة دولة مالي الإسلامية، فقد كان مؤسسوها الماندنجو أكثر تحمسا للإسلام وللدعوة إليه، فالملك منسي موسى (1307/1332م) الذي يعتبر من أعظم ملوك هذه المملكة التي بلغت في عهده أوج مجدها، استطاع قواده أن يفتحوا ولاتة وتنبكتو وان يضموا جاوا (Goa) في أواسط النيجر.
ثم جاءت المرحلة الرابعة من مراحل انتشار الإسلام على يد ملوك مملكة سنغاي الإسلامية وهي الوريثة للمملكة مالي في تلك المنطقة. وعملت سنغاي منذ حكم اول ملوكها على نشر الإسلام بين الوثنيين كما كان نفس الشأن بالنسبة لمالي.
ينضاف الى هذه الأدوار ما قامت به امبراطورية البرنو. والمشهور أن الإسلام وصل الى كانم مباشرة من مصر ومن أشهر دعاة الإسلام في كانم، محمد بن ماني (القرن 11م) واشتهر مايات برنو بحماسهم للدعوة الإسلامية بين القبائل الوثنية. وعند نهاية القرن 11م بدأ انتشار الإسلام في مناطق السودان الأوسط بعد ان اعتنقته عائلة كانم. وبدخول الإسلام أمكن إقامة ممالك كبيرة.
كما ينضاف الى هذه الأدوار كذلك ما قامت به قبائل الفلاني التي اشتد حماسها لنشر الإسلام زمن ازدهار دولتهم (الخلافة الصكتية) في القرن التاسع عشر وإسلام الفلان يرجع الى القرن الرابع عشر.  ويطلق الفلانيون على أنفسهم اسم الفلاني والفولاني.
لقد امتدت عملية انتشار الإسلام بالسودان الغربي لفترة طويلة (الى غاية القرن 19) وذلك بفعل خصوصية الاسلمة بالمجال الذي تميز بالتأرجح الناتج عن كثرة التحديات التي واجهها هذا الانتشار بفعل كثرة القبائل الوثنية وتركيز الاستعمار على محاربة الإسلام، مما فرض ظهور حركات جهادية صوفية تيجانية وقادرية خلال القرن 19م كما هو الشأن بالنسبة لحركة عمر بن سعيد فوتي الذي قاد حركة جهادية لنشر الإسلام ومحاربة الوثنية، وهو امر يعكس التحديات التي واجهها الإسلام بالمنطقة ودور المغرب في ذلك.
ب- تأثير الإسلام في نظام الحكم بالسودان الغربي
بدأ التمييز داخل السودان منذ حكم مالي بين قسمين، دار الكفر(أو دار الحرب) ودار الإسلام التي عرفت توسعا تدريجيا نتيجة للانتشار التدريجي الإسلام بفعل دور الدعاة والتجار وكذلك مجهودات ملوك سنغاي في قيادة عمليات الجهاد. وهو الدور الذي لعبته الدول الافريقية وانظمتها السياسية ابتداء من ملوك مالي وصولا الى حركة عمر فوتي الجهادية خلال القرن 19م.
لقد عمل الملوك على ادماج السودان سياسيا واجتماعيا داخل النموذج الإسلامي، وفي هذا الإطار اصطحب منسي موسى معه المعماري الساحلي للمساهمة في تشييد منشىته على النمط الإسلامي، كما حرص الاسكيا محمد وملك كانو على اتباع توجيهات واستشارات كل من لمغيلي والعالم المصري السيوطي الذين كان لهما دور كبير في توجيه ملوك السودان الى اتباع النهج الإسلامي في الحكم لشرعنة حكمهم. وفي نفس السياق حرص منسي مسى على ان تربطه علاقة خاصة بالسلطان أبوعنان المريني.
بعد منسي موسى بحوالي قرن ونصف، ستبدأ تجربة سياسية أخرى (حوالي القرن 10هـ/11م) ساهمت في نشر الإسلام في أواسط افريقيا قادها الاسكيا محمد الذي ذهب بعيدا في محاولة بناء دولته سياسيا واجتماعيا على أساس الإسلام وقواعده، في محاولة منه لمنح حكمه مشروعية سياسية، فاستخدم كل الوسائل التي تميز الدين السياسي ونطام الحكم الإسلامي بدء من رحلته الحجية في أواخر القرن 15م التي عاد منها بلقب خليفة المسلمين بالسودان الغربي واصطحب معه خلال عودته مستشارين وعلماء مسلمين وحصل على تأييد ومباركة عدد من كبار العلماء.
ولتأكيد هذا النموذج في الخلافة، اتبع الاسكيا محمد بعض الإجراءات التي تثبت اتباعه للنهج الإسلامي في الحكم على مستوى الهيئة والسلوك ونظام الحكم، حيث كان يخصص يوم الجمعة للاستماع للمظلومين وانصافهم وقيادة الجهاد ضد القبائل الوثنية حيث ساهم في تعزيز الإسلام بالمنطقة.
وفي نفس الوقت، قامت دولة إسلامية عظيمة هي دولة كانم برنو الإسلامية التي نمت وتطورت حول بحيرة التشاد، حيث يدعي أهل كانم انتاسبهم الى سيف بن ذي يزن، كما ان منهم من ادعى أنه من نسل عثمان بن عفان (الماي بن زينب المتوفى سنة 1300م)، واشتهر مايات برنو بحماسهم للدعوة الإسلامية بين القبائل الوثنية، ومن أشهر الدعاة للإسلام في دولة كانم، محمد بن هاني (القرن 11). أقام الهوسكا كذلك أكثر من دولة إسلامية اشتهرت في التاريخ باسم دول الهوسكا السبع فيما يعرف نيجيريا الحالية.
خلال فترات من التاريخ، حمل بعض حكام الدول الإسلامية التي ازدهرت خلال العصور الوسطى لقب "الإمام" ولقب "أمير المؤمنين"، وعملوا بمبدأ الشورى. ومن بين هؤلاء الحكام الحاج أسكيا محمد ملك سنغاي عام 1453م، وبعض مايات دولة كانم الإسلامية مثل الماي دونمة بن دا بالا (المتوفى حوالي 1259م) وإدريس ألوما (1571/1604م) الذي سار خلفاؤه على ذلك من بعده. كذلك استخدم مايات برنو لقب "خليفة" ولقب "أمير المؤمنين" وذلك منذ القرن 13م. وقد صارت الخلافة الصكتية التي أسسها عثمان بن فودي في بداية القرن 19م على نمط الخلافة الإسلامية في صدر الإسلام.
كما انهم حافظوا على النظام المالي الذي صار وفق النظم الإسلامية المستمدة من تعاليم القرآن الكريم مثل الزكاة والجزية الغنيمة وغيرها من الضرائب التي كانت تدفع لبيت المال. كما قام القضاء على أساس الشريعة الإسلامية، وكان للعلماء دور كبير في لشان السياسي خاصة في عهد الاسكيا الحاج محمد الذي أولى أهمية كبيرة للعلماء، وأغدق عليهم واستمالهم واعتبر ذلك أحد مرتكزات مشروعية حكمه.
3- التأثير الفكري للمغرب بالسودان الغربي
أدت المؤثرات المغربية خاصة تلك التي مارستها قبائل صنهاجة الى انتشار الإسلام بالسودان الغربي. كما أدت الى انتشار اللغة العربية حيث توجت الحركة المرابطية بانتشار المذهب المالكي الى جانب العقيدة الاشعرية بالسودان، فأسفرت هذه الوحدة الدينية والمذهبية والعقائدية عن ارتباط السودان الغربي بالمغرب على المستوى الفكري. واستمر هذا الارتباط بخضوع السودان الغربي للمؤثرات الفكرية المغربية والتي تتجلى فيما يلي:
- وحدة الاسانيد والمتون، حيث انتشرت الكتب المغربية شكلت مادة الدرس في افريقيا مثل مختصر خليل.
- سيادة نفس النظام التربوي السائد في المغرب والمتمثل في المساجد والمحاضر التي تعتمد على نفس الأساليب البيداغوجية في الحفض والتدرج والتركيز على علوم الدين الفقه اللغة
- الدور الكبير الذي اضطلع به العلماء المغاربة والذي أسهم في نشر الثقافة العربية الإسلامية بالسودان الغربي وحواضره الكبرى مثل تمبوكتو
- الرحلة الى المغرب واهميتها في استكمال شخصية العالم الافريقي. كما كانت تتم هذه الزيارة في سياق الرحلة الحجية التي تمر إما عبر الطريق الشرقي المار بدول افريقيا الوسطى والشرقية او الطريق الغربي المار عبر فاس وحواضر المغرب مما أتاح للأفارقة أخذ العلوم والأوراد عن المغاربة والاستفادة من علومهم.
أسهمت هذه الأدوار في ازدهار الحياة العلمية في غرب افريقيا، واستفادت من دعم ملوك وحكام السودان في العصور الوسطى والحديثة الذين استقدموا عددا كبيرا من العلماء، فامتلأ السودان الغربي بالعلماء، كما ازدهرت الحواضر العلمية مثل كومبي صالح وتنبكت (تنبكتو) وجني وجاوا وولاتة وكونغ (ساحل العاج) ومدينة كانكان (غينيا)، وتطورت الرحلة العلمية داخليا بين هذه الحواضر وخارجيا صوب الحواضر الإسلامية الكبرى مثل القيروان وفاس والقاهرة والمدينة المنورة.
وقد ترسخ التعليم التعليم الإسلامي في السودان، وأصبح تعلم اللغة العربية مفتاحا للعلم والمعرفة حيث عكف العلماء في بلاد السودان الأوسط منذ العصور الوسطى على تعليم وتعلم اللغة العربية لغة وأدبا وألفوا بها كثيرا من الكتب في شتى الفنون.
وترتب عن تدفق هذه المؤثرات الفكرية ازدهار الثقافة العربية الإسلامية بمراكز السودان الكبرى مثل تنبكتو وجيني وغيرها، فاتخذ هذا التطور مظاهر مختلفة أبرزها ازدهار حركة التأليف والإنتاج العلمي وحركة التدريس، وتزايد عدد العلماء ومكانتهم العلمية والسياسية، وانتظمت هذه الفئة داخل اسر علمية مثل أسرة آل اقيت واندغ وكعت.
لقد ترسخت أسس الثقافة الإسلامية بالسودان الغربي فانتبه الأوروبيون لذلك، مما دفعهم للانطلاق من هذه الخصوصية في وضع سياساتهم الاستعمارية الهادفة الى محاربة مقومات الحضارة الإسلامية التي احتلت منزلة رفيعة في السودان الغربي خاصة خلال فترة الخلافة الصكتية ببلاد الهوسا في القرن التاسع عشر، حيث أدرك المستعمرون خطورة اللغة العربية على جودهم الاستعماري فحاولوا ازالتها من هذه المكانة الرفيعة، فشجعوا الارساليات والطوائف المسيحية في هذه البلاد ويسروا لها كل السبل والوسائل لنشر الدين المسيحي والثقافة الغربية في أفق التمهيد للاستعمار.
4- العلاقات الروحية بين المغرب وافريقيا الغربية
حقق انتشار المذهب المالكي في المغرب السودان الغربي وحدة مذهبية بالموازاة مع وحدة العقيدة الاشعرية، حيث وضعت هذه الوحدة أسس التواصل الفكري بين المغرب وافريقيا الغربية، وتحقق التواصل الروحي الصوفي نتيجة لوحدة الخريطة الصوفية الناتجة عن انتشار نفس الطرق الصوفية الموجودة في المغرب بالسودان الغربي. فقد شكل التصوف أحد أسس الحضارة الإسلامية بالسودان الغربي، ولعب دورا بارزا في انتشار الإسلام بالمنطقة إذ ساهمت عوامل مختلفة في انتشار التصوف واحتلاله مكانة مهمة في اوساط الافارقة الذين وجدوا في التصوف ما ينسجم مع خصوصيتهم الثقافية، مما يفسر الانتشار الكبير الذي تحقق للطرق الصوفية خاصة القادرية والتجانية.
أ- الطريقة القادرية
تنسب الى الشيخ سيدي عبد القادر الجيلاني (المتوفى: 56هـ-1567م). انتقلت الى المغرب على يد ابي مدين الغوث (المتوفى 594هـ) والى الصحراء على يد الشيخ عبد الكريم المغيلي الذي أخذها عن الامام السيوطي عن الثعالبي، تفرعت عنها الطريقة القادرية الكنتية التي وضع أسسها الشيخ سيدي المختار الكنتي (المتوفى: 1226هـ-1811م) الذي ألف الأوراد الأدعية التي يتداولها المريدون، وانتشرت الطريقة انطلاقا من منطقة أزواد واتسع نفوذها لتشمل معظم الصحراء والسودان الغربي وأجزاء من المغرب.
وقد ربطت الطريقة القادريين في السودان بنظرائهم في المغرب، وكانت لها أدوار سياسية كبيرة تجسدت في ممارسة تأثير روحي كبير في أوساط السودان وزعماء بعض الحركات الصوفية في السودان الغربي الذين استفادوا من دعمها كما هو الشأن بالنسبة للشيخ عثمان بن فودي مؤسس الامارات الإسلامية في شمال نيجيريا، والشيخ أحمد لوبو السوداني مؤسس دولة ماسينا، كما ازداد اتباع القادرية بهذه المناطق الافريقية ليشمل غامبيا وبعض أمراء فوتا من بلاد السودان الغربي خاصة الإمام برام إبراهيم وابنه الإمام محمد وغيرهما. كما حققت الطريقة القادرية الفاضلية نسبة لمحمد فاضل بن مامين بعض الانتشار في افريقيا. 
ب- الطريقة التيجانية
تضرر نفوذ القادرية بوصول الطريقة التيجانية للسودان الغربي خلال القرن 19م، وتنسب هذه الطريقة الى الشيخ سيدي أحمد التيجاني المولود بـ (عين مادي) والمتوفى بفاس سنة 1230هـ- 1815م. وصلت الى الصحراء (شنقيط) عن طريق الشيخ محمد الحافظ بن لحبيب العلوي (تـ 1254هـ- 1838م) الذي اتصل بالشيخ سيدي أحمد التيجاني مباشرة وأخذ عنه الطريقة ونقلها من المغرب الى السودان الغربي وعمل على نشرها معتمدا على مريديه من قبيلة ادوعلي حيث كان للتجانية دورا كبيرا في تكريس خضوع السودان الغربي للمؤثرات الروحية المغربية وتحول المغرب وخاصة فاس الى قبلة للأفارقة التجانيين، كما لعبت التيجانية دورا كبيرا في انتشار الإسلام بالسودان الغربي عبر الحركة الجهادية التي قادها عمر بن سعيد فوتي خلال القرن 19م والتي سعى من خلالها تحقيق الأهداف التالية:
جهاد الوثنيين ونشر الإسلام في أوساط القبائل الوثنية بالسودان الغربي.
جهاد الفرنسيين واحباط مخططاتهم الهادفة الى التوغل في المنطقة واحتلالها.
نشر مبادئ الطريقة التيجانية.
لقد ارتكزت الحركة الجهادية التي قادها عمر فوتي على الطريقة التيجانية التي واجهت معارضة قوية من طرف شيوخ ومريدي الطريقة القادرية بالمغرب وافريقيا الغربية.
وقد تفرعت عن التيجانية طرق عديدة بالسنغال أبرزها طريقة إبراهيم نياس المؤسسة في بداية القرن 20 حملت اسمه. وفيما يتعلق بسبب حصوله على هذه الطريقة يبرز دور المغرب عبر الشيخ سكيرج (المتوفى 1964) والذي التقاه الشيخ نياس بفاس بمناسبة رحلته الحجية سنة 1937م. وتذكر روايات أن سكيرج كان له الفضل في انتماء نياس للطريقة التيجانية بينما تفصح روايات أخرى انه كان من مريدي الطريقة قبل وصوله لفاس، وأن اللقاء بين الرجلين إنما جاء لترسيخ مكانة الشيخ نياس حيث نعته سيدي سكيرج بـ "غوث الزمان".
وعموما فإن الشيخ إبراهيم نياس يعد أحد الاعلام البارزين الذين كان لهم فضل كبير في نشر الطريقة التيجانية بالسنغال في غيرها من دوا افريقيا الغربية بفضل تجواله بها ودعوته لها، خاصة في غانا وشمال نيجيريا حيث نجد الآلاف من المريدين التابعين للطريقة التجانية الابراهيمية.
لقد انتقلت المؤثرات الفكرية والروحية المغربية عبر السودان الغربي في أوساط افريقيا الوسطى الشرقية، حيث انتشرت الطريقة انطلاقا من السنغال فأصبح لها مريدون في أقطار إفريقية أخرى مثل مصر وجمهورية السودان حيث توجد فروع عديدة للطريقة.
      المحور الثالث: الاستعمار بإفريقيا الغربية خلال القرن 19م:
افرزت الثورة الصناعية حركة إمبريالية اندفعت عبرها دول أوروبا الغربية بحثا عن مستعمرات خاصة بإفريقيا، فمهدت لذلك عبر ارسال المستكشفين والتجار والبعثات التبشيرية. وقبل الحركة الاستعمارية كانت افريقيا قد استقبلت الأوروبيين منذ القرن 15م إذ ابحرت السفن البرتغالية الأولى الى سواحل غرب افريقيا عام 1418م، ووصلت الى منطقة الغابات الاستوائية قبل أن يتوفى هنري الملاح عام 1460م، حيث أنشأ البرتغاليون عددا من الحصون الساحلية ومارسوا من خلالها تجارة مربحة من الذهب والعاج والعبيد لا سيما خلال القرن 17م.
لقد أدت أنشطة الأوروبيين التجارية الى انهيار التجارة الصحراوية وتحولها نحو السواحل في إطار التجارة الأطلسية التي احتكرها الأوروبيون، مما أفضى الى تدعيم قوة دول الساحل على حساب دول السودان الغربي، حيث سيطر البرتغاليون على السواحل وأقاموا محطات ومراكز تجارية، وحصروا وجودهم بهذه المناطق الساحلية دون التفكير في التوغل معتمدين على الوسطاء في تجارتهم المرتكزة على العبيد وتحولوا فيما بعد الى الفضة والعاج والنحاس.
لقد مهدت الموجة الأولى من الاستعمار في سياق الكشوفات الجغرافية التعرف على إفريقيا الغربية وشعوبها وثرواتها، فتم ادماجها في سوق رأسمالي ناشئ ربطها بأسواق الأوروبية، حيث نشأت حركة تجارية كبيرة نقلت ثروات السودان من عبيد وذهب عاج الى أوروبا أمريكا، فازدهرت تجارة العبيد التي اشترك فيها التجار الهولنديين والبريطانيين الفرنسيين الى جانب البرتغاليين، وقد أطلق على هذه التجارة اسم التجارة الثلاثية لأنها تربط إفريقيا وأوروبا بالعالم الجديد (القارة الأمريكية).
إن الاختلافات الجزئية في الأسباب التي دفعت كل دولة الى الاهتمام بإفريقيا لا تنفي تشابه عوامل الإمبريالية التنافس الاستعماري حول مراكز النفوذ بإفريقيا، حيث شكلت الأهداف الاقتصادية المرتبطة بنتائج الثورة الصناعية وتزايد الحاجة الى المواد الأولية والاسواق أسبابا مباشرة في بروز الحركة الإمبريالية بالموازاة مع طموحات البورجوازية الأوروبية في خلق مجالات حيوية تضمن التوسع الاقتصادي الأوروبي، مما يقسر تركيز دول أوروبا الغربية على إفريقيا الغربية المعروفة بثرواتها ومواردها الاولية الكثيرة.
ثمة مجموعة من العوامل التي أسهمت في التعجيل بعملية التكالب الاستعماري على إفريقيا من بينها طموح ملك بلجيكا ليوبولد الثاني في بناء امبراطورية تشمل منطقة حوض الكونغو، وقيام ألمانيا بضم الكاميرون وشرق إفريقيا وجنوب غرب افريقيا، وعليه فقد دعا المستشار الألماني بيسمارك سنة 1884م الى عقد مؤتمر دولي لتخفيف حدة التنافس بين الدول الأوروبية في إفريقيا. وقد انتهى هذا المؤتمر الى وضع قواعد عامة لتأسيس مناطق الهيمنة التجارية، على أن هذا المؤتمر باعترافه بقيام دولة الكونغو الحرة قد أعطى لكل من فرنسا وبريطانيا الحافز لتوسيع مجال سيطرتها من خلال إنشاء مستعمرات ومحميات جديدة.
إن ما يميز التسرب الاستعماري الى إفريقيا هو أهمية التجارة في تحقيق هذا التوغل عبر إنشاء المراكز التجارية. كما لجأ الافارقة الى توقيع المعاهدات مع الأوروبيين حيث اعتقد هؤلاء ان هذه الاتفاقيات تشكل نوعا من التحالف أكثر من كونها عملا من أعمال الاحتلال والسيطرة، فارتبطت معظم ممالك إفريقيا باتفاقيات مع الدول الأوروبية ومهدت هذه الاتفاقيات لتوسيع امتيازات الأوروبيين في أفق اخضاع المنطقة للاستعمار.
دخلت إفريقيا بذلك مرحلة من التنافس الاستعماري منذ القرن 19م، فبعد وصول البرتغاليين في منتصف القرن 15م، التحقت بها كل من فرنسا هولندا وانجلترا، حيث ركز الإنجليز اهتمامهم على شراء العبيد الذين يمكن بيعهم في جزر الهند الغربية وأمريكا. ومنح الملك لويس الثالث عشر ملك فرنسا سنة 1624م لشركة فرنسة تصريحا للتجارة في السنغال، فأسس الفرنسيون سان لوي في السنغال سنة 1658م لتكون مركزا تجاريا محصنا عند مدخل نهر السنيغال.
واشتد الصراع بين بريطانيا وفرنسا على إدارة هذه المنطقة طوال القرن 18م، فاعترفت بريطانيا سنة 1815م للإدارة الفرنسة بـ سان لوي، غير ان فرنسا لم توسع سلطتها الإدارية على إفريقيا الغربية الفرنسية إلا في أواخر القرن 19م، حيث جمعت فرنسا سنة 1895م مستعمراتها في إفريقيا الغربية تحت سلطة حاكم عام، فأصبحت داكار هي المقر الرسمي للحاكم العام سنة 1902م.
لقد تشابهت ملامح السياسة الاستعمارية بإفريقيا بالرغم من تشكل خريطة استعمارية على أساس موازين القوى الأوروبية، حيث احتفظت البرتغال بجزء من غامبيا انغولا، وانفردت فرنسا بمجال واسع قسمته إداريا الى مجالين كبيرين، افريقيا الاستوائية الفرنسية وإفريقيا الغربية الفرنسية حيث أطلق هذا الاخير على اتحاد مكون من ثماني مناطق في إفريقيا الغربية، وقد ادارت فرنسا هذه المناطق في الفترة ما بين 1895 الى 1958م حيث كانت دكار عاصمة هذا الاتحاد ومركزه الإداري. شمل مجال مقاطعة إفريقيا الغربية الفرنسية ثمان مناطق تشكلت على أساس كل منها دولة وطنية حديثة مستقلة وهي الدول التالية: بنين، غينيا، مالي، موريتانيا، ساحل العاج، النيجر، بوركينا فاسو والسنغال.
أما إفريقيا الغربية الاستوائية فقد شكلت مقاطعة استعمارية فرنسية تضم أربع مناطق أو دول وهي: جمهورية إفريقيا الوسطى، الكونغو، التشاد والغابون
كما اخضعت بريطانيا مناطق من نيجيريا أجزاء أخرى بالموازاة مع مستعمراتها بإفريقيا الشرقية.
لقد أضفى تشابه السياقات التي مر منها الاستعمار وتشابه أسبابه مظاهره ونتائجه طابعا نمطيا على الظاهرة الاستعمارية رغم اختلاف مسمياتها (انتداب، حماية، استعمار مباشر...) حيث أسهمت السياسة الاستعمارية في خلق شروط تشكل الدولة الحديثة عبر إقامة الهياكل الإدارية والتنظيمية للدولة، كما ضعت خريطة إفريقيا المعاصرة وخلق الشرط الفكري لتشكل نزعة قومية ستسم تاريخ إفريقيا المعاصر.
 خاتمة:
لقد زود المغرب السودان بمقوماته المادية الاقتصادية والفكرية البشرية، فأسهم بقسط وافر في تشكل الحضارة الإسلامية بالسودان الغربي، حيث تأثرت العلاقات المغربية الافريقية بالتحولات التاريخية التي عرفها المجال المتوسطي. عرفت هذه العلاقات أوج ازدهارها منذ بداية القرن الفترة الإسلامية خلال الحقبة الوسيطية، وبدأ تراجع هذه العلاقات تحت تأثير نتائج الكشوفات الجغرافية وما واكبها من تراجع للتجارة الصحراوية التي شكلت الشرط المادي لهذا التواصل، إذ اتخذ هذا التراجع أشكالا مختلفة تعمقت خلال المرحلة الاستعمارية منذ القرن 19م الي خلقت قطيعة في هذا التواصل بما شكلته من استهداف لمقومات الحضارة الإسلامية من دين ولغة وغيرها، فوضع الاستعمار إطارا جديدا لتواصل افريقيا بمحيطها الدولي، حيث تعزز ارتباطها بالغرب الأوروبي وثقافته في مقابل تراجع أسس علاقات افريقيا بالعالم الإسلامي بالرغم من حفاظ المغرب على علاقاته بإفريقيا الغربية عبر المذهب المالكي والإسلام التصوف ...

0 التعليقات:

إرسال تعليق